رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الروائى الصينى «قوو ون بن»: الأديب الذي لا يهتم بشعبه فاشل

مصطفى عبادة

أري الأرض قرية واحدة وأحلم بأن تكون أسرة واحدة

 

لى مع هذا الرجل قصة غريبة، لا أعرف أنا نفسى كيف جرى الأمر؟ قيل لى فى بيت الحكمة إن هناك أديبًا مهمًا نذر نفسه للكتابة وتثقيف شعبه، فهو يجوب الأقاليم الصينية على حسابه الشخصى ليجلس إلى الناس، فى مناقشات مفتوحة، وإلقاء المحاضرات، قلت: على بركة الله أرجو أن أجلس إليه وأحاوره، وتم تحديد الموعد، فى الثانية عصرًا فى أحد مطاعم مدينة «ينتشوان»، ونحن فى الطريق كنت انصت إلى الحكايات التى تروى عنه، وكيف أنه كان صديقا شخصيا لـ «تشانغ سيان ليانغ»؛ مؤسس مدينة السينما، وكيف أنه كتب أكثر من ثلاثة ملايين كلمة، تقاس الكتب هناك بالكلمات، وصلنا المطعم، أمامه بالضبط، اندفعت نحو رجل نحيف يرتدى ملابس بيضاء، بيضاء كاملة، ويحمل شنطة قماشية بيضاء، اندفعت إليه وسلمت عليه، ورحت اتمعن فى وجهه وهو يبتسم فى دهشة، ويتحدث ولا افهم ما يقول، هنا اندفعت المترجمة « فريدة نحوى أنا مرتعبة لأننى اقتحمت شخصا لا أعرفه، وأخذت تجرنى من ذراعى لأبتعد، وأنا مصرٌ على أن هذا هو «قوو ون بن»، وتوجهت إليه بالحديث: نعتذر إليك فهذا الرجل صحفى من مصر ويعتقد أنك الكاتب: «قوو ون بن». فأخذ الرجل يضحك ويربت على صدرى وكتفى وقال: أنا هو قوو ون بن، وهنا تساءلت المترجمة: كيف عرفت انه «قوو» برغم أنك لم تره سابقا ولا حتى فى الصور، نحن كنا نترجم لك بعض أعماله، وبعض المعلومات التى تساعدك فى إجراء الحوار، فكيف عرفته؟

قلت انتابنى شعور جارف بان هذا الرجل كاتب، وهذه الهيئة النحيلة، حائرة الوقفة، موزعة النظرات تتوافق مع كل حرف قرأته عنه أو له، هذا الهدوء والابتسامة الرائقة والبياض الجم الذى يسبح فيه، ألا ترين أنه يشبه الملاك فى كل هذا البياض، كان « قوو» يسألها ماذا يقول الصديق المصرى؟ وهى تترجم له كلامى فتزداد ابتسامته، ستظل هذه الابتسامة معنا بقية اليوم لا تغادر وجهه، سواء فى المطعم أو حتى عندما انتقلنا إلى مقر بيت الحكمة، لنكمل الحوار، كل ذلك جرى أمام المطعم، وهو يضحك وأنا أتأمل تفاحة آدم تصعد وتهبط مع ضحكه، مد يده بالشنطة البيضاء إليَّ مبتسما أيضا وقال: هذه كتبى إن شئت قبلتها، لكننى أخشى أن تكلفك حمولة زائدة على الطائرة، قلت سآخذها، وأخذتها فعلا، وظللت محتفظا بها وأحضرتها معى إلى القاهرة ممهورة بتوقيعه، واسمى مكتوبًا عليها باللغة الصينية، قضينا يوما كاملا مع هذا الأديب، الذى كلما تحدّث مع أحد يقول له: هذا المصرى أخى وصديقى، تخيلوا لقد عرفنى بقلبه، قبل أن يرانى، إنه أخى فعلا، المعلومات عن «قوو ون بن» كثيرة منها:

انه رئيس فرع اتحاد الكتاب بمقاطعة نينغشيا، ومولود عام 1966، فى محافظة «شيجى»، درس فى معهد لتدريب المعلمين، وقسم اللغة الصينية بمعهد التربية والتعليم بنيغيشيا ومعد آداب «لوشون». ورئيس تحرير جريدة «أدب النهر الأصفر». وعضو لجنة الكتاب الصينية، وعضو لجمعية النثر الصينية،له كتاب نثري: «مظروف فارغ» 1988م،ولم أكن أعرف ما المقصود بكتاب نثري؟ ورحت أسأل، فعرفت أن التصنيف فى الأدب الصينى له ثلاث تقسيمات: فنون السرد وتشمل؛ القصة والرواية والمسرح، وفنون الشعر، ثم الكتابة النثرية، أو ما يشبه الكتابة الحرة عندنا، لكنها فى الصين من أصعب أنواع الكتابة، ومن ليس له كتاب نثرى، لا يعتد به.

منذ عام 2000 م بدأ يتدفق إبداع «قوو ون بن» بجانب العديد من المقالات فى المجلات المختلفة مثل مجلة «أدب الشعب» ومجلة «الكتاب الصينية»، ومجلة «أدب الشباب»، و«أدب بكين»، بلغت مجمل أعماله حوالى 3 ملايين كلمة (هكذا يحسب الصينيون إنتاجهم).

فى عام 2004 أصدر رواية قصيرة عنوانها: «قبيل عيد السنة الجديدة».

ورواية «البركة» التى تم نشرها فى أدب الشعب عام 2006م، هذه الرواية القصيرة حصلت على جائزة الدورة الرابعة من «أدب لوشون» فى شهر أكتوبر عام 2007م.

له رواية طويلة بعنوان «التقويم الصينى» تمت مناقشتها فى المنتدى الدراسى البحثى فى بكين فى 25 مارس 2011م، تحت رعاية لجنة كتاب الصين ولجنة كتاب نينغشيا، وقسم الإعلام بمدينة ينتشوان، ودار نشر الفنون «شنغهاى»، وصحيفة «بيتشوان المسائية» ومجلة «أدب النهر الأصفر»، ولكل مقاطعة فى الصين مجلة أدبية خاصة بها،وكانت هذه الرواية قد وصفت الحضارة الزراعية التقليدية، وحضارة الريف الشعبى. وصفت روايته «التقويم الصينى» بالروايةالتسجيلية؟

وقال النقاد عنها: إنها أظهرت قدرة قوو ون بن اللغوية العالية فى هذه الرواية سأسأله بعذ ذلك هل تحتاج الرواية إلى لغة مجازية عالية؟ ليجيب: نعم، البلاغة قرينة الوعى، قرينة معرفة الذات يحق، أنت تفكر باللغة، فإذا كانت أداة تفكيرك معوجة، يكون إنتاجك أكثر اعوجاجا، لكن بلاغتى مع ذلك سهلة، أنا أفكر للجمهور، نعم. فالجمهور ليس جاهلا كما يتصور بعض الكتاب.

> ما الفرق بينها إذن وبين الشعر؟

الفرق كبير، كما أن البلاغة لا تقتصر على فن معين. وكل الفنون تستفيد من الشعر.

استغرقت فترة طويلة لكتابة هذه الرواية 12 سنة.. كم مرة كتبتها؟

لا أتذكر بالضبط، لكننى أتمهل فى الكتابة، ولا أحب الاستسهال.

> متى جاءك عنوان هذه الرواية أثناء الكتابة أم بعد الانتهاء منها؟

أثناء الكتابة

ويقول عن كتاب «التقويم الصينى»: كنت أتمنى أن أكتب كتابًا يرشحه الأدباء لأبنائهم، والأبناء لآبائهم، ويستطيع أن يأتى للأرض بالمنافع والبركة، ويأتى للقراء بالبركة أيضًا، إذا دخل فى العين فهو زهرة، وإذا دخل فى القلب فهو جذر، ولا أجرؤ على القول: إن كتاب «التقويم» هو هذا الكتاب، ولكنى بذلت جهدى لهذا الهدف.

أما كتابه «البحث عن الأرض والبركة» ونشر فى عام 2010، فقد لقى بعد نشره إقبالًا كبيرًا وطبع أكثر من عشر طبعات، وسيطبع للمرة 12، وعدد النسخ المباعة منه بلغ77 ألف نسخة، القراء الآن فى الصين يحجزون كتب «قوو» وهى فى المطبعة، وأقل طبعة من كتبه تتجاوز المائة ألف نسخة.

رواية التقويم الصينى صارت أشهر رواياته، لماذا هى دون بقية أعماله؟

كما قلت لك، كتبتها لتكون كتابا لكل الأجيال.

لماذا تأخر وصول الأدب الصينى إلى العالم؟

لم نتأخر، ولم يتأخر أدبنا فى الوصول إلى العالم، هذه وجهات نظر، من يهتم بشيء يبحث عنه.

> كنت صديقًا مقربًا من تشانغ سيان ليانغ، هل أصبح كلاسيكيًا فى الثقافة الصينية الآن؟.

كل كاتب يمضى زمن على إبداعه يصبح جزءا من تراث أمته.

تحول أحد أعمالك إلى فيلم، هل اختلف مضمونه باختلاف الوسيط؟

- لا. المضمون لا يختلف، لكن شكل الوسيط هو الذى اختلف فقط.

> متطوع ثقافى... يقولون ذلك عنك ما دور المتطوع الثقافى، ماذا يفعل تحديدا؟

- لا اكتفى بالكتابة فقط، أى لا أصدر الكتاب بعد كتابته، وأتركه للجمهور، بل أذهب للجماهير فى القرى والمصانع، ألقى عليهم المحاضرات ونتحاور حول أهم القضايا التى تشغلهم، جماهير شعبنا تستحق منا الذهاب إليها، والوقوف بجانبها.

> حدثنا عن «مجلة النهر الأصفر»؟

- مجلة النهر الأصفر تطبع 10 آلاف نسخة، وتحتل الصدارة بين المجلات الثقافية فى الصين. وهى لتدريب الأدباء وتأهيلهم، وتشرف عليها رابطة الأدباء.

للمجلة ثلاثة أهداف فى رأى السيد قو ون بين،وهى أن تكون صالحة لكل الأعمار، ولا يخجل الصغير أو الكبير من قراءتها.

ثانيًا: تقديم الأعمال الهادفة للقراء.

ثالثًا: الحث على الأخلاق والفضيلة.

كان رئيس تحرير جريدة نينغشيا قد وصف أدب السيد قوو ون بالأدب النظيف ولهذا هو محبوب فى الصين.

> ما الذى يعنيه الأدب النظيف فى هذا السياق؟

- الأدب الذى تقرأه أنت وأولادك، فليس على الاب أو الأم أن يقرأ وحده، بل لابد أن يقرأ مع أبنائه، ليعودهم على القراءة.

حكى «قو و» كثيرًا عن قريته خصوصًا العلاقة بين المسلمين وغيرهم من القوميات، وكيف كان وهو طفل، يتطلع إلى أعياد المسلمين ليفرح معهم. وهو مأخوذ بهذه الطقوس الإسلامية وفى نقطة الأدب النظيف اختلفنا كثيرًا، ولم أقتنع بإجابته وقلت ما الجمال الأدبى فى أن نحكى عن سيدة فاصلة، وما الدراما فى حياتها، الدراما تعمل على الاستثنائى وليس النمطى فى الحياة، توجد الدراما فى الانحراف، وضربت له أمثلة من فوكنر، وهيمنجواى ومحفوظ، وحتى رواية «بكين بكين» لـ شيو تشين تسى الصينى، ومع كل جملة كان يضحك وينظر إليَّ وإلى المترجم، وفجأة قال للمترجم بلغه تحياتى إنه جريء فى التعبير عن رأيه، وذكى فى التقاط المعانى.

فى روايته التقويم الصينى تاريخ لـ 15 عيدا صينيا. وثقافة هذه الأعياد وأولياء الأمور يرسمون هذه الرواية لأولادهم. وطبعت 6 مرات فى دار النشر الفنى بشنغهاى، والطبعة السابعة ستصدر عن دار نشر «نهر يانغتسى».

قال فجأة وكأنما تذكر شيئا، إن سؤالك عن تأخر وصول الأدب الصينى إلى العالم فيه تفصيل، ذلك أولا -أن الأدب الذاتى صعب فى الترجمة، بالإضافة على صعوبة اللغة الصينية.

وثانيا: لو وجدت الترجمة فهى ضعيفة. ولكن الوضع يتحسن الآن بوجود بيت الحكمة ودوره الكبير فى نقل أدب الصين إلى العربية.

وثالثًا: الدولة الصينية كانت ضعيفة لكنها الآن استردت مكانتها وصارت قوية ومكتفية ذاتيا فصارت تشجع الأدب والأدباء.

الرجل،كما قلت لك، جاب الصين كلها لإعطاء المحاضرات المجانية، وكان يتبرع بكتبه للحضور ويرفض تقاضى أى مقابل نظير محاضراته، وبلغت قيمة الكتب التى تبرع بها مليونا وثلاثمائة ألف يوان، ويقول له زملاؤه من الكتاب لماذا تعطى المحاضرات وتترك الكتابة، فى المحاضرات تخسر، والكتابة مربحة، فيرد: إننى اكتسب الأصدقاء، وأشيع السلام بين المواطنين.

عدنا مرة أخرى للحديث عن تشانغ سيان ليانغ، صديق قو ون بن: وقال: إنه مات ولم يكمل مشروعه الأدبى،كما أن السيد تشانغ كان فى آخر أيامه مهتمًا بالفكر الصينى القديم ولو طال عمره أكثر لوصل إلى ذرى كبيرة فى الإبداع، كما اهتم بجمع التحف والآثر الصينية القديمة فابتعد قليلًا عن الإبداع الذى يحتاج إلى تفرغ الكاتب بشكل كامل، لأنه أى الإبداع خلاصة الحياة.

> كيف يمكن من واقع خبرتك أن تتم تهيئة الشباب أدبيا؟

فكرة التهيئة الأدبية، تهيئة الشباب والناشئين على تقبل القيم الإيجابية والأخلاق الفاضلة، والعودة إلى الطبيعة الإنسانية النقية، ويتم ذلك عن طريق الأدب شعرا أو رواية أو نثرا.

وقال إنه على الكتاب أن يتحملوا مسئوليتهم فى نشر الود والصداقة والتناغم والانسجام بين البشر، وبين البشر والطبيعة، لكى يعيش الناس فى سعادة وسلام، وفى طبيعة نقية دون تلوث.

وهو كان طوال الحوار، وبين سؤال وآخر، وأثناء الإجابة يضحك من قلبه، ضحكًا نقيًا مجلجلًا، إنه واحد من أجمل الكتاب الذين التقيتهم فى مسيرة عملى الصحفى.

تألفه بسرعة وتشعر بصداقته منذ اللحظة الأولى، ويقول: إنه يريد من قرية الأرض الواحدة أن تكون كلها إخوة وأسرة واحدة، وتعيش بفرح وسعادة، ويحب أن يكون ذلك مسئولية كل كاتب على وجه الأرض.

> قلت: توقعت أن يسألنى الصينيون السؤال التقليدى وهو لماذا تحب بلدنا؟

قال: فعلاهذا سؤال مهم، هل المسألة مجرد عمل صحفى أم أنك تحب الصين بالفعل؟ قلت: ثقافيا وفكريا تربيت فى اليسار المصرى، وقضيت عشر سنوات من عمرى اعمل فى كل مطبوعاته، وترددت أسماء قادة الصين أمام عينى كثيرا، لكن اقترابى الحقيقى من الصين بخاصة وآسيا بشكل عام تعمق بعد أحداث 11 سبتمبر، حين قررت امريكا تشكيل تحالف دولى لتحارب به العالم بدءًا من أفغانستان، حين سألت نفسى سؤالا، هذه الدول التى لانعرف عنها شيئا أليس لديها كتاب وأدباء، لديها حياة مثلنا، ماذا يكتب أدباؤها وما رأيهم فيما يجرى على أرضهم؟ وما موقف الصين من سلوك أمريكا؟ فذهبت إلى أساتذة اللغات الشرقية وآدابها، أسأل عن هذه الدول، فكتبت كثيرا عن باكستان وأفغانستان، والهند، وكنت قبل ذلك قد قرأت بعض الكلاسيكيات الصينية التى ترجمت إلى العربية، لكنها لم تعطنى صورة للواقع الصينى الحالى، وبحثت كثيرا فى البوذية، والطاوية، فأحببت الصين من قلبى فعلا وليس مجاملة.

عرفت أدباء أفغانا، وقرأت لنيف قريشى وطارق على، أحببت الشاعرة الباكستانية « برويز مشرف، وإذا سمحت لى سيد «قوو» لديها قصيدة بديعة عن أحوال المرأة فى هذه المنطقة من العالم تقول فيها:

إذا كان لابد أن أعيش فى غابة

ولا مفر

من أن الذئاب تترصدنى

فى كل طريق

فلماذا لا أعيش فى الغابة

التى اختارها أنا»

كل ذلك وقوو ون بن يستمع بعمق ويبتسم، وعندما انتهيت من كلام كثير عن الحضارة الصينية، وعدم انقطاعها التاريخى، واستمراريتها، وفنونها، قال قوو كلاما كثيرا أخجلنى، وأتحرج من ذكره هنا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق