فى 28 مايو 1918...أعلن المجلس الوطنى الأذربيجانى برئاسة محمد أمين رسول زادة عن استقلال أذربيجان لتصبح الوريث القانونى لأراضى أذربيجان الملحقة بالإمبراطورية الروسية.
وبموجب بيان الاستقلال، اعتبرت دولة مستقلة قانونية تشمل جنوب القوقاز الشرقى تعتزم إقامة علاقات حسن الجوار مع المجتمع الدولي وتمنح مواطنيها الحقوق المدنية والسياسية بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو الوضع الاجتماعى.
ولكل دولة مستقلة تفاصيل مهمة، منها البرلمان الذى عقد لأول مرة فى 7 ديسمبر عام 1918 ليشهد 145 جلسة، وفترة نشاط تصل إلى 17 شهرا تمت خلالها مناقشة 270 مشروع قانون والتصديق على 230 قانونا.
وهناك أيضا جيشها الوطني الذي تأسس فى 26 يونيو من العام نفسه على أيدى مجموعة من الوطنين الأذريين أمثال سمد بك مهمانداروف وعلى أغا شيخلنسكى وإبراهيم أغا أوسوبوف ليصل عدده إلى 40 ألفا، ولتصدر الحكومة بعدها بيوم واحد قرارا باتخاذ اللغة الأذربيجانية لغة الدولة.
قرارات لم تكن لتكتمل إلا بإنشاء أول قسم شرطة فى البلاد، واتخاذ علم ذى ثلاثة ألوان وهى الأزرق والأحمر والأخضر، بالإضافة إلى الهلال والنجمة ذات الثمانية الأطراف كرمز للهوية الوطنية، وإصدار مجلس الوزراء توصياته بإعداد نشيد وطنى كتب كلماته الحماسية الشاعر أحمد جواد عام 1919.
وفي عام 1919 قررت الحكومة الوليدة تأسيس جامعة باكو وعدد من المعاهد والجامعات، والتوسع فى شبكات المكتبات، والتوسع فى إصدار الصحف التى وصل عددها إلى 80 جريدة ومجلة. هذه باختصار تجربة أذربيجان حين أعلنت استقلالها كأول جمهورية فى الشرق الإسلامى كما جاء فى كتاب « أذربيجان ومئوية التأسيس ( 1918-2018) للباحث والدبلوماسى د.إميل رحيموف القنصل بسفارة أذربيجان وخريج كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف.
هى أحداث بارزة فى عمر دولة لا يستهان بها، فتاريخها ممتد إلى ثلاثة آلاف عام، وأهميتها تتجسد فى موقعها الجغرافى الفريد عند التقاطع الاستراتيجى بين الشمال والجنوب، وبين قارتي أوروبا وآسيا، والبحر الأسود مع بحر قزوين، والحضارتين المسيحية والإسلامية كما يقول رحمن مصطفايف أستاذ العلوم التاريخية.
ولهذا، فمثل هذا القصص لا تقتصر على التفاصيل، فبعد عام واحد وتحديدا عام 1920 تم ضم أذربيجان للاتحاد السوفيتي حتى حصلت على حقوق الجمهورية على يد حيدر علييف فى 15يونيو 1993.
إسكتش سريع
خطوط تشبه الاسكتش سريع لدولة منحتها الجغرافيا مكانة متميزة بوجودها فى الجزء الشرقى لمنطقة ما وراء القوقاز، لتتقاسم حدودها مع داغستان وجورجيا وتركيا وإيران وأرمينيا، وكأرض صالحة للزراعة بها العديد من الأنهار، فضلا عن الأحواض النهرية لبحر قزوين، بالإضافة إلى مخزون احتياطي من البترول والغاز يصل إلى ملياري طن بترول، و2,550 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعى طبقا لتقديرات 2017.
فالطبيعة والنجاحات الاقتصادية التي تحققها أذربيجان هو ما جعل العاصمة باكو تستضيف اجتماع وزراء خارجية دول المؤتمر الإسلامى ثم تختار كعاصمة للثقافة الإسلامية، ويعاد اختيار المدينة الأذربيجانية ناخجوان هذا العام لتكون هى أيضا عاصمة للثقافة الإسلامية، فلديها رصيدها الثقافي والحضاري الذي يؤهلها لدور أكبر فى السنوات المقبلة.
ولا عجب فهى تملك أبرز أوراق الثقافة والاقتصاد الذى يجعلها تؤكد أهمية السوق الإسلامية المشتركة والموقع الذى يجعلها ممرا مهما فى منطقة القوقاز وأبواب آسيا الوسطى، وعلى الربط الحديدى بين أوروبا والصين ضمن مشروع إعادة بناء طريق الحرير التاريخى. وأذربيجان بهذه الجغرافيا والتاريخ الذى سرد كاملا فى ندوة أخيرة بمؤسسة الحوار لم ترد أن تذكر قصتها دون أن مرور بعلاقتها المتميزة مع مصر كما أشار د. عادل درويش الملحق الثقافى المصرى السابق بأذربيجان حيث يشهد المجال التعليمى و الثقافي تبادلا كبيرا وخاصة فى انفراد مصر بمركز لتعليم اللغة العربية للطلبة الأذريين ووجود مكتبة مصرية تضم أكثر من 4 آلاف كتاب. ومصر التى تقترب منها أذربيجان، ليست حاضرة فقط فى قصة اليوم كما أوضح سيمور نصيرف رئيس الجالية الأذربيجانية فى مصر حيث وفد إلى مصر الكثير من علماء أذربيجان ومنهم ابن هشام، والخونجى قاضى قضاة مصر، وصلاح الدين الأيوبى الذى تشير أغلب المصادر التاريخية إلى انتماء أسرته لبلدة دوين بشمال أذربيجان، وحتى ابن النفيس رئيس أطباء مصر والعالم الشهير نجد له أصلا من أذربيجان.
تتلمذ كثير من أهل أذربيجان في الأزهر الشريف واعتبرت بلادهم مفتاحا قيما لمنطقة القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى. تاريخ ينبغى علينا تذكره، فهناك طرق وخيوط وعلاقات صنعتها مصر على مر السنوات وحان وقت الانتباه إليها. فمن المجدى قراءة خريطة مصر الحضارية بمهل قبل أن نتقدم شرقا أو غربا لكونها تحوى خبرات أهل مصر.
رابط دائم: