رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تجربة رائدة فى قلب القاهرة..
التنمية تهزم المخلفات البيئية

تحقيق ــ هشام جلال ــ حسام كمال الدين ــ كمال الجرنوسى ــ ريهام حازم

فى منطقة حدائق القبة بالقاهرة، رصدت «تحقيقات الأهرام» تجربة إبداعية فريدة من نوعها، قام بها 32 متطوعاً من أبناء المنطقة، أرادوا أن يغيروا الواقع بأيديهم، ويخوضوا تجربة جديرة بالاحترام، عندما قرروا تحويل مقلب قمامة على مساحة فدان كامل، كانت تلقى به كل نفايات الحي، حتى تكدست وصارت بالأطنان، وتحولت معها المنطقة بأكملها الى مصدر للتلوث، وطوال شهرين من العمل المتواصل، تمكنوا من رفع نحو3000 طن من المخلفات نقلتها 140 حاوية (كونتينر) ، كان هدفهم بعد تنظيفها تحويلها الى حديقة، ولكن بعدما انتهوا من تنظيف المكان.. علا سقف طموحهم وصار حلمهم أكبر من ذلك، فقرروا أن يكون هذا المكان مركزاً لتنمية المهارات الإبداعية من خلال تدوير المخلفات بأساليب علمية بسيطة وسهلة وفى المتناول، وإعادة الاستفادة منها، وعلى الرغم من اختلاف وظائفهم واهتماماتهم فإن هذه التجربة وحدت فكرهم، وأثرت فى مستقبلهم وأخرجت إبداعاً كان كامناً .. هم أنفسهم لم يكونوا يعلمون شيئاً عنه.

التقينا بمنسق الفريق نبيل محروس - يعمل فى وزارة التربية والتعليم - والذى رافقنا فى جولة داخل المركز للتعرف على أنواع الأنشطة المقامة هناك على أرض الواقع، وقال : بعد أن انتهينا من رفع أكوام القمامة قررنا أن نقدم للمجتمع عملا هادفا، وتشاورنا فيما بيننا ماذا نفعل بكل هذه المساحة؟ وخاصة أننا نعمل فى مهن مختلفة، حتى استقرت فى أذهاننا فكرة إنشاء مؤسسة «ازرع شجرة للتنمية الاجتماعية» وهى خاضعة لوزارة التضامن الاجتماعي، غير هادفة للربح وقائمة على التطوع والمجهود الذاتي، ولا يوجد لدينا أي جهة مانحة من الداخل أو الخارج والجمعية قائمة على الاستفادة من فكرة التنمية المستديمة، وأصبح لدينا هدف كبير وهو مساندة الدولة فى الحفاظ على البيئة من التلوث وذلك بنشر فكر جديد فى المجتمع من خلال زراعة أسطح المنازل وتدوير المخلفات، فحولنا المكان لمركز للتنمية الفكرية ونشر ثقافة جديدة فى المجتمع وتنمية المهارات خاصة لدى الأطفال من خلال عدد من المحطات، منها محطة لتدوير المخلفات وثانية للصوبة، وأخرى للمنحل، وحديقة حيوان مصغرة ومزرعة سمكية ومزرعة للدود، وكذلك محطة للاستفادة من المخلفات النباتية، وأخرى للاستفادة من المخلفات العضوية للحيوانات من خلال عدة مراحل لتحويلها الى سماد عضوى يعاد تدويره والاستفادة به فى العملية الزراعية والتسميد الحيوى «الأورجانيك» بهدف الاستغناء عن الكيماويات والأسمدة الصناعية فى عملية الزراعة لضمان جودة المزروعات والحفاظ على صحة الإنسان.

وبما أننا جمعية لا تهدف للربح، ولكنها تحتاج لموارد مادية حتى تستطيع أن تستمر، نقوم ببيع المنتجات التى تنتجها الجمعية، من عسل وسماد عضوى وطيور ونباتات نادرة، حتى نتمكن من الإنفاق على الأنشطة المختلفة.

تدوير المخلفات

بدأنا جولتنا بالمحطة الأولى وشاهدنا عملية تدوير مخلفات الأخشاب والبلاستيك وإطارات السيارات حيث تم تطويعها وتحويل الزجاجات البلاستيكية الى شكل طائر البجع وتلوينه، كما رأينا كيف تم استغلال إطارات السيارات وتحويلها الى مقاعد وأحواض زرع معلقة لنباتات الزينة، ويقول نبيل محروس : استفدنا بهذه الأحواض فى تزيين وتجميل جدران بعض المدارس خاصة التى تتكون أفنيتها من البلاط ولن نستطيع أن نزرع فى أرضها.

التقينا سامى صبحي- يعمل فى الكشافة ويهوى زراعة النباتات الطبية، اصطحبنا لمحطة الصوبة الزراعية وقال: إن الهدف من هذه المرحلة هو القيام بعملية إكثار للأشجار والنباتات النادرة، ونزرع النبات فى غير موسمه فى بيوت زجاجية أو بلاستيكية بالاستفادة بالهندسة الوراثية والجينات، حيث نقوم بزراعة النباتات الطبية والعطرية مثل الريحان، والروزميري، والزعتر والمورينجا، وهذه النباتات تستخدم فى علاج عديد من الأمراض، ولدينا قسم خاص للأشجار النادرة مثل فاكهة الشيكو من البرازيل، والبشان فروت من أمريكا، وشجرة البرتقال الياباني، وشجرة الدراجون فروت من آسيا، وهذه الأشجار نسعى لنشرها فى المجتمع ونقوم بعملية إكثار لها لأنها مناسبة للبيئة المصرية من جهة وكذلك لارتفاع قيمتها الغذائية، مثل البرتقال اليابانى الذى تحتوى الثمرة الواحدة منه على نسب عالية جداً من الكالسيوم، والباشون فروت تحتوى على مضادات أكسدة عالية جداً، أما ثمرة «الشيكو» فهى تحتوى على مركبات لتقوية الذاكرة والمناعة فى الجسم، كما أن ثمرة «الدراجون» تحتوى على قيمة عالية من الفسفور، وتنتج هذه الثمرة بعد 16 شهراً من زراعتها ويمكن زراعتها بسهولة.

«المورينجا»

وهنا التقط نبيل محروس خيط الحديث ليتكلم عن أهم الأشجار التى يهتمون بزراعتها وهى «المورينجا»، وقال هى شجرة ليست حديثة لكنها موجودة منذ أيام الفراعنة منذ عهد الأسرة الـ18، قمنا بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية، بزراعة مليون و200 ألف شجرة، وهذه الشجرة لها منافع عديدة حيث تحتوى على 36 مضاد أكسدة، ومضاد التهابات، وهى تعالج أمراض السمنة والأنيميا والضغط، وتوصف بأنها شجرة «غصن البان»، وهناك 7 زيوت مقدسة من ضمنها المورينجا، وهناك 5 قارورات زيوت موجودة فى المتحف المصرى لم تتهدرج أو تتحول الى زرنيخ منها زيت المورينجا، زرعنا هذه الشجرة للتوعية بأهمية زراعتها بكميات كبيرة وتبرعنا بـ200 شجرة لمستشفى مجدى يعقوب بأسوان، وفى مستشفى 57357 زرعنا 200شجرة للمساهمة فى علاج الأطفال من السرطان من خلال عمل «كيكة المورينجا» التى تحتوى على 46مضاد أكسدة تساعد على الشفاء، وزرعنا فى المخيم الدائم للأزهر الشريف 200 شجرة وفى المتحف المصري، وزرعنا فى الأكاديمية البحرية فى الإسكندرية.. قدمنا هذه الأشجار لنشر التوعية بأهمية الشجرة وتعظيم الاستفادة منها فى المجتمع، وقمنا بعمل مبادرة الـ10 شجرات لكل مدرسة، و100 شجرة لكل شارع فى العديد من المناطق فى القاهرة وبعض المحافظات.

ويقول الشيخ رضا عبد الخالق من علماء الأزهر وأحد أعضاء الفريق، لو قمنا بزراعة فدان من المورينجا بحد أدنى 700 شجرة يعطينا 100ألف جنيه فى السنة الأولى كجدوى اقتصادية، وأوراق شجرة المورينجا يمكن استخدامها كمشروب دافئ مثل الشاى لرفع مضادات الأكسدة فى الجسم، ويمكن طحنه كبودرة تستخدم مثل التوابل ويضاف الى الأطعمة، ومن البذور نستخلص الزيت ويمكن أن يدخل فى صناعة الصابون، ويستخدم تفل البذور فى تصنيع فلاتر المياه لأنها تقتل 99% من البكتريا الموجودة فى المياه، ومن الحطب المفروم نقوم بعمل «الكومبوست» وهى مغذيات من السماد العضوى الطبيعى ومغذيات للطيور والمواشي، ويتم تصنيع مخبوزات منها مثل الكيك والبيتزا، والأيس كريم ومعظم الحلويات للاستفادة من مضادات الأكسدة، ولو استثمرنا فى مصر فى شجرة المورينجا سيكون عائدها الاقتصادى عاليا خاصة وأن الكيلو من زيت المورينجا يباع بـ 700 جنيه، ويمكن تصديره، بالإضافة الى أن الشجرة يمكن زراعتها بجانب المزروعات والمحاصيل الأخرى دون التأثير عليها بل على العكس فإن بذور المورينجا تقتل مرضا خطيرا فى الأرض يسمى «النيماتودا» وذلك سوف يغنينا عن استخدام الأسمدة والمبيدات، لأن الشجرة الواحدة تعطينا 16 متراً مربعا من الحماية للتربة، وننتج شتلة المورينجا بأسعار زهيدة جداً، وهى أقل استهلاكاً للمياه وتحتاج إلى لتر ماء واحد فى الأسبوع كما تتحمل نسبة الملوحة المرتفعة ويمكن زراعتها فى الأراضى الصحراوية وكل أنواع التربة وهى شجرة سريعة النمو.


سماد عضوي

انتقلنا الى مرحلة مهمة وهى تدوير المخلفات، التقينا فيها مع عصام التهامى مدير مدرسة النقراشى الثانوية، وشرح لنا كيف يتم القيام بتدوير المخلفات من خلال القيام فى هذه المرحلة بجمع ورق الشجر ثم تحليله بإضافة مادة تساعد على التحلل فى ثلاثة أيام فقط، فتتحول الى سماد عضوي، وتستخدم كطعام للديدان، التى تستعمل فى تحويل مخلفات القمامة العضوية الى سماد عضوى أيضاً، ويضيف استقدمنا أنواعا عالية الجودة من الديدان لاستخدامها كوحدة لإنتاج الكومبوست مثل (دودة الدويجلر أو التايجر أو الزاحف الافريقي) وهى أنواع من دودة الأرض التى تأكل المخلفات العضوية، وكل كيلو دود يأكل كيلو قمامة وكل طن دود يخلصنا من طن قمامة يمكن تحويلها الى كومبوست، وطن الكومبوست يباع بـ10 آلاف جنيه وتتم هذه العملية خلال شهرين فقط ويستخدم فى زراعة النباتات الأورجانيك، وبالتالى استخدمنا ورق الشحر كأحد مخلفات البيئة وأعدنا تدويرها، كما نتعامل مع المخلفات الحيوانية مثل روث البهائم والخيول بجمعها فى مكامير، ونضيف عليها عددا من قوالب الخميرة بيرة وكيلو عسل ونقوم بتغطيتها لمدة زمنية معينة وتنتج لنا سمادا عضويا حيوانيا عالى الجودة.

المنطقة السكنية

سألنا عن دور المؤسسة تجاه المنطقة السكنية المحيطة ومدى استجابة السكان وتفاعلهم مع أنشطة الجمعية، فأجابنا تامر يسرى - معلم - أن الكتلة السكنية التى غيرنا منظورها للمكان بعد التخلص من مقلب القمامة، وبدأوا فى التفاعل معنا من خلال قيامهم بزراعة بلكوناتهم وأسطح منازلهم من إنتاجنا، ويتعاونون معنا فى إرسال أكياس القمامة الخاصة بهم لنا لاستخدامها فى عملية التدوير وتحويلها الى سماد عضوي.

المحطة الأخيرة

وفى المحطة الأخيرة التقينا نادية شوقى سكرتير عام الجمعية التى أطلعتنا على دور المؤسسة فى تنمية مهارات الأطفال وكيفية تنمية الوعى البيئى لديهم بطرق غير تقليدية من خلال استقبال طلاب المدارس والحضانات، وتعليم الأطفال الموسيقى والزراعة والرسم وتدوير المخلفات، مثل تدريب الطلاب على الاستفادة من إطارات السيارات وتحويلها الى وحدات نباتية لها مظهر جمالى ويقومون بتجهيزها بأنفسهم وفى نهاية التجربة يأخذونها إلى مدارسهم ويزينون بها جدران المدرسة.

انتهت جولتنا فى مؤسسة «ازرع شجرة»، وكانت تجربة فريدة من نوعها شاهدنا فيها كيف استطاعت المؤسسة أن تقوم بدور غير تقليدى لنشر الوعى البيئى فى المجتمع وبأساليب بسيطة، وضربت لنا مثالاً يحتذى به فى مشاركة المجتمع المدنى فى تنمية البيئة والمحافظة عليها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق