► العلماء: العقول تصنع الحضارة وتعطيلها ضياع للدنيا والدين
► لا بد من مواجهة شاملة يتكامل فيها الخطاب الثقافى والفكرى مع الدينى والإعلامى
سمومٌ تفتك بأهمّ طاقات الأمّة، تطحن الرجال والأجيال.. تدمر الأسر والعائلات، شتات واغتصاب..قتل ونصب واحتيال، حوادث بالطرق.. كلها تنطلق من الإدمان والمخدرات.
تناول المخدرات له آثار خطيرة ومدمرة؛ ويكفى أن نقول إنه القتل البطىء، فالمدمن أقرب النفوس إلى ارتكاب الجرائم، فهو إنسان سلبى يأخذ ولا يعطى، ولا يستطيع أن يقوم بأى عمل، وهو مقيد الإرادة منعدم الهمة وإن ظن نفسه يطير فى الهواء!.
ولابد أن نحزن ونأسف كثيرا حينما نعلم أن كثيرا من المدمنين فى سن الشباب، عماد الأمم ومدخر المستقبل ..
ولما كانت النتيجة كارثية، فإن سبل العلاج والسيطرة على الظاهرة يجب أن تكون بقدر الأثر. من هنا كانت نداءات وصرخات العلماء والمتخصصين لمواجهة هذا الخطر الداهم على مكونات الحاضر وصناعة المستقبل.
يقول الدكتور عادل هندى، مدرس مساعد بكلية الدعوة ـ إن الله عز وجل أكرم الوجود بخير مخلوق، وهو الإنسان، وأكرمه بأن رزقه عقلاً واعيًا مفكّرًا، صار به كريمًا؛ لأن العقل هو مناط التكليف وسبب التشريف. وأكّدت الشريعة فى أكثر من موضع ضرورة حفظ العقل، والحذر من تعريضه لأذى سواء أكان إيذاءً ماديًّا أم معنويًّا. واعتبر الدينُ العقلَ وديعة ونعمة من الله لعبده، يلزم حفظها والقيام بحق تلك النعمة. بل إنّ علماء الأمّة - قديمًا وحديثًا - قد استقرّوا على أنّ حفظ العقل هو أحد مقاصد الشريعة الإسلامية الكلية، واعتبروا أن ضياع قيمتها ضياع للمصالح الدينية والدنيوية على السواء.
لكنّ العجيب ـ والكلام لهندى أنّ بعضًا من المنتسبين إلى الإسلام قد عطّلوا عقولَهم؛ فمنهم من استسلم لخرافاتٍ مضلّة، أو شبهات مُزِلّة، أو مسكرات مدمّرة نوّعوا لها الأسماء، ونسَوْا أنها عين الدّاء. فكان لابد من التحذير مرارًا وتكرارًا من خطورة مفسدات العقول، ومضيّعات الدين (كتعاطى المُخَدِّرَات)..وإلا فأين مستقبل شباب الأُمّة؟! وقد عقد أعداؤنا عليهم الآمال، فإذا بهم ييسّرون لهم كل وسيلة للانحراف والانجراف إلى الهاوية. فالمخدرات هى إحدى الوسائل التى غزا بها أعداء الأمة أرجاءها، وكان سعيهم فى أن تكون سببًا فى إفساد الشباب والفتيات.
وأضاف أن انتشار المخدرات والمسكرات فى المجتمع، يجعله على حافة الهاوية والانهيار، ..كما أنها تُلْحِق بصاحبها الأوجاع النفسية والعقلية والاجتماعية، فتسبب القلق والخوف المستمر والإحباط، والأَسْر القاتل، بالإضافة إلى فساد الحياة الاجتماعية وشيوع التفكك الأُسَرِيّ وكثرة الطلاق وحوادث الطرق.
عودة الدور التربوي
ولحماية الشباب من الإدمان والوقوع فى براثن المخدرات يطالب هندى بعوْدة الدور التربوى الحقيقى لحياة الأُسَر والعائلات امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته)، واحتواء الشباب والبنات فى سنّ البلوغ ومصادقتهم من قِبَل الآباء والأُمّهَات، مع تكثيف الدور الدعوى والتوعوى للمساجد، والتخلص من الفراغ بالعمل.
وشدد على ضرورة التنسيق بين كل أدوار التربية فى المجتمع (أسرة ومدرسة وإعلام ومسجد.. إلخ)؛ فلا يُعقل أن يخطب الداعية عن معالجة الإدمان والمخدرات، وبيان خطرهما على الفرد والمجتمع، ثم تفاجأ بالإعلام يعمل على ترميز المتعاطين، والحوار معهم، والإعلاء من شأنهم فى المجالس..
حفظ العقول حماية للثغور
ويوضح الشيخ أحمد ربيع الأزهري، الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف، أن العقول الفارقة هى التى تصنع الحضارة وتقيم العمارة، ولقد حرم الإسلام المخدرات كما حرم الخمر؛ لأنها أم الخبائث وأصل المفاسد. ومما يؤيد ما ذهب إليه الفقهاء فى تحريم المخدرات قوله صلى الله عليه وسلم:« ألا إن كل مسكر حرام، وكل مخدر حرام، وما أسكر كثيره حرم قليله، وما خامر العقل فهو حرام»، وما رواه أحمد بن حنبل - رضى الله عنه- فى كتاب الأشربة أن عطاء بن أبى رباح سئل عما أسكر وأخدر، فقال: حرام.
والإسلام حين حرمها حرم كل الطرق الموصلة إليها، جريا على سنته فى سد الذرائع وتحريم الوسائل المفضية إلى المحرم، مما يقتضى أن نقى أولادنا من خطر الاختلاط بمتعاطى المخدرات وحظر الوجود فى الأماكن التى يتم فيها ذلك ولو لم يسهم الشخص فى شيء مما يجرى فيها.
رؤية شاملة
ويؤكد الأزهرى حاجتنا الماسة لرؤية شاملة، تتكامل فيها الجهات المعنية بالنشء والشباب وبناء منظومة القيم وتقوم بدورها فى هذا الشأن، وألا يعملوا فى جزر منعزلة، فلابد من تكامل الخطاب الثقافى مع الخطاب الدينى والإعلامي، كما يجب أن تنهض الجهات الرقابية على الأعمال الفنية بمنع مشاهد تعاطى المخدرات، واقترح أن تعلن جائزة خاصة للأعمال التى تبنى منظومة القيم وتحمى الهوية ولا يوجد بها أى مشهد لتعاطى المخدرات أو التدخين، كما يجب تفعيل التوعية المجتمعية من خلال قوافل تعقد الندوات والمحاضرات فى المدارس والجامعات بل فى القرى والنجوع تشمل عالم دين وإخصائيا نفسيا وآخر اجتماعيا، وتزود بوسائل التوضيح والأفلام التى تبين للناس أضرار التعاطى بالصوت والصورة.
كما طالب الدولة بالتوسع فى الجهات التى يحظر فيها التدخين حتى تشمل كل الجهات الحكومية والمؤسسات والمرافق العامة، والتركيز على الاستثمار فى الكوادر البشرية التى تعمل فى مكافحة وعلاج تعاطى المخدرات، وأن يعلن مشروع إنشاء مستشفى مركزى فى كل محافظة - لعلاج الإدمان ومتعاطى المخدرات.
الرقابة المجتمعية
ويطالب الدكتور يحيى أبو المعاطى العباسى، الباحث فى التاريخ والفكر الإسلامى، مؤسسات الدولة المختلفة بأن تكون فوق اليقظة للسيطرة والرقابة على المدمنين، فمثلا تراقب المدارس والمعاهد العليا والجامعات، وتراقب الصيدليات فى توزيع حصصها من المواد المخدرة للمرضى، بالإضافة إلى رقابة الشارع وبعض الأماكن العشوائية التى يكثر فيها الاتجار والتعاطى لهذه المواد المميتة.
وطالب الدكتور جاد مخلوف جاد، الأستاذ بجامعة الأزهر بتحصين الشباب بإعطائهم الجرعة الواقية من الغذاء الروحى بالمسجد والمدرسة ودور الثقافة، وعدم الانسياق وراء التقاليد والتقاليع الغربية، بالإضافة إلى الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى هو وظيفة المؤمنين ودليل خيرية هذه الأمة «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر». وقوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..). كما طالب بتطبيق العقوبة التى حددها الشرع لمن يتعاطى المسكرات، مع فتح المشافى المجانية لعلاج المدمنين وضمان تأمينهم وعدم فضحهم.
رابط دائم: