بعد مرور حوالى خمس سنوات على مسلسل « صديق العمر» مازلت أعتقد اننا قدمنا عملا جادا يتحدث عن فترة صعبة و شائكة، انقسمت آراء النخب والناس العاديين حولها بشكل حاد، وكنّا نعرف ذلك ونشعر بمسئوليته، طبعا كنت أتمنى لو كانت الإمكانيات المتاحة أكبر، وأيّام التصوير اكثر، فموضوع كهذا لا يجوز التعامل معه إنتاجيا بنفس الإمكانات و الظروف التى نتعامل فيها مع الاعمال العادية، لو اتيح لنا ذلك لكانت النتائج الفنية أفضل بكثير، ولكن فى النهاية استطعنا ان نقدم عملا محترما هكذا تحدث الفنان جمال سليمان.
مضيفا: البعض سألنى هل كان المسلسل يمتلك الصدق الذى يكتب له الخلود ويجعله يعيش فى الوجدان أم لا؟ فأقول لهؤلاء كلمة خلود كبيرة جدا لا أجرؤ منحها لأى عمل كنت فيه، لكن «صديق العمر» وثيقة فنية درامية غير مسبوقة، الكل تحدث عن الراحل جمال عبد الناصر فى حقبة التالق والتوهج، ولكن لم يجرؤ أحد ان يقدم عملا فنيا عن فترة التراجع و انكسار الحلم، الكل تحدث عن الوحدة مع سوريا لكن لا أحد تحدث عن الانفصال، الكل تحدث عن انتصارات 1956، و لكن لم يتحدث أحد عن هزيمة 1967 إلا كخبر مأساوى فى سياق درامى بعيد عنه، من هذا المنطلق أقول إن العمل وثيقة قنية غير مسبوقة.
ورغم هذا لا يعرض هذا العمل الجميل، لأننا دائما نهرب من مواجهة ذاتنا، ولقد تعرض مسلسلى وباقى الأعمال الفنية الأخرى التى تحدثت عن جمال عبدالناصر للهجوم، وأرجع ذلك أن عبد الناصر لم يعد مجرد زعيم سياسى، إنه من خانة الشخصيات التى تتحول الى فكرة ووجدان من الصعب الاقتراب منها بشكل نقدى، كل ناقد يريد ان تقدم له «جماله» هو لا جمال عبد الناصر كما تراه أنت، نحن لا ننظر الى الماضى بموضوعية، فما بالك اذا كان هذا الماضى هو المرحلة الناصرية التى يراها البعض طاهرة نقية و يراها البعض كارثة تحمل مسئولية كل ما جرى و يجرى بعدها، العمل الفنى العميق والصادق ليس قصائد هجاء ولا قصائد مديح، إنه العمل الذى يتجاوز المقدسات والتابوهات ويدخل بموضوعية فى قراءة عمق الأحداث من اجل صورة اكثر صدقاً وحقيقة اكثر وضوحاً، هذا قد يتحدى الصورة التى ألفناها وأحببناها و نتعصب من اجلها- بصرف النظر عن موضوعيتها- و هنا نستنفر و نرفض.
طبعا يجب ان ناخذ بعين الاعتبار ان بعض الكتابات لا تنتج بالضرورة عن تعصب مع أو ضد، بل هى «كتابات العدوى»، طالما أن «فلانا و فلانا» قد هاجموا العمل فدعنى أنا أيضا أهاجمه ناسجا على منوالهم، على سبيل المثال و أثناء عرض المسلسل واجهنى بعض الزملاء الصحفيين بموضوع الأخطاء التاريخية فى المسلسل و عندما طلبت من أحدهم ذكر بعضها كى يكون النقاش محددا وذا فائدة اكتشفت أن معلوماته عن عبد الناصر وعصره و التحديات التى عاشها محدودة جدا،إنها كتابات العدوى.
وأعتقد أن سر خلود عبدالناصر أنه أصبح فكرة وجدانية بالنسبة لكثيرين، لقد جسد حلم المقهورين والمظلومين، و حمل شعلة التحرر التى كانت مقدسة لا للشعب المصرى فقط و إنما للشعوب العربية كلها، عبد الناصر كان رمز الكبرياء الوطنى فى وجه الاستعمار والاستغلال، كثير من الناس مازالوا يريدون تلك الصورة فى تلك اللحظة، ولا يريدون أن يروا كيف ولا لماذا تحطم الحلم؟!.
ولقد شاهدت مؤخرا الفيلم العالمى «الملاك» الذى يتحدث عن أشرف مروان، ووجدته فيلما هزيلا لم يحرص صانعوه على المصداقية، فلا عبد الناصر كان عبد الناصر و لا السادات كان السادات، أنا لا أقصد تطابق الصورة و الصوت مع الأصل، فتجسيد الشخصيات التاريخية لا يعنى بالضرورة استنساخها أو تقليدها وإنما استحضار لروحها و تجسيد لمشاعرها، وهذا لم يكن متوافرا، وأنا أشاهد الفيلم تذكرت الراحل أحمد زكى وهو يجسد «ناصر» و«السادات»، و تذكرت الراحل ياسر المصرى و هو يجسد «عبد الناصر» فى مسلسل «الجماعة» و طلبت لروحهما الرحمة، و تمنيت لو كانا حيين لأهنئهما مرة ثانية على موهبتهما واجتهادهما، كما تذكرت زملائى فى «صديق العمر»، باسم السمره «عبد الحكيم عامر»، وصبرى فواز «هيكل»، ومحمد نصر «السادات»، وياسر الطوبجى «البغدادى»، وعاطف عمار « صلاح نصر»، وأمجد عابد «زكريا محيى الدين»، و تمنيت لهم طول العمر و مزيدا من العطاء، لقد كانوا رائعين رغم تواضع الإمكانيات و قسوة الظروف.
رابط دائم: