فى حدث هو الثالث من نوعه خلال ستة أشهر شهدت شبه الجزيرة الكورية مؤخرا انعقاد لقاء قمة جديد بين الرئيس الكورى الجنوبى مون جاى ين والزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون، وهو اللقاء الذى اعتبره المحللون خطوة جديدة تعد دليلا واضحا على توجهات الرئيس «مون» الهادفة ليس فقط لتحسين العلاقات مع الشطر الشمالي، ولكن وهذا هو الأهم إحداث تقدم فى العلاقات بين بيونج يانج وواشنطن باعتبار أن تحسن العلاقات بين الجارين سينعكس ايجابيا على قضية نزع السلاح النووى فى تلك المنطقة المتوترة من العالم.
وفى الوقت الذى يوجد فيه شبه إجماع على نجاح هذه القمة التى شهدت استقبالا حارا للرئيس الكورى الجنوبى وقرينته التى رافقته خلال الزيارة وهى الأولى له لبيونج يانج، حيث عقد لقاءا القمة السابقان فى المنطقة الحدودية منزوعة السلاح بين البلدين، فإن الأمر لم يخل من بعض الأصوات المشككة التى طالما اعتبرت أن سلوك الشطر الشمالى يعد مراوغا إلى حد كبير، ودليلهم على ذلك ما حدث منذ 13 عاما حينما تعهدت بيونج يانج بالتخلى عن كل الأسلحة النووية وبرامجها النووية القائمة والعودة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ولكنها قامت بعد ذلك بست تجارب نووية وأطلقت صواريخ قادرة على بلوغ الاراضى الامريكية.
ومع ذلك فقد كانت مجريات القمة ونتائجها المعلنة خير رد على هذه الأصوات المشككة، ولم يكن الترحيب الذى قوبل به الرئيس مون حينما اصطف المئات على جانبى الطريق حاملين باقات الزهور ويهتفون بصوت واحد بشعارات الوحدة، شكلا بلا مضمون، إذ لم يكتف الاعلان المشترك عقب انتهاء القمة بذكر أن الشطر الشمالى وافق على الغلق النهائى لأحد مواقع تجارب محركات الصواريخ ومنصات اطلاقها بحضور خبراء دوليين، والتفكيك الدائم لأحد المواقع النووية، وإنما وقعت وزارتا الدفاع فى البلدين ميثاقا يهدف لخفض التوتر بينهما، وينص على أن تقوم كل دولة بتفكيك مراكز الحراسة ووقف التدريبات العسكرية على الحدود اعتبارا من أول نوفمبر القادم، وإقامة منطقة عازلة على الحدود البحرية المتنازع عليها، وكذلك منطقة حظر جوى على الحدود أيضا لتجنب أى مواجهات عارضة.
هذا فيما يخص الشق العسكري، أما الجانب الاقتصادى فقد أولته القمة كذلك اهتماما كبيرا، إذ اتفق الجانبان على تدشين مشروع بنهاية العام الحالى لربط شبكتى السكك الحديدية والطرق السريعة ودراسة وضع مجمع «كايسونج» الصناعى المتوقف عن العمل منذ عام 2016، بعد قرار الرئيسة الكورية السابقة بإغلاقه عقب التجربة النووية الرابعة التى قامت بها كوريا الشمالية خلال ذلك العام. وحظيت الرياضة كذلك باهتمام مشترك من الجانبين، حيث ذكر البيان الختامى للقمة أن البلدين وافقا على الذهاب بوفد مشترك فى المنافسات الدولية بما فيها دورة الألعاب الأوليمبية القادمة فى طوكيو 2020، كما سيتقدمان بملف مشترك لاستضافة دورة الالعاب الأوليمبية عام 2032.
واختتم البيان بذكر أن الزعيم الكورى الشمالى ربما يزور سول فى المستقبل القريب دون تحديد موعد محدد، وهى الزيارة التى ستعد فى حالة حدوثها الأولى من نوعها التى يقوم بها زعيم كورى شمالى لعاصمة الشطر الجنوبى منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953. ولعل ذلك هو السبب فى ترحيب الأطراف الدولية المعنية بالقمة التى أكدت بيونج يانج من جانبها أنها ستشكل فرصة مهمة لتسريع وتيرة تطوير العلاقات بين الكوريتين وفتح صفحة جديدة فى العلاقات بين البلدين.
حيث أشاد ترامب بدوره فى تغريدة له بالقمة، واعتبرتها روسيا ايجابية للغاية، موضحة أن التعاون بين البلدين والمصالحة بينهما سيؤدى لتهيئة مناخ من الثقة فى شبه الجزيرة الكورية وسيخفف من التوتر العسكرى القائم، بينما دعت الصين لمزيد من الحوار بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة.
ومع ذلك فقد طرح بعض المحللين تساؤلات حول مطالب بيونج يانج قبل المضى قدما فى نزع سلاحها النووى خاصة فى ظل النتائج المبهمة للقمة التى عقدت بين كيم وترامب فى سنغافورة فى يونيو الماضي، حيث أشار البعض الى أن واحدة من أهم مطالب كيم ضمان صدور بيان مشترك مع الولايات المتحدة يعلن رسميا نهاية الحرب الكورية التى توقفت بهدنة، وهنا يتخوف الطرفان الأمريكى والكورى الجنوبى من أن مثل هذا الاعلان يعطى الزعيم الكورى الشمالى مبررا لمطالبة الولايات المتحدة بسحب قواتها من الشطر الجنوبى البالغة 28 ألف جندى بينما تماطل بيونج يانج فى الوفاء بالتزاماتها. وهى المخاوف التى فندها الرئيس مون بالقول إن مثل هذا الاعلان ستكون له صفة سياسية ولن يؤثر على وضع القوات الأمريكية فى بلاده أو تحالفها مع الولايات المتحدة.
هذه المخاوف تجد صداها دائما داخل الشطر الجنوبى وخاصة من المعارضة ذات التوجهات المحافظة التى طالما انتقدت حماس الرئيس مون فى ملف الوحدة والتطبيع مع الشطر الشمالي، ومن وجهة نظرهم فإن توجهات مون تأتى أحيانا على حساب ضمان التوصل لاتفاق ينهى البرنامج النووى لبيونج يانج. ودليلهم على ذلك أيضا أن الاعلان المشترك يفتقر لأى خطوات أو إجراءات فعلية وحقيقية لنزع السلاح النووي، وهو ما رد عليه الرئيس مون لاحقا بأنه ونظيره الشمالى لا يمكنهما ذكر كافة التفاصيل لأنه لابد من التفاوض مع واشنطن على بعض النقاط بشأنها.
وفى كل الأحوال فإن القمة التى استغرقت ثلاثة أيام وحظيت بمتابعة واهتمام الأطراف الدولية ستكون محل اختبار خلال الفترة القادمة لمدى جدية والتزام بيونج يانج بتعهداتها ومدى نجاح سياسة الرئيس مون فى الدفع نحو تطوير علاقته بالشطر الشمالي.
رابط دائم: