إن كان لكل شأن «ذروة»، فيمكن القول إن السنوات الـ١٧ الأخيرة كانت «ذروة» العمل التشريعى فى الغرب لسن قوانين مكافحة الإرهاب والتطرف الوارد من الخارج. تلخيص سجل التشريعات الغربية بهذا الشأن يبدو محالا، لكن الممكن هو رصد الملاحظات الرئيسية حول هذا السجل المثير.
فيلاحظ مبدئيا، التوافق شبه التام حول تقديم حماية الأمن القومى على مباديء كانت ديمقراطيات الغرب تعيد وتزيد بشأنها حتى عهد قريب، مثل حرية التعبير وحماية الحريات الشخصية التى كانت مكفولة، ولو نظريا ونسبيا، بقوانين ما قبل ١١ سبتمبر 2001.
فقانون Patriot Act الأمريكى والذى يعتبر «أبو قوانين الإرهاب»، والذى أقره الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن بعد حوالى ٦ أسابيع من الهجمات، أطلق يد أجهزة الأمن فى تفتيش كل شيء من سجلات الأعمال والحسابات البنكية إلى تعقب المكالمات الهاتفية بناء على أقل قدر من الشك. وحاول الرئيس السابق بارك أوباما تحجيم بعض بنود القانون الشهير وتحديدا ما يتعلق بـ«التنصت» وتعقب ما يعرف بـ«الذئاب المنفردة» فى إشارة إلى العناصر الإرهابية الكامنة، لكن أغلب بنود الــ Patriot Act عادت بعد انتهاء الأمد القانونى للعمل بها بعباءة جديدة وإن كانت بذات المضمون تقريبا عبرFreedom Act الذى بدأ تنفيذه فى يونيو ٢٠١٥. ولا تختلف باقى دول الغرب عن أمريكا كثيرا فى هذا الشأن، وهو ما يجعل هذه القوانين تحديدا هدفا دائما للمنظمات الحقوقية والأحزاب الليبرالية. ويلاحظ، ثانيا، أن هناك إدراكا تشريعيا لـ«تشعب» و«تداخل» ضروريات مكافحة الإرهاب مع مختلف قطاعات الحياة، بمعنى أن نظرة على تسلسل تشريعات ألمانيا، مثلا، بهذا الخصوص يكشف عن قوانين حصرية للتصدى للإرهاب فكرا وممارسات، مثل قانون مكافحة الإرهاب الصادر ٢٠٠٦ والذى تم تعديله ٢٠٠٩.
لكن تقريبا أغلب التشريعات العامة الصادرة خلال السنوات الأخيرة تضمنت بنودا حول الإرهاب من قوانين غسيل الأموال إلى الاتصالات والإعلام، مرورا بالقوانين المنظمة لشئون التعليم والمعاملات البنكية، ومعها طبعا قوانين الهجرة واللجوء، عقب موجة اللجوء التى اجتاحت البلاد عام ٢٠١٥.
ومن الملاحظات أيضا إدراك الدور الحيوى للإنترنت، ويبرز ذلك عبر التعديل المطروح منذ يونيو الماضى على القانون البريطانى لمكافحة الإرهاب والأمن الأشمل، والذى يعاقب بالسجن لأكثر من عشرة أعوام لكل من يطالع، مجرد المطالعة، لمواد مرتبطة بالإرهاب عبر الإنترنت لثلاث مرات أو أكثر.
وبريطانيا فى ذلك شأنها شأن دول عديدة انتبهت لضرورة المواجهة التشريعية لدور الإنترنت المتزايد فى دعم الإرهاب لأسباب وجيهة من بينها تراجع دور «التنظيمات المركزية» و«الخلايا النائمة» بعد تراجع «القاعدة» قديما، وتهاوى «داعش» حاليا، وهو ما جعل ذلك «التطرف» فكرة أكثر منه كيانا، والفكرة تدور وتحوم بحرية أكبر عبر «الإنترنت» بحثا عن أتباع ومجندين. فالقانون البريطانى ذاته مرتبط بملاحظة أخرى تتعلق بتجريم التماس ما بين المواطن وأى شبهة إرهابية حتى لو لم يكن لذلك نتائج مباشرة بالنسبة للدولة التى يتبعها، كعارض جانبى لأزمة «المقاتلين العائدين» التى واجهها الغرب مؤخرا، فالقانون يعاقب بالسجن 10 أعوام لمن يدخل، مجرد الدخول، للمناطق المرتبطة بالإرهاب كمعاقل «داعش» فى سوريا والعراق.
وتتفق بريطانيا فى ذلك مع قوانين أستراليا المتشددة بهذا الشأن.
وهناك أيضا محورية «دور العبادة»، كما فى قانون فرنسا لمكافحة الإرهاب الذى بدأ العمل به اعتبارا من أكتوبر ٢٠١٧، وجاء كخلاصة لقوانين سابقة وإجراءات حالة الطواريء المفروضة منذ هجمات ٢٠١٥، ويقر إغلاق المساجد ودور العبادة التى يلتزم رجال الدين فيها بخطاب متطرف ومتعارض مع قوانين البلاد.
والملاحظة الأخيرة والأهم، أن هذه التشريعات إجمالا، ورغم كثافتها وتواليها وتشددها، إلا أنها كانت دوما أبطأ من وتيرة تطور الإرهاب كفكر وممارسات منذ ١١ سبتمبر 2001.
رابط دائم: