رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أول كينية تذهب فى بعثة تعليمية إلى أمريكا..
«وانجارى ماثاى» المرأة التى لم تنحن إلا لتزرع شجرة

محمد البرغوثى

امتلكتْ مؤهلات الانتساب إلى النخبة المسيطرة.. ولكنها كشفت خيانة النخب وتمكنت من زراعة 50 مليون شجرة

 

لا يحل موعد جائزة نوبل للسلام فى أكتوبر من كل عام، إلاوأتذكر على الفور سيدة رائعة من جمهورية كينيا التى تقع فى شرقى إفريقيا، هى عالمة البيولوجيا وأستاذ التشريح البيطرى فى جامعة نيروبى العاصمة «وانجارى ماثاى» التى منحتها الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للسلام عام 2004، وقالت عنها لجنة الجائزة كلاما مقتضبا لا يرقى أبداً للإحاطة ولو بجزء ضئيل من أسطورة امرأة، تمكنت بمفردها من أن تجمع حولها آلاف النساء الفقيرات، ليس فقط لإنقاذ أنفسهن وأسرهن من الفقر والبؤس والقذارة والأمراض المهلكة، ولكن لإنقاذ بلدها من الأساس من أخطر عملية نهب وتدمير لثرواتها، مارسها الاستعمار الغربى المتوحش ضد قارة إفريقيا ومازال يمارسها حتى الآن.

وتكمن أسطورة «وانجارى ماثاى» فى أنها كانت دائما مؤهلة للالتحاق بالنخبة المسيطرة فى بلدها والاستمتاع بكل ما تستمتع به هذه النخبة من مظاهر الثراء الفاحش، فقد كانت «وانجارى» تنتمى بحكم المولد إلى قبيلة شديدة المراس لم تقبل التعامل أبداً مع السلطات الاستعمارية ولا مع المبشرين، ثم إنها كانت من أوائل من استقلوا الطائرات وسافروا إلى الغرب للحصول على درجات علمية رفيعة، وقد حصلت على الماجستير فى علوم البيولوجيا من جامعة بيتسبرج الأمريكية، كما أنها كانت أول امرأة من شرق ووسط إفريقيا كله تحصل على درجة الدكتوراة عام 1971، وكانت دائما على درجة معقولة من الستر المادى تؤهلها لأن تكرر طريق الطبقة المتوسطة الأزلى إلى قمة السلطة والثراء، ثم تغادر القمة والحياة معا دون أدنى تغيير جوهرى فى محيطها الإنسانى أو الوطنى أو القومى. ورغم انضمام «وانجارى» فى عمر مبكر إلى المجلس القومى للمرأة فى كينيا عام 1977، واقترابها من وهج الشهرة وتحقيق خلاصها الفردى، من خلال هذا التنظيم الذى تم استنساخه بدأب فارغ فى كل دول العالم الثالث، فقد اختارت أن تشق لنفسها طريقاً مختلفاً تماماً، تكمن فيه جوهر هذه الاسطورة التى قدمت لبلدها وللعديد من بلدان شرق ووسط إفريقيا، ما عجزت عنه كل حشود النخب السياسية والاقتصادية فى معظم دول العالم الثالث.

فما الذى فعلته هذه السيدة الرائعة؟.. الأمر شديد البساطة وبديهى ولكنه أصبح فاضحا أيضا لكل تفاهات وتهافت دعاة البحث عن «أفكار من خارج الصندوق» لتطوير بلدانهم أو شركاتهم. لقد نظرت «وانجارى ماثاى» حولها لدى عودتها من البعثة التعليمية فى أمريكا فلم تجد غير الجفاف والتصحر وتآكل التربة وانتشار مستنقعات المياه فى أنحاء كينيا، وأدركت على الفور أن الأراضى الغنية بالموارد وشديدة الخصوبة قد تصحرت بعد أن تغولت شركات الأخشاب العالمية فى قطع الأشجار وإزالة الغابات، كما أدركت أن وحشية الاستعمار البريطانى فى تغيير النمط الزراعى الكينى واللجوء إلى إزالة الأشجار المحلية من مناطق شاسعة وزراعتها بمحصولى البن والشاى فقط، كان سببا رئيسيا ضمن أسباب أخرى فى الدمار البيئى الذى لحق بوطنها، وفى التغيرات المناخية التى حملت التصحر والجفاف إلى أغنى بلدان الدنيا بالموارد الطبيعية.

واتخذت «وانجارى ماثاى» قرارها على الفور: لماذا لا نعود إلى ما كنا عليه قبل مجيء الاستعمار؟.. ولماذا لا نفعل شيئا يختلف تماما عما يفعله القادة الأفارقة الفاسدون الذين خانوا أحلام وطموحات شعوبهم.. واستخدموا الحصانة السياسية فى اقتسام ثروات البلاد مع المستعمر الذى لم يرحل حتى الآن من إفريقيا كلها؟!.

وتلخص وانجارى ماثاى فى كتابها الرائع «إفريقيا والتحدى» العدد 410 من سلسلة عالم المعرفة الذى ألفته بعد حصولها على نوبل للسلام بأربع سنوات، جوهر ما فعلته فى بلدها عندما أسست عام 1977 حركة الحزام الأخضر لإعادة زراعة الأشجار المحلية التى أبادها الاستعمار، ودمرتها الشركات المملوكة للأجانب التى يعمل بها القادة وأبناؤهم مستشارين يتقاضون رواتب ضخمة دون أداء أى عمل حقيقى غير الحفاظ على النمط الاستعمارى لإدارة اقتصاد دول القارة الإفريقية.




تقول وانجارى فى كتابها: «إننا نناضل ليس فقط من أجل مستقبل أبنائنا وأبناء الرجال الذين كبروا معنا.. ولكننا نناضل أيضا من أجل الأجيال القادمة من الأنواع الأخرى».. ثم تشرح ما تعنيه بالأنواع الأخرى بقولها: «بالنظر إلى الثروة الهائلة لغابات الكونغو، على سبيل المثال، فمن الممكن أن ندرك أن ما هو غير بشرى هو الذى يضمن لنا الاستمرار فى الوجود، فمن دون البشر تنمو المخلوقات والنباتات والأشجار، لكن من دون تلك الأنواع، لا أمل للبشر فى البقاء». وانطلاقا من هذه الرؤية البسيطة جدا تمكنت «وانجارى ماثاى» من أن تجمع حولها آلاف النساء اللاتى قمن بزراعة أكثر من 30 مليون شجرة فى أنحاء كينيا، ثم ما لبثت عدوى زراعة الأشجار المحلية التى أوشكت على الانقراض، أن امتدت إلى دول شرق ووسط إفريقيا، حتى بلغ عدد الأشجار المزروعة بفضل حملة «حركة الحزام الأخضر» أكثر من 50 مليون شجرة فى أقل من عشرين عاما.

ولم تكن زراعة الأشجار المحلية التى اقتلعها الحكام الوطنيون بتواطؤ واضح مع مستشارى وخبراء صندوق النقد الدولى، مجرد هدف وحيد لهذه الحركة المدهشة، فقد راحت «وانجارى» عبر حلقات توعية ثقافية تحض النساء الفقيرات الجائعات على استعادة ثقافتهن الإفريقية، وانطلاقا من حكمتها الأثيرة «النظر إلى الوراء للمضى قدما»، تحكى «وانجارى» قصة الحلقة المفقودة التى تسببت فى مزيد من تدمير قارة افريقيا الغنية بالموارد، ومزيد من إفقار الشعوب الإفريقية ودفعها دفعا إلى استمراء العبودية.. تقول وانجاري: لم يبدأ اهتمامى بجذورى الثقافية حتى ذهابى إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1960، وعندما تذكرت ما رواه لى أجدادى عن تاريخ مجتمعنا، بدأت أدرك أن الكثير مما حدث فى إفريقيا قبل الاستعمار كان خيرا، على عكس ماعلمونى.. لقد كان القادة (المحليون) مسئولين أمام شعبهم الذى كان قادرا على إطعام وكسوة وإسكان نفسه... لقد قاس جدودى سعادتهم ورفاهيتهم المادية والروحية بطرق مختلفة إلى حد كبير عن اليوم.. كانت وسيلة التبادل لديهم هى الماعز، واضطلعوا بتربية الحيوانات المستأنسة، وعاملوها بطريقة إنسانية، وزرعوا مجموعة متنوعة من المحاصيل الغذائية فى أراضيهم، ونظرا إلى أن معظم احتياجاتهم الأساسية قد تم الوفاء بها، فلم يعتبروا أنفسهم فقراء، وعاشوا داخل مجتمع حافل بالطقوس والشعائر ووسائل التعبير عن ارتباطهم بالأرض، ولم يشعروا بالاغتراب، أو بأنهم بلا هدف فى عالم مادى بلا مغزى يحدد القيمة بالدولارات.. لقد كان عالمهم يحيا بروح الله».

ثم تضيف «وانجارى»: عندما توفيت والدتى عام 2000، كان قد تم التضحية بكل شىء من أجل المال.. الغابات والأرض والماعز والقيم وحتى البشر. وفى اقتصاد نقدى، أصبح من الضرورى تدمير البيئة وامتلاك جزء منها، وإنكار حق أصحابها فى استخدامها».

وتسجل «وانجارى» أن بحثها فى تراثها الإفريقى أثناء وجودها وبعد عودتها من أمريكا، قادها إلى الاقتناع النهائى بأن معتقدات الحداثة

ــ إيمانها بأن البضائع والتكنولوجيا والابتكار بأى ثمن، سوف يحل كل مشكلاتنا ــ غير كافية لتوفير توجه أخلاقى لحياتنا.. وفى النهاية بدأت فى قبول، وحتى الاشتياق إلى ذلك الجزء منها الذى حُجب طويلا.. الجزء الموجود فى ثقافتها الإفريقية التى حجبها الاستعمار بعد أن دمغها بالتخلف.. ومن خلال اتصالها بالنساء الفقيرات المحطمات فى كينيا عثرت «وانجارى» على الروابط الخبيثة بين «الفقر والتدهور البيئى وفقدان الثقافة».




لقد اكتشفت «وانجارى» أن المزارعين الفقراء فى بلدها شاركوا المستعمر فى اجتثاث ثقافتهم، وفى اقتلاع الأشجار القليلة المتبقية لديهم، وفى قبول النظرة الاستعمارية الدونية لهم، وكأنها حقيقة لافكاك منها، وعندما آمن الأفارقة بأن ثقافتهم شيطانية وبدائية فقدوا إحساسهم بالمسئولية الجماعية، وخضعوا، ليس لإله الحب والرحمة الذى عرفته مجتمعاتهم قبل مجىء الاستعمار، وإنما لآلهة المادية والفردانية، وكانت النتيجة إفقارا متزايدا.. لقد فرغت الأرواح من الرحمة مثلما فرغت البطون والمخازن من القمح».

ثم تمضى «وانجارى» لتسجل رؤيتها الأكثر عمقا لضحالة النخبة المسيطرة فى كينيا بقولها: حتى ذوى السلطة والثراء تعرضوا للحرمان من إرثهم الثقافى، «بل كانوا عاجزين أيضا عن حماية بيئتهم من الدمار المباشر.. فقد كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم عابرو سبيل، أخذوا كل ما استطاعوا فى سبيل عبورهم، وهذا ما يفسر لى أيضا السبب فى أن كثيرا من الأفارقة، القادة والمواطنين العاديين، قد سهلوا استغلال بلادهم وشعوبهم.. فمن دون ثقافة، فقدوا معرفتهم بهويتهم وما يجب أن يكون عليه مصيرهم».

فى بداية عملها بزراعة أشجار كينيا المحلية، لاحظت «وانجارى ماثاى» أن النظرة السياسية السائدة لها هى أنها «معادية للسلطة».. والحقيقة أنها كانت بما تفعله وتقوله تفعل ماهو أكثر من مجرد معاداة السلطة الوطنية التى ورثت الحكم من الاستعمار بعد الاستقلال.. لقد كانت برؤيتها الثاقبة تجرد هؤلاء الحكام من أدنى مراتب الشرف والجدارة الإنسانية، كانت ببساطة شديدة تعرف من أين جاء هؤلاء القادة، وهى تكشف فى كتابها «إفريقيا والتحدى» عن هذه الرؤية بقولها:

«يتساءل الكثيرون ممن يعنيهم مصير إفريقيا عن السبب وراء معاملة الكثير من القادة الأفارقة مابعد الاستعمار، لمواطنيهم بمثل هذه القسوة، ولماذا لايزال عدد كبير جدا من البلدان الإفريقية بعد قرابة قرن من الاستقلال نماذج للفشل والفقر وسوء الأداء الوظيفى؟». وتقدم «وانجارى» الإجابة بالرجوع إلى بدايات اتفاق بريطانيا العظمى وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال وبلجيكا على تقسيم إفريقيا إلى مناطق نفوذ فى مؤتمر برلين الذى عقد فى 1884 ــ 1885، وعندما وصلوا إلى إفريقيا لم يجدوا من يتعامل معهم من السكان المحليين غير «المنبوذين» من قبائلهم لخروجهم على نظام القبيلة أو لارتكابهم جرائم مخلة بالشرف.. وقد حرص المستعمر على ترقية هؤلاء الناس ووضعهم فى وظائف الرواد والرؤساء، ومع الوقت تحول هؤلاء المنبوذون إلى عملاء وجامعى معلومات وساعدوا القوى الامبريالية فى القبض على القادة المحليين الحقيقيين، وأدت ترقية سلطات الاستعمار لهؤلاء الخونة وفرضهم على مجتمع رافض لهم إلى تأسيس إدارة إقليمية ظالمة عملت على تقويض نظم الحكم القائمة على العدالة. وأصبح أصحاب النفوذ الجدد المنبوذون هم النخبة الإفريقية الجديدة!.

وبعد زوال الاستعمار التقليدى كما ترى «وانجارى» اطمأن مديرو المستعمرات المغادرون إلى أن القادة الذين أمسكوا بزمام السلطة متعاونون سياسيا، كما كانوا طيعين اقتصاديا، قد أغدقت الدول الاستعمارية منذ ذلك الوقت على هؤلاء القادة كل ألوان الدعم والحماية، وأتيحت لهم الفرص لفتح حسابات مصرفية سرية فى العواصم الأجنبية، وجرى تزويد جيوشهم بكل الأسلحة والمعدات التى كانت تستخدم فى أغلب الأحيان لإسكات مواطنيهم، أو لمحاربة بعضهم البعض.. وطوال عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، دمرت الحروب الداخلية اقتصاديات معظم دول إفريقيا.. ولكنها لم تؤثر إطلاقا حتى الآن فى وضع الشركات الأجنبية التى مازالت تجنى المليارات سنويا من نهب موارد أغنى قارات العالم بالموارد!.

إن هذا الوعى بأبسط حقائق التاريخ الأفريقى لدى «وانجارى ماثاى».. وميلها الفطرى إلى إدراك الفقر الروحى والدناءة فى الحضارة الغربية، وعودتها إلى جذورها وثقافتها، وإدراكها لحقيقة النخبة السياسية والاقتصادية المسيطرة فى هذه القارة الموبوءة بحكم المنبوذين، جعلها لا تتراجع أبدا فى معركة استعادة إفريقيا لأشجارها التاريخية ولمحاصيلها التقليدية وللعادات والتقاليد والمراسم التى وجدت فيها تحضرا وقيما روحية تفتقر اليها الحضارة الغربية ولهذا أصرت «وانجارى» على اتخاذ زراعة الأشجار المحلية سبيلا لخوض كل المعارك السياسية والاقتصادية والحضارية دفعة واحدة.. وبعد عقد واحد من كفاحها فى محاربة المحاصيل النقدية التى تزرعها الشركات الأجنبية للتصدير، كان الآلاف من نساء كينيا والملايين من نساء شرق ووسط إفريقيا يستعدن كرامتهن، ويخلقن لأنفسهن وللأسر التى ينتمين اليها فرص عمل حقيقية، ويعدن إلى استعادة الأكلات المحلية، ويزرعن الخضراوات والخضار الكافى لإمداد أسرهن بالعناصر الغدائية اللازمة لمجرد الاستمرار على قيد الحياة.. وشيئاً فشياً امتد عمل حركة الحزام الأخضر فى التصدى المنظم لغياب الرجال عن أسرهم وحرمان ملايين العائلات من وجود الأب بينهم، لأنه يقضى عمره كله مستبعداً فى مزارع عملاقة مملوكة لشركات أجنبية تزرع البن والشاى والكاكاو لتصديره إلى السوبر ماركت العالمى، وكان غياب الآباء سببا إضافياً فى إقبالهم على تعاطى الكحوليات بشراهة، وعلى تشرد أطفالهم، وهاهى «وانجارى ماثاى» تلتقط فى براعة شديدة الأساس الاستعمارى لاقتلاع الرجل الإفريقى بعيداً عن أسرته بقولها: منذ الأيام الأولى للرق، مروراً بالاستعمار وما بعد الاستعمار، اعتمد النظام الاقتصادى بأكمله على اقتلاع الرجل الإفريقى بعيداً عن أسرته وإجباره على البحث عن عمل بعيداً عن وطنه: فى المزارع التجارية والمناجم وداخل المحاجر وعندما كان من المفترض أن يكون الرجل الأبيض فاضلا ومسئولا تجاه زوجته وأبنائه، كان يجرى تقويض سلامة الأسرة الإفريقية.

وهى فى تجوالها الرائع المزهر لتزرع الأشجار، لاتترك الامراض المتوطنة والعادات والتقاليد التى أنتجها التخلف والعبودية والفقر دون علاج.. لقد قدمت المساعدة لآلاف النساء المصابات بالإيدز، وملأت حياة كل منهن بالعمل والغناء والإنتاج بدلا من الجلوس منبوذة فى انتظار الموت.. كما عالجت الملايين من أطفال كينيا ودول إفريقية أخرى من الملاريا بوسائل شديدة البساطة استعادت بها تراث المجتمعات القديمة فى علاج أمراضه المتوطنة بالغذاء الصحى وبعض النباتات البرية. وهى فى نهاية كتابها «إفريقيا والتحدى» تكرر ما قالته فى كتاب آخر بعنوان «لم أنحن» وضعته عن سيرتها الذاتية.. حيث تؤكد أن السبب الوحيد فى كل مافعلته هو إصرارها على «الإصلاح».. والإصلاح فى رأيها يتلخص فى «إعادة ما هو ضرورى حتى نتمكن من المضى قدما، فزراعة الأشجار والتحدث بلغتنا، وأن نحكى قصصنا، وألا ننبذ حياة أجدادنا، جميعها جزء من فعل المحافظة على البيئة. نحن بحاجة إلى حماية أطعمتنا المحلية، وتذكر كيفية زراعتها وطهيها، ولابد لنا من تذكر كيفية صناعة ملابسنا وارتدائها بفخر، ونحن بحاجة إلى تذكر لغاتنا الأم.




فدعونا نمارس روحانيتنا ونرقص رقصاتنا ونحيى رموزنا ونعيد اكتشاف شخصيتنا المشتركة. ومن دون أعمال التجديد الثقافية هذه، نكون مجرد ضحايا الموضة، وأصحاب نزوات غدائية، ونؤدى طقوسا فارغة، ونستخدم علامات لامغزى لها للتقدم فى عالم مجرد من العمق أو المعنى.. ونكون ضعفاء أمام أى شخص يريد استغلالنا».

هل تمكنت «وانجارى ماثاى» من أن تفعل شيئاً من وراء زراعة الأشجار قبل رحيلها فى سبتمبر 2011؟. الحقيقة أنها فعلت ماتعجز عن فعله كل النخب السياسية ودعاه التفكير خارج الصندوق والباحثين عن تمويل أجنبى دائماً لأفكارهم التافهة. أنظر إليها مثلا وهى تتحدث بحب واحترام عن فلاحات النيجر: «بهدوء وخارج دائرة ضوء الاهتمام الدولى والمؤتمرات والحفلات، وعلى مدى عقدين قامت فلاحات النيجر بزراعة أشجار تغطى 7٫5 مليون فدان، لاتعوق رمال الصحراء فحسب، بل تعيد الاخضرار إلى أجزاء من الساحل وتزود البيوت بالطعام والوقود والدخل عندما يبيعون فروع الأشجار من أجل حطب الوقود». وفى ليبيريا وبإلهام من حركة الحزام الأخضر أدى توثيق انتهاكات حقوق الانسان بتقطيع أشجار الغابات، واستخدام عائدات تصديرها فى تمويل الحرب الأهلية، إلى قيام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بفرض حظر على تصدير الأخشاب الليبرية.

الأكثر من ذلك بالطبع، هو أن «وانجارى ماثاى» لم تغادر الحياة قبل أن تكشف للكافة أن منظمات المجتمع المدنى التى تقوم بالاساس على تلقى المساعدات الأجنبية لمساعدة مجتمعاتها المحلية.. وأن الحكومات الأجنبية التى سقطت فى فخ القروض لتنمية بلدانها.. لن تفعل شيئاً أكثر من تسخير كل موارد البلاد لسداد هذه الديون وفوائدها.. وعندما تعجز عن السداد، وهى غالبا ستعجز، لن يكون أمامها غير بيع أغلى أصولها ومواردها للدائنين.. وما من طريق واضح وبسيط للتنمية الحقيقية وإنقاذ شعوب العالم الثالث من المرض والتخلف والقهر والعبودية والقمع.. غير أن ننظر إلى الوراء وأن نعود إلى تراثنا.. حتى نتمكن من المضى قدماً.!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق