على جانبى العمود الفقرى توجد جوهرتان ثمينتان، ومعجزة من معجزات الرحمن، إنهما الكليتان.. ولنتأمل فى هذه الصنعة الإلهية العجيبة، فالكلية صغيرة الحجم، حيث يبلغ طولها عشرة سنتيمترات، وعرضها خمسة سنتيمترات، وسمكها سنتيمتران ونصف السنتيمتر، لكنها تحتوى على 1٫3 مليون جهاز لتنقية الدم، ويسمى كل جهاز منها (نفرون)، والنفرون آية فى بنيته ووظيفته، فهو أنبوب عاقل ذكي، يتعامل مع الماء والمعادن بمنتهى الحكمة، ويسمح بمرور هذا، ويمنع ذاك، ويتخلص مما يضر، ويحتفظ بما ينفع، وفيه يحدث ترشيح الدم فى لفافة من الشعيرات الدموية تسمى (الكبيبة) قطرها 0٫2 ملليمتر، من خلال ثقوب متناهية الصغر فى جدران الشعيرات الدموية، قطر الواحد منها مائة نانومتر، والنانومتر جزء من ألف مليون جزء من المتر، أو جزء من مليون جزء من الملليمتر، وهو مصفاة عجيبة، ثم يتحرك الراشح فى رحلة مدهشة فى النفرون متأثرا بالهرمون المضاد لإدرار البول ADH وغيره من الهرمونات، ليتم لجسم الإنسان هذا التوازن والثبات فى عناصره، ولكن ما الذى يصيب الإنسان بالفشل الكلوي؟ وما سبب توقف «الجوهرتين الثمينتين» عن العمل والنشاط؟ وهنا يجب التمييز بين نوعين من الفشل الكلوى وهما: الفشل الكلوى الحاد، والفشل الكلوى المزمن، حيث يقول د. روبرت أندرسون أستاذ أمراض الكلى بجامعة كولورادو: «الفشل الكلوى الحاد هو تدهور سريع فى الوظيفة الكلوية وهو كاف لتراكم الفضلات النتروجينية فى الجسم، فحوالى 60 بالمائة من حالات الفشل الكلوى الحاد سببها العمليات الجراحية والرضوض، أما الحمل فيسبب 1 إلى 2 بالمائة من الحالات، أما النسبة الباقية التى تصل إلى 40 بالمائة فتسببها الأدوية، كما تؤدى مضاعفات العمليات الجراحية والحمل إلى نقص الإمداد الدموى الكلوي، ومن ثمّ الفشل الكلوى الحاد، أما الأدوية فبعضها يعد سموما كلوية، وأهمها مضادات حيوية مثل الجراميسين والجنتاميسين وغيرهما من مجموعة الأميينوجليكوسايد، وتزداد خطورة هذه الأدوية مع تقدم السن، ووجود مرض بالكلية، واستعمال دواء آخر يضر بالكلية، واستعمال مدرات بول قوية». .ويقول د. روبرت شراير أستاذ الأمراض الباطنة بجامعة كولورادو: «تتمثل المظاهر المبدئية للفشل الكلوى المزمن فى ارتفاع ضغط الدم والأنيميا اللذين يعدان أكثر الاضطرابات المبكرة شيوعا، وتشمل الاضطرابات الأخرى عدم تحمل الكربوهيدرات، وزيادة نسبة حمض البوليك فى الدم، وارتفاع نسبة الدهون الثلاثية فى مصل الدم، وعدم القدرة على تكوين بول مركز، مما يؤدى إلى التبول المتكرر، والتبول الليلي»، ويضيف د. بانى برنر أستاذ الأمراض الباطنة بالمدرسة الطبية بهارفارد: «فى حالات الفشل الكلوى المزمن يحدث تدمير متزايد للنفرونات، ومن أبرز أسبابه التهاب الكبيبات الكلوية، والاعتلال الكلوى السكري، والتصلب الكلوي»، وبغض النظر عن الأسباب فإننا نجد فى النهاية تناقصا كبيرا فى كتلة النفرونات، مما يؤدى إلى تغير فى وظيفة جميع أعضاء الجسم، ومن الواضح أن الفشل الكلوى المزمن لا يتعلق بالوظيفة الإخراجية للكلية فقط، فهناك أيضا فشل الوظيفة الأيضية والهرمونية للكلية، كما يحدث سوء تغذية، وخلل فى الكربوهيدرات والدهون والبروتين، واستغلال الجسم للطاقة، وخلل فى النقل النشيط لأيونات الصوديوم عبر الخلايا، مما يؤدى إلى زيادة أيونات الصوديوم داخلها، ويعانى مريض الفشل الكلوى المزمن فقدان الشهية وغثيانا وقيئا وإسهالا مما يؤدى لسوء التغذية وفقدان الوزن، وانخفاض درجة حرارة الجسم نتيجة لاحتباس المواد السامة فى الجسم مثل اليوريا، التى تؤدى بدورها إلى كبح مضخة الصوديوم، لكن بإجراء الغسيل الكلوى الدموى تعود درجة حرارة الجسم إلى طبيعتها .
د. يحيى محمود سنبل ــ ميت غمر ــ دقهلية
رابط دائم: