رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عبدالناصر.. رئيس بدرجة «مواطن»

ماجدة الجندى;

احتاج لسطرين قبلما أحكى عن عبدالناصر، عبدالناصر الذى يبدو لى بعد كل هذا العمر، كأنه «حلم.. مرق».. او كحكايا «الحب الاول»، المتخم بالحلم.. التى يجهضها حسابات الواقع...تماما كما يمتزج خيار العقل و القلب، فلا تصير «درويشا»، بل محبا لقناعة عقل،ترتاح وتثق فيها.. كان عبدالناصر بالنسبة لى.

..................................

..لم يكتب كثيرا عن دواخل عبدالناصر الانسانية، ربما لانه كان صعيديا، محافظا، او عاش فى بيته بعقلية انه »مواطن»، لا يختلف عن بقية «المواطنين». ما تسرب للناس عن حياة عبدالناصر الخاصة، جاء فى صورة شذرات، باستثناء ما رواه حارسه الشخصى وسكرتيره «الملاكم»: محمود فهيم، وحرره زميلنا سليمان الحكيم . لازم «فهيم» عبدالناصر، منذ قيام الثورة وحتى وفاته، وطوال هذه المدة كان «فهيم» او «فخيم»، كما كان عبدالناصر يناديه فى اوقات «الروقان»، (وبالمناسبة كان عبدالناصر كثيرا ما يدلل العاملين معه، باسماء دلع او اسماء مختصرة) اشبه بالأجندة الخاصة لعبدالناصر، أو كان «الظل» الملاصق، حتى يخلد عبدالناصر الى النوم.

كان محمود فهيم تلميذا بالكلية الحربية، لما كان عبدالناصر أستاذا بها.. شاب صارم الجدية، ملتزم، رياضى الى أقصى درجة، «ملاكم» يفوز بالضربة القاضية ويشتهر بقبضة يد يسرى لا تخطئ الفوز، يتابعه أستاذه، عبدالناصر «فهيم: جاد» و»دوغرى». انقطعت العلاقة ما بين الطالب والاستاذ، منذ التخرج، عام ١٩٤٦، وحتى بعد قيام الثوره وذيوع اسم «عبدالناصر». لم يحاول «فهيم» الاقتراب من أستاذه الذى صار رئيس جمهورية، حتى كان «حادث المنشية»، يوم حاول الأخوان المسلمون اغتيال عبدالناصر، فى يوليو ١٩٥٤. يقول فهيم، انه وجد ان الواجب يحتم عليه ان يكون بجوار «عبدالناصر»، حتى لو كلفه الامر حياته. ذهب اليه فى استراحته بحى «استانلى»، واستقبله عبدالناصر بحرارة، بعدها اطلعه فهيم عما انتواه: «ليس من المعقول ان ابقى مكانى لاتفرج على ما يحدث دون أن أفعل شيئا»، وبعد «تربيته»، أو قل « طبطبة»أستاذ على كتف تلميذ، قال عبدالناصر لفهيم: «خلاص حاتبقى معايا». منذ تلك اللحظة، ظل فهيم ملاصقا لعبدالناصر حتى ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠.. فى البداية التحق بالحراسة الشخصية، ثم أصبح ضمن السكرتارية الخاصة لعبدالناصر إلى جوار محمد أحمد، السكرتير الخاص. يقول فهيم أنه عند رؤيته لبيت عبدالناصر للمرة الاولى، شعر بمفاجاة، لان البيت لم يكن يصل بالكتير الا لمستوى بيت «شيخ غفر» فى أى قرية، ولما سأل فهيم، عرف أنه كان منزلا لمدير المدرسة العسكرية، لدرجة دفعته أن يطلب من عبدالناصر اجراء بعض اصلاحات بالبيت، ليكون ملائما لرئيس جمهورية، وكان عبدالناصر يرفض، حتى صار الأمر غير منطقى ويسبب الحرج أثناء الزيارات الأجنبية.. وزيارات زعماء العالم، فرضخ عبدالناصر، وتسلمت الإشغالات العسكرية، بيت عبدالناصر، للتوسعة وإجراء بضع تغيرات فى البيت، وانتقل هو وأسرته إلى الاسكندرية، حتى ينتهى الأمر.

علينا أن نتوقف عند السؤال الذى يقول فهيم، أنه كان أول ما يتبادر إلى عبدالناصر عند طرح إجراء أى تعديل: «حا يتكلف كام»؟ وأن السؤال ظل هو «الحكم»، حتى لو كان المطلوب ضرورة لإنقاذ صحة «الزعيم».. ملعب تنس أو حمام سباحة.. أو إضافة صالة تصلح للاجتماعات أو عروض السينما التى كان عبدالناصر يحبها كثيرا.. وحتى لو كانت الإشغالات العسكرية هى من سيتولى الأمر، لأنها المالكة للبيت.. كانت رؤية عبدالناصر «أنها فلوس ناس» أو «فلوس المواطنين».

فى البيت كانت أى مظاهر رفاهية، كفيلة بإزعاج عبدالناصر.. ولما اضطر إلى العودة إلى القاهرة، قبل اكتمال الاصلاحات فى البيت، اسكنوه وأسرته، قصر الطاهرة، وفى قصر الطاهرة «جافى النوم «عبدالناصر. صباح أول ليلة باتها القصر، استدعى سكرتيره، محمود فهيم بالتليفون، الذى عكس فيه الصوت، تبرم وغضب عبدالناصر.. على الفور ذهب سكرتير الرئيس مستطلعا.. وما أن رآه حتى بادره عبدالناصر «أيه اخبار البيت فى منشية البكرى يا فهيم؟» ورد فهيم « لسه شوية يا ريس» فرد غاضبا «امال ليه» الجيار «قال لى إنه خلص؟ (الجيار هومحمود الجيار الذى رافقه طالبا فى الكلية الحربية والرئاسة والذى كانت تربط أبويهما صداقة، منذ كان أبو عبدالناصر يعمل فى مركز بريد الخطاطبة فى البحيرة حيث تقيم أسرة الجيار)، ثم أضاف: «لو كنت أعرف،ماكنتش جيت من اسكندرية».. ولما سأله السكرتيرعن السبب، رد «أنا مخنوق ومش عارف أنام، وكمان مش عاوز أولادى يتربوا فى القصور لإنهم هيطلعوا من عامة الشعب»

والحقيقة أن النوم لم يكن هو الشيء الوحيد، الذى جعل عبدالناصر غير مستريح،لاسلوب الحياة فى قصر الطاهرة.. لكن كان مجمل «حياة القصور «، التى اقلقته خاصة أنها بدأت تكشف عن نفسها من خلال ما يقدمونه له من وجبات...

»روح للطباخين قول لهم لا أريد لحما مشويا ولا فراخ محمرة.. عاوز صنف واحد خضار.. وحتة لحمة و شوية رز.. والعشا مش عاوز غير جبنة وزيتون».

»حكاية عبدالناصر» والجبنة البيضا» صارت مما كثر الكلام فيه، إشارة الى شدة تواضع متطلبات عبدالناصر، وكمايقول سكرتيره محمود فهيم،أن الجبن الأبيض كان الشيء الوحيد الذى يدققون فى اختيار أصنافه وسط الطعام، والطباخون فى قصر الطاهرة لم يكونوا يعرفون بهذا الميل الجارف لدى عبدالناصر للبساطة والتقشف فانهالوا عليه» بما لذ وطاب». كان الطباخون مزودين بقوائم «ضيافة القصور» المناسبة، ولم يصلهم ما يشير الى أن الرئيس له عادات لا تتغير ولم تتغير، وخشى الرئيس من ناحيته، مفاتحتهم فى الأمر خشية ألا يدركوا أنه ليس غاضبا، منهم ومن طعامهم، بقدر ما كان يبحث عن أسلوب حياة،لا يتناقض وقناعاته، ولا يخرج أولاده، عن نطاق تربوى معين. لم يكن فى قائمة طعام عبدالناصر، صنف حلو.. كان يحلى بعد الغدا بكوباية شاى، زيه زى ملايين المصريين.. والأكل عموما كان أقرب لاداء الواجب وقواسمه لم تخرج عن الخضار ولحم وأرز وجبن أبيض وزيتون وزبادى.. ولما نادى سكرتيره بعد أن فاض به الغضب، قال له ضمن ما قال «ايه العك ده!؟» حمام وفراخ.. كل يوم..ايشى مشوى وايشى مقلى.. هو أنا بتاع الكلام ده؟!.. وصدرت التعليمات الصارمة.

لما انتقل إلى بيت منشية البكرى، لم يكن فى البيت غير طباخ واحد،ومساعده، ومطبخ لا يتسع لغيرهما، مع إشراف دقيق لأم وزوجة، هى السيدة الجليلة تحيه كاظم، التى كانت توصى صباح كل يوم بالاصناف المطلوبة وتعطى الموظف المسئول، وكان اسمه أحمد داود، قائمة المشتريات التى يذهب بها الى السوق. كل شيء، كان يتم شراؤه «على القد»، وبكميات ظلت محدودة وبالجرام.. صحيح أن الموظفين كانوا يتقاسمون وأهل البيت الطعام، لكن لم يكن هناك ما يفيض أو يلقى.. كان الرئيس رغم «تقشفه»، حريصا على أن يأكل الطباخ والسفرجى وكل الموظفين معه هو والأسرة من نفس «الطبق»، وكانت السيدة تحية تتأكد بنفسها: هل أكل الجميع؟ وتعمل حسابها فى الكميات كى تكفى.

الحكاية الاكثر تداولا فى هذا السياق، جرت فى الاسكندرية. كان عبدالناصر يحب سمك «البربون»، وكتبت السيدة تحية كاظم للموظف المسئول عن المشتريات فى لستة الشراء:»(نص كيلو سمك بربون)! نص كيلو سمك لبيت الرئيس! واحتار الموظف: كيف يطلب من بائع السمك نص كيلو سمك، والبائع يعرف أنه يعمل فى بيت الرئيس؟ ولم يكن بد، من التوجه الى سكرتير الرئيس: كيف يطلب نص كيلو سمك لبيت الرئيس؟!! وكانت التعليمات «نفذ!»! عاش «عيشة اهله» لم يكن عبدالناصر يضع مليما فى حافظة نقوده.. كان يتقاض اربعمائة وخمسين جنيها شهريا، يوقع على الاستلام، ويأخذها محمد أحمد، ويتم الإنفاق على كل مصاريف البيت بموجب فواتير شراء لكل التفاصيل من أكل وشرب وملابس.. فى البداية كانت الولائم الرسمية أيضا تدخل من نفقات الراتب، ثم لم يعد الأمر ممكنا فطالبت السكرتارية بوضع ميزانية للمصروفات السرية، قدروها بمبلغ خمسة آلاف جنيه، لم يمسكها عبدالناصر فى يده، ففيم كانت تنفق؟ أولا كان هناك بند ضيافة الزوار والوفود الرسمية التى يدعوها الرئيس، ثانيا بعض المساعدات المالية لأفراد عاملين فى الخدمة بأنواعها، وهذه كانت فى المناسبات الخاصة والأعياد، وتتراوح بين خمسة جنيهات وحدها الأقصى ثلاثون جنيها.. كان للرئاسة سيارتان مرسيدس» قديمة» لتنقلاته الرسمية، وواحدة للبيت. يدخلنا، الاستاذ «فتحى رضوان» المحامى و وزير ثقافة مصر فى بداية الثورة، رأس ووجدان «الريس» الذى لم يكن فى حياته رفاهة، غير «السينما» التى كان على استعداد أن يذهب إليها يوميا، لمشاهدة الأفلام الأجنبية بالذات، وكان الحرمان منها بسبب أى ظرف، يشكل بالنسبة إليه عقابا. يروى رضوان، أن فيلم «أريد أن أعيش» لسوزان هيوارد، كان قد منع عرضه فى مصر فترة، بسبب إنتماء البطلة التى قيل إنها صهيونية وأنها شاركت فى نشاط تمويلى لإسرائيل، وطالب البعض بمنع أفلامها، وفعلا تم منع الفيلم لفترة طويلة، حتى قابل عبدالناصر فتحى رضوان، وسأله: «متى تعيد عرض الفيلم أنه فيلم جيد، ولما سأل رضوان ناصر: هل رأيت الفيلم؟ قال عبدالناصر: طبعا هو فيلم جيد، لا تسمع كلام هؤلاء الأغبياء.. وتم بحث الأمر ولم يجدوا ما يثبت الإشاعات، فأفرج فتحى رضوان عن الفيلم، وأرسل له عبدالناصر برقية تهنئة. يقول رضوان إن الفيلم لما شاهده وجده عملا فنيا ممتازا.كان عبدالناصر يذهب الى حفلات العرض. دون أى اجراءات أمنية بعد أن يبدأ الفيلم تجنبا للزحام، ويتسلل خارجا قبل نهاية الفيلم، وحين يضطر للبقاء حتى كلمة النهاية، تضاء الانوار ويتعرف عليه الناس يصافحهم بود.. يطلب من محمود فهيم أو محمد أحمد حجز، لوج، غالبا، يذهب بمفرده أو بصحبة عبد الحكيم عامر، لا يصطحب الزوجة ولا الأولاد.. كان «صعيديا» بامتياز.. محافظا إلى أقصى درجة.. لا ينادى السيدة تحية باسمها أمام أحد، وإن اضطر أن يناديها، كان إما يستخدم اسم أبنها الكبير خالد أو يقول «الجماعة» أو « المدام» أما السيدة تحية المعروفة بشدة التواضع والتى عرفها الناس بأنها الأقرب إلى الامهات المصريات فلم ترفع صوتها يوما، كما يقول محمود فهيم، ولم تناد عبدالناصر إلا بـ «يا ريس أو يا بابا»، ولم تناد طباخا ولا سفرجيا ولا سائقا إلا بـ «عم فلان»، أما المعاونون من السكرتارية وغيرها فلابد من القابهم العسكرية قبل الاسم.. نفس الشئ يقال عن الأبناء الذين اتسموا باحترام الجميع وبالاحترام فيما بينهم..كان عبدالناصر يقرأ بنهم، و فى أفرع عديدة للثقافة وليس السياسة وحدها ولم يكن ينام دون أن ينهى قراءة ما يعرض عليه من ملفات وتقارير يومية. وقد كتب الكاتب الفرنسى «فوشيه» إن عبدالناصر قد طالع وهو طالبا فى الكلية الحربية قائمة من الكتب، ويؤكد فتحى رضوان إن عبدالناصر كان حريصا على تثقيف نفسه وتثقيف الضباط من حوله، وكان صاحب فكرة ترجمة وتلخيص كتب ذات أهمية خاصة فى الإقتصاد والسياسة وتوزيعها على الضباط من حوله بعد طبعها على الإلة الكاتبة ونسخها على «الرونيو» ومن هذه الكتب تشكلت فيما بعد سلسلة «اخترنا لك» التى شملت تنوعا.. على رأس قراءاته اليومية للصحف المحررة باللغة الانجليزية.. يوما شكا له فتحى رضوان، وكان وزيرا للثقافة، من ضعف إقبال المصريين على شراء الكتب رغم طرحها فى سلاسل رخيصة من (وزارة الارشاد القومى وقتها) وبأقلام كبار الكتاب وبعد حملات إعلانية ضخمة فى الصحف والإذاعة لم يكن العقاد أو طه حسين يوزع أكثر من ألفى نسخة. وكان رد عبدالناصر:»كتاب يقرأه ولو فرد واحد هو كتاب نافع، فالعبرة ليست بالكثرة، فربما فرد يتأثر بالكتاب، يكون بمثابة ألف شخص». كان يطلب الذهاب إلى المسرح والأوبرا ويتأكد من حضور البولشوى، و يردد مقاطع من بعض الاعمال، ويتناقش فى نهايات مايراه على خشبة المسرح او السنما.. ذات يوم عبر لفتحى رضوان عن انه لما شاهد فيلم «مصطفى كامل» فى حفل بسينما ريفولى «كنت خائفا ومشفقا طوال الوقت على مصطفى من وفاته، مع أنى أعرف أنه مات منذ خمسين عاما، هذا هو سحر العمل الفنى الجيد» ثم اضاف «إعمل فيلم عن محمد فريد» فأضاف رضوان وعبدالله النديم، فرد عبدالناصر «انتم عملتم عنه مسلسل إذاعى ناجح».

كان عاشقا للسماع الجيد وفى مقدمته أم كلثوم، التى كانت «صديقة «للبيت كله.. تأتى لزيارات دائما تمتلأ بجو المرح.. كانت أم كلثوم من أحسن رواة النكات.. كان أبا مصريا يحب اللمة، وكان رغم الأعباء حريص على متابعة «الأولاد»، كما يؤكد محمود فهيم، السكرتير الشخصى، يتحين الفرصة لمشاركة الأولاد العابهم.. بنج بونج.. تنس.. شطرنج سباحة.. كان يحب الرياضة والتصوير، ويتشارك مع الأولاد فى مباريات، ربما يتعمد أن يخسر فيها ليشعرهم بقدراتهم..أعد لوالده حجرة بالبيت ليتاح فيها لما يزوره، كان يحبه ويحترمه ولا يحتمل أن يغضب منه، لكن ابدا لم يكن يقبل بوساطاته لبعض الخدمات الصغيرة، وكثيرا ما كانا يختلفا ويغضب الاب، وتقوم السيده تحية بدور حمامة السلام؟ وعبدالناصر لا يغير من موقفه. كان يقول له كيف اخالف القانون أنا الذى أسعى لتتطبيقه؟ لا أريد ان انكسر أمام الناس. كان عطوفا على كل أهله،لكنه اعتقل خاله لما حاول هذا الخال أن يستفيد من اسم عبدالناصر وقبل هدية، حتتين قماش، من أحد العرب.. وحبس شقيقه لاستغلاله الاسم.. كان دائم الحديث عن الناس الغلابة، لإجلهم قامت الثورة، وعاش وهو «الزعيم» عيشة موظف بدرجة رئيس جمهورية، يحلق عند الحاج محمد، الرجل الغلبان صاحب المحل المتواضع بالمبتديان.. الذى كان يحلق عنده من أيام الكلية الحربية، يأتى بحقيبته الجلدية، فيها عدة الحلاقة، يحلق للريس والأولاد.. لا يغير قماش اللينوه المصرى الأبيض فى القمصان، وصوف المحلة للبدل، يفصل عند «جنيدى» فى ممر الكونتينتال، وملابسه الداخلية من جيل المصرى. مرة فى آخر أيامه أصر السادات على أن يأتى إليه بترزى الذوات و المشاهير «سويلم « ولما رضخ بعد طول مناهدة، لم يطل به العمر. من أغرب مما يروى بمناسبة السادات، أنه استخدم اسم عبدالناصر قبل أن يموت وأن عبدالناصر لما علم غضب غضبا شديدا و قاطعه، بل ومنعه من الزيارة، لكن السادات اشاع أنه شديد المرض، وكان عبدالناصر ضعيفا أمام المرض فزاره وذابت القطيعة التى اعقبها مباشرة تعيين السادات نائبا.. كان اثاث بيته «عهدة» يحذر الأولاد من كسر شيء فى العهدة، كل قطعة كانت تحمل رقما، عهدة وقع الرئيس بتسلمها، كله عفش مصرى، ولما احتاج البيت صالون مع الوقت، اشتراه على السيد من مدير الاشغال العسكرية من القطاع العام.. ووقع على تسلمه محمد أحمد. مائده السفرة كانت من التواضع والبساطة أنهم كانوا يضطرون «لتطويلها» بموائد متجاورة عند اللزوم وكان السكرتارية يطلقون عليها المائدة السحرية!!

كان يحب اللوحات ولم يقتن أى لوحة لفنان مشهور ولا من القصور الملكية وترسخ فى أولاده أنهم لا يملكون شيئا وأنهم ضيوف على الدولة.. ورسخ داخله أن أى اتلافات سوف تدفعها الأسرة « فكانوا يمشون على أطراف الأصابع».. الأشياء الوحيدة التى كانت تملكها أسرة الرئيس هى الثلاجة والبوتاجاز والسخان والمطبخ والصحون والشوك والملاعق التى كانت من الاستنلس والثلاجة ايديال والسخان والبوتاجاز من المصانع الحربية.. لم يقبل هدايا أبدا، وإن قبلها لم تكن تزيد على كرافتة سرعان ما يوزعها.. مرة واحدة اهداه الرئيس تيتو سيارة زاستافا» فاهداها لسكرتيره.. كانت حياته حياة موظف من الطبقة المتوسطة.. يرتدى البيجاما والروب فى حجرة النوم لا يراه فيهما أحد، فى الصيف بيجاما لينوو، الشتا صوف.. لا يخلع الجاكيت أبدا ولا يسير فى حجرة النوم بالفانلة، وينزل المكتب بقميص وبنطلون. لماح.. مرح.. محافظ. جاد.. صارم.. طيب القلب.. يحب «الحرنكش»، الفاكهة الوحيدة التى طلبها بالإسم.. لما ألقى عليه عامل تراحيل، صرة، فى القطار منديل محلاوى مربوط على كسرة خبز وبصلة، فهم عبدالناصر الصعيدى المصرى، الرسالة، أطل من نافذه القطار وراح يهتف باتجاه عامل التراحيل: الرسالة وصلت.. الرسالة وصلت، ورفع الحد الأدنى لعامل التراحيل وقتها من ١٢ قرشا الى ٢٥ قرشا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق