فاته الكثير من لم يقرأ لتولستوى، ولم لا؟ وهو أعظم الروائيين بالعالم على مر العصور، فلم يكن مجرد روائى بل كان مفكرا من طراز خاص، عشق احترام الإنسان ودعا للسلام ورفض العنف بكل أشكاله وأنواعه.. وحياته حافلة بالأحداث ثرية بالتوهج الأدبى والإنسانى، عاش تولستوى «1828-1910» حياته مغردا بعيدا عن السرب، عازفا أنشودته المتفردة، تمرد على نشأته الأرستقراطية وعلى ثرائه الواسع ورفضهما واختار الانحياز للفقراء.
التحق بالجامعة ولما لم تمنحه ما أراد تركها وثقف نفسه، ولجأ للكتابة ومنحها عمره فردت بموهبة لم ولن تتكرر فى الابداع، فهو روائى واقعى وفيلسوف صادق مع نفسه قبل أن يكون صادقا مع المجتمع وهو مصلح اجتماعي لم يكتف بالتنظير ولا بالكتابة عن أفكاره ومعتقداته بل حولها لحقيقة، فأسس مدرسة لأبناء المزارعين يعلمهم فيها، وأنشأ مجلة تربوية ينشر بها نظرياته التربوية وفكره الإصلاحى ومد يد العون للفلاحين وأعطاهم حقوقهم.. عاش حياة المزارعين وترك عائلته الثرية ودعا للمساواة بين البشر وأطلقوا عليه لقب محامى الفلاحين الروس، وامتزج بالواقع الروسى وأبدع بتصويره وكشف الزيف في العلاقات الاجتماعية..
وفى إبداعه تميز بالواقعية والصدق وعمق التحليل النفسي حتى يكاد القارئ لأعماله أن يرى أبطال القصص ويتعايش معها لدقة التصوير الإنسانى، وبرز ذلك بكل رواياته لاسيما «الحرب والسلام» و«آناكارنينا» وهما من أهم الروايات الواقعية بالعالم أجمع .
عاش تولستوى حياة قاسية فقد ماتت أمه بعد عامين من ولادته وبعدها بسبعة أعوام مات والده وتولت عمته تربيته ثم ماتت لتتولى عمة أخرى رعايته، تزوج صوفيا وأنجب 13طفلا مات منهم خمسة، ونشأت معارك بينه وبين زوجته لكراهيتها إنفاقه على المحتاجين، وأجبرته على التنازل لها عن كل عائدات عمله وبسببها قال: لا أحد يستطيع إعلان رأيه في زوجته إلا إذا أحكموا إغلاق باب قبره.
ترك تولستوي البيت لزوجته وعاش بعيدا عنها حتى مات.. فطن مبكرا لأهمية ملء عمره بالعمل فنشر أولى رواياته «الطفولة» عن سيرته الذاتية وعمره 24عاما، وكيف لا يبدع مبكرا وهو القائل: على المرء إذا أراد العيش بشرف وكرامة أن يتمتع بالقوة ويصارع كل المثبطات فإذا أخطأ بدأ من جديد وكلما خسر عاود الكفاح موقنا أن الخلود إلى الراحة دناءة روحية وسقوط.
اهتم تولستوى بالبحث عن الهدف والمغزى من الحياة وكيفية معايشتها وظهر ذلك بمعظم رواياته وفى سيرته الذاتية التى أوضحت شغفه بصنع حياة لها معنى تمنعه من التفكير بالانتحار عندما لا يجد هدفا للحياة.وتحدث في رواية «موت إيفان إيليتش» عن معاناة موظف من خوفه من الموت وانغماسه وتفانيه في العمل.
أجاد تولستوى تصوير الواقع فنقل للقارئ مظاهر الترف بروسيا عندئذ، وتفاصيل الفقر المدقع أيضا وخبايا البشر خاصة في رائعته «الحرب والسلام» وضمت شخصيات تاريخية وأخرى خيالية وكتبها في أكثر من ألف صفحة، وجسدت الحياة في فترة غزو نابليون لروسيا وقدم بانوراما مذهلة عن الحياة وقتئذ ومشاعر الأمهات والآباء عند فقد الأبناء بالحروب.
أما فى روايته الأشهر «آنا كارنينا» فغاص في النفس البشرية وقدم مشاعر زوجة تعيسة تهرب من زواج يسلب سعادتها وفضح زيف العلاقات الاجتماعية وكذبها وتناقضات المجتمع الروسى.
من أعماله: البعث، الرب يرى الحقيقة لكنه ينتظر، مملكة الرب بداخلك، العجوزان، الناسك، العاصفة الثلجية.
وقد نجا تولستوي من تضخم الأنا عند بعض المبدعين, وكان نبيلا ومتواضعا واهتم بهموم الناس وسعى لتوعيتهم وتثقيفهم وقال: سعادتى الشخصية لن تكتمل إلا بسعادة الآخرين.
رابط دائم: