فى السنوات الاخيرة ارتفعت نبرة الهجوم على الفترة الناصرية الى اقصاها، صحيح ان هذه الحملة بدأت مع وبإيعاز من الرئيس السادات فى السبعينيات، غير ان الجديد الان مايردده الكثير من(المثقفين) حولنا، الذين لايجدون لثورة يوليو غير انجازات عادية او»استبدادية» وزادت هذه اللهجة او الاتهامات فى بدايات الالفية الثالثة بشكل يلفت النظر.. لكن النقد (المحايد) يغاير فى كثير النقد(المعاند)؛ وهذا النقد الاخير مازال يحمل غضبا وضغينة للثورة التى اسهمت فى تأكيد الاتجاه الاجتماعى وتغيير القيم الطبقية التى كانت سائدة واسهمت فى تغيير الكثير من الواقع السلبى الذى كان يعيش فيه الانسان المصرى. نشير هنا الى ما يتردد حول ما يسمي(اهل الثقة واهل الخبرة) - قضية «كاريزما «البطل التى كانت عالية بآثارها السياسية السلبية اكثر من ايجابياتها كما قرأنا وسمعنا.. فمن الغريب ان موقف عبد الناصر من المثقفين كان ايجابيا الى حد بعيد، فى الشهادات الاخيرة التى تؤكد هنا آخر شهادة اليوم؛ وهى شهادة سامى شرف وقد كان معاصرا وحيويا فى هذه الفترة فإلى جانب اشارته الى ان عبد الناصر كان قارئا نهما لعبد الرحمن الكواكبى ومصطفى كامل ومحمد عبده ويشير الى قراءة عبدالناصر لفيكتور هوجو وتشارلز ديكنز وفولتير وجان جاك روسو وروبسبيير وشكسبير، و يشير الى الاثر الكبير الذى تركه كتاب مثل كتاب «عودة الوعى» لتوفيق الحكيم، كما يشير الى احتفاء عبد الناصر بالمثقفين فى كثير من المواقف من امثال محمد التابعى و احمد بهاء الدين ويوسف ادريس متمهلا عند موقف عبد الناصر من يوسف ادريس حين كان يكتب يوسف ادريس بمجلة (حوار)، ولم يكن ليعرف أن لها ارتباطات وثيقة بالمخابرات المركزية CIA، وهنا يشهد سامى شرف ان عبد الناصر قال له ان يتصل بيوسف ادريس ويقول له على لسانه» انه حرصا من عبد الناصر على شخص يوسف ادريس الذى يحبه ويحترمه ويقدره ولا يحب ان ينال منه شخص او اتجاه مريب، فإن مجلة «حوار» اللبنانية لا يليق ان تكون بها صفحات عليها توقيع هذا الانسان النظيف الشريف يوسف ادريس، وان عبدالناصر على اتم استعداد لأن يقف بجانبه مهما تكن الظروف»، وهو مادفع يوسف ادريس لاتخاذ موقف ايجابى ولم يكتب ثانية فى المجلة (ومازال سامى شرف بيننا). الى جانب ان عبدالناصر كان يدون اقتراحات للقاعدة الثقافية، كان يكتب بخط يده المطلوب (مسرح فى القاهرة/ دور سينما فى القاهرة/..) بل حرص ان يكتب بخط يده هنا كما نرى ونسجل: «يجب ان تكون فى كل عاصمة من عواصم المراكز الحدائق، ودار للكتب».. الى غير ذلك الى الاهتمام بوزارة الثقافة والسينما والمسرح والموسيقى والباليه فى المكتبات العامة فى القرى والمدن.. الى غير ذلك ممايؤكد على الوعى الكبير لعبد الناصرواهتمامه بهذه القرى والمساحات النائية عن العاصمة - على المستوى الشخصى - بمشروعات ثقافية يهتم أو يجب ان يهتم بها الكثير من المثقفين.. بل نجد الكثير من الشهادات لعبد الناصر بخط يده فى شهادات سامى شرف التى تنشر الفترة الراهنة، وفى شهادات من عاصروا وعاينوا مواقف عبدالناصر فى اكثر من اطروحة ومؤلف. واذا كان يؤخذ على الثورة بعدها عن الديمقراطية، واحتضانها لـ (كارزما) البطل؛ فلدينا عبدالغفار شكر- على سبيل المثال - حين اكد انه بعد هزيمة يونيو وفى اجتماع اللجنة التنفيذية العليا اقترح عبد الناصر - على سبيل المثال- قيام حزبين وهو ما رفضته اللجنه وهو دليل على ان عبدالناصر ادرك بعد الهزيمة اهمية التعددية ولفت الى اننا مازلنا نناضل ضد قوانين وضعت فى عهد الثورة كقانون الجمعيات الاهلية مشددا على ان تكون المرحلة المقبلة هى مرحلة المقاومة من اجل استكمال البناء الديمقراطى وتداول السلطة وحرية الاعلام.. وشهادات هذه الفترة تؤكد ان عبد الناصر لم يقم بما يؤكد على هذه (الديكتاتورية) التى كان يمكن ان تنال من المناخ السياسى، فضلا على ان امامنا دولا كثيرة عرفت الديكتاتورية فى ابشع صورها، وفى الوقت نفسه عرفت تطبيقا رائعا للعدالة الاجتماعية بما يتنافى مع «الكاريزما» للقائد يمكن ان تكون عامل احباط.. ان هذا الموقف والموقف الاخر - المقاوم - يمكن ان نجده فى بساطة فى اى حوار بين رموز الثورة ومنتقديها، نجد هذا فى الصحف او المؤتمرات، خاصة التى تزيد فى (ذكرى) قيام الثورة.. وانجازاتها، ونجده فى كثير من الشهادات الواعية المحايدة بعيدا عن تصفية الحسابات او المواقف الشخصية او الاجتماعية..
رابط دائم: