رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أمريكا.. الأخ الأكبر «الضال»

شريف سمير

كثيرا ما يُنظر إلى الأخ الأكبر باعتباره قدوة ومثلا أعلى وثوبه أبيض مُنزَّها عن الدنس، والصدمة تصبح كبرى وقاسية عندما تهتز صورة هذا الأخ فى الأذهان، ويكتشف أفراد العائلة سُمعته السيئة ووجهه القبيح!

وظهرت الولايات المتحدة على هذه الهيئة فى الأشهر الأخيرة بتنكرها لكل المواثيق والقوانين الدولية المنصوص عليها فى المنظمات والمؤسسات العالمية التى ولدت من رحمها وتشبعت من مبادئها وتعليماتها على مدار عقود، وآخر المواقف المُخجلة التى أحرجت واشنطن أمام العالم بأسره الصدام مع المحكمة الجنائية الدولية، عندما حاولت الأخيرة الدفاع عن استقلالها وحيادها تجاه القضايا الإقليمية والدولية أمام الأوامر والفرمانات الأمريكية، مما استفز إدارة الرئيس دونالد ترامب، فأطلق يد مستشاره جون بولتون لإعلان «وفاة» المحكمة وعدم تقديم أى «دعم أو شرعية» لقراراتها إذا تعرضت لأمريكا أو إسرائيل.

وقررت «الجنائية الدولية» التمرد والعصيان، وأعلنت فى بيان رسمى ردا على «إهانات» بولتون أنها ستواصل ضمان المساءلة عن الجرائم ضد الإنسانية ووفقا لسيادة القانون، غير مكترثة - حتى هذه اللحظة - بتهديدات

واشنطن حول منع قضاة المحكمة والمدعين العامين من دخول الولايات المتحدة وصولا إلى فرض عقوبات على أموالهم فى النظام المالى الأمريكى على سبيل التأديب.

وسبقت هذه المواجهة إجراءات من أمريكا لتحصين جنودها ورعاياها من «الجنائية الدولية» عندما أصدر الكونجرس الأمريكى عام ٢٠٠٢ قانون الحماية من ملاحقات المحكمة القضائية، فضلا عن توقيعها اتفاقيات مع ١٠٠ دولة تحصِّنهما عند ارتكابها أيا من الجرائم على أقاليم هذه الدول.

وبلغ الصلف الأمريكى عنفوانه مع مجلس حقوق الإنسان إلى حد الانسحاب منه، بل اتهمت واشنطن المجلس بحماية «منتهكى حقوق الإنسان» ووصفته بأنه «متحيّز سياسيا».

والمفارقة فى المشهد أن مجلة «فوربس» الأمريكية اعتبرت قرار انسحاب واشنطن تراجعًا جديدًا لدور إدارة ترامب على الساحة العالمية، فى الوقت الذى اشتهرت أمريكا بأنها لعبت دورا رئيسيا فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كـ «مهندس» لمنظومة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والاتفاقيات الدولية التى حققت تقدمًا كبيرًا فى أمن البلاد وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية، واليوم ترتكب «خطأ جسيما» بمغادرة المجلس وضرب كل المواثيق وبنود الكيان الدولى عرض الحائط بعد أن تضاربت المصالح واختلفت الحسابات.

واقتصاديا، استغل اللاعب الأمريكى انفتاح العالم فى منتصف القرن الماضى على الفكر الرأسمالى، ووفرت غطاء سياسياً ودولياً من خلال «اتفاقيات بريتون وودز» التى قادت لإنشاء البنك الدولى وصندوق النقد، اللذين ساعدا فى بادئ الأمر على انتشال مليارات الأشخاص من الفقر، ثم استفادت الشركات والمستهلكون الأمريكيون من النظام الاقتصادى العالمى، ولكن بمرور الوقت تحولت مثل هذه «الأوعية الدولية» إلى أذرع طويلة للأخطبوط الأمريكى فى الدول الأكثر احتياجا ومعاناة من الأزمات الاقتصادية المتراكمة.

وتقوم مبادئ مؤسسات التمويل الدولية على محاور تحقيق النمو الاقتصادى للدول، وتعزيز سلامة الاقتصاد العالمى ومنع وقوع الأزمات المالية عبر إلزام الدول الأعضاء باعتماد سياسات اقتصادية سليمة، غير أن أمريكا من خلال حق الفيتو لامتلاكها نحو ١٦ ٪ من حصة صندوق النقد تلاعبت بأحلام وطموحات الدول النامية للفوز بالقروض والمنح لعلاج كبواتها الاقتصادية.

وسار البنك الدولى بدوره على درب صندوق النقد فى التبعية الكاملة والطاعة العمياء لـ «الإرادة الأمريكية»، وهو ما ظهر جليا فى التقارير الصادرة من دائرة الأبحاث بالكونجرس الأمريكى ذاته، والتى أشارت إلى أن الولايات المتحدة منذ عهد إدارة الرئيس الراحل رونالد ريجان (١٩٨١ - ١٩٨٩) كانت تربط حصول الدول النامية على قروض البنك الدولى بدرجة رضوخ تلك الدول لسياسات واشنطن، المستمرة فى فلسفتها والمتصاعدة فى أهدافها يوما بعد يوما دون أن نحدد بدقة إلى أين سيقود العالم هذا الأخ الأكبر «الضال»!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق