تعد السيادة وعدم التدخل فى شئون الدول الداخلية من المبادئ المسلم بها فى القانون الدولى المعاصر، بل ومن المبادئ الرئيسية التى يقوم عليها النظام الدولي، غير أن تدخلات بعض المنظمات الدولية فى العديد من الدول تحت ذرائع مختلفة يشير إلى العكس.
وبرزت المصاعب أمام المجتمع الدولى مع انتشار النزاعات المسلحة الداخلية والإقليمية والأعمال الإرهابية وأسلحة الدمار الشامل، التى ذهب ضحيتها ملايين الأشخاص، حيث اصطدمت الحاجة إلى التدخل فى بعض دول العالم بمبدأى السيادة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.
ومن أجل تبرير التدخل، رأت بعض الدول من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة وخصوصا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى أن مسألة حماية حقوق الإنسان، هى مسألة دولية ولم تعد داخلية، ويشكل انتهاكها تهديدا للأمن والسلم الدوليين، وأصبح هناك تحول فى مفهوم السيادة.
وأعلن الرئيس الفرنسى الراحل فرنسوا ميتران خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبى فى باريس 30 مايو1989 أن «وجوب احترام مبدأى سيادة الدولة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، يتوقف عندما يكون قسم من شعبها ضحية الاضطهاد، ويكون من الخطأ جدا عدم تقديم المساعدة الإنسانية».
وفى غياب أى بند فى القانون الدولى يبرر شرعية مثل هذا التدخل الإنساني، شكلت القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمبادرة من فرنسا، رقم 43 / 131 فى 8 ديسمبر 1988، ورقم 45 / 100 فى 14ديسمبر 1990، حول ما سمى بـ «حق المساعدة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية والأوضاع الطارئة»، بداية التحول فى تجاوز مبدأ عدم التدخل فى شئون الدول الداخلية، رغم أنها تفترض موافقة حكومات الدول المعنية واحترام سيادتها.
إلا أنه وتجاوزا لشرط موافقة الدول واحترام السيادة، صدر لاحقا العديد من القرارات لمجلس الأمن ذات طابع إلزامي، شكلت سابقة خطيرة على تجاوز مبدأى السيادة وعدم التدخل، ذلك بالنص على وجوب إيصال المساعدات الإنسانية من جانب المنظمات الدولية وضرورة مواكبتها بقوة عسكرية، من دون الوقوف على موافقة الدولة المنكوبة.
ومن بين أبرز تلك القرارات كان القرار 668 الصادر عن مجلس الأمن فى 5 أبريل 1991، الذى أدان عملية قمع المدنيين فى أنحاء كثيرة من العراق، بما فيها مناطق وجود الأكراد، كما سمح لقوة عسكرية مشتركة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا بالمساهمة فى عمليات إيصال المعونات وإنقاذ الأكراد فى يونيو 1991.
كذلك القرار رقم 794 فى 3 ديسمبر1992، المتعلق بالصومال الذى أعطى قوة دولية أمريكية قوامها نحو 28 ألفا و870 جنديا، الضوء الأخضر للتدخل الفوري، لإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة التى تعيش أزمة إنسانية، فى ظل الحرب الداخلية وانهيار الدولة.
ومن الأمثلة الحديثة يأتى تأمين القرارات الدولية الغطاء الشرعى للولايات المتحدة لشن حربها على الإرهاب فى أفغانستان ما بعد أحداث 11سبتمبر2001، ودعوة دول العالم إلى الانضمام إليها فى حربها.
كما دعم مجلس الأمن التدخل العسكرى فى ليبيا للإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافى بعد أحداث فبراير 2011، ذلك بعد موافقته على فرض منطقة حظر للطيران فوق ليبيا فى 17 مارس من العام نفسه بعد قراره رقم 1973.
كذلك اكسب المجلس الشرعية الدولية للتدخل فى سوريا والعراق تحت العنوان العريض: «الحرب على داعش»، حيث دعا فى نوفمبر 2015 ما وصفه بـ»كل الدول القادرة»، إلى الانضمام إلى محاربة مقاتلى تنظيم داعش الإرهابى فى البلدين، ذلك بعد نحو عام من بدء أمريكا ضرباتها على التنظيم فى العراق منذ أغسطس 2014.
ورغم فشل مختلف تلك التدخلات فى شئون الدول والتعدى على سيادتها تحت ستار الشرعية الدولية فى تحقيق أى حماية للمدنيين أو حقوق الإنسان أو القضاء على الإرهاب، فإن المنظمة الدولية بمؤسساتها المختلفة ما زالت أسيرة رغبات الدول الكبرى فى فرض وصايتها على العالم.
رابط دائم: