بين الماضى والحاضر تقف أشياء وتسقط أشياء وما تبقى منها نعتبره شهود على التاريخ تحدى الزمان ليقول لأجيالنا المعاصرة الكثير والكثير ومن هؤلاء الشهود منازل المشاهير، .
وتضم مدينة الإسكندرية عشرات المنازل التى تعود تاريخياً إلى شخصيات ورموز وطنية وشعبية غير عادية وهى مدرجة ضمن المبانى التراثية ليس بإعتبارها ذات قيمة معمارية فقط ولكن لقيمة الشخصية أوالرمز التاريخى الذى سكن المنزل ومن هذه المنازل التى يحاصرها الإهمال ومهددة بالسقوط بسبب عدم ترميمها منزل عبدالله النديم الرمز الوطنى والثقافى والسياسى وخطيب الثورة العرابية والكاتب الساخر البديع فى زمانه حيث تحول منزله الذى شهد ميلاده عام١٨٤١ إلى ما يشبه عشة الدجاج وهو المنزل رقم١٣ حارة عبدالواحد بكفر عشرى أسفل كوبرى التاريخ بحى مينا البصل والذى كان يضم المطبعة التى كان يقوم فيها بطباعة منشوراته ضد الإحتلال الإنجليزى والخديو توفيق وباعتها أسرته فيما بعد بجنيهين ونصف لبائع فول ..
و يقول دكتور صلاح هريدى أستاذ التاريخ المعاصر إن عبدالله النديم قيمة تاريخية لا يمكن تجاهلها وأطلق عليه فى زمانه الأديب الأدباتى فقد كانت كتاباته بمثابة منشورات سرية يتداولها جموع البسطاء من الشعب المصري،. ويضيف هريدى أن النديم تعرض للنفى خارج البلاد بعد سلسلة طويلة من المطاردات مع الانجليز لأعوام طويلة كان يقوم الأهالى بتخبئته عنهم ويتنقل من بيت لبيت دون أن يشى به أى شخص لحبهم الشديد له ولقيمته وتوفى النديم متأثرا بمرض السل دون أن يترك ولداً أو زوجه فقط والدته وأخاه ولكنه كان قد عاد من منفاه بعد توسط الخديو عباس الثانى له عند الباب العالى ليعود لمصر مرة أخرى ولازال منزله مسقط رأسه يقاوم السقوط فهل يجد إهتماماً من المسئولين ..
الإهمال يحيط بمنزل سيد درويش
سيد درويش هو الملهم الأول للحن الشرقى وآلة العود الوترية بعالم الشرق وقد ولد بمنطقة كوم الدكه عام ١٨٩٢ ومنزله الذى عاش فيه يقع فى ١١٢ حارة البوابة الشهيرة بحارة الحاج بدوى ، وكانت له أعمال فنية استطاعت أن تحفر فى اذهان المصريين ذكريات عديدة منها ثورة ١٩١٩ والأحداث السياسية الهامة والنشيد الوطنى المصرى، حيث كانت مدينة الإسكندرية هى ملهمته فى الألحان والأغانى فقد كان يجلس على المقهى المجاوره لمنزله ومعه عوده ويندمج فى الألحان ليخرج أفضل ما لديه.
ويقول محمد أنور ملحن ومدرب عود أن أغلب دول العالم تحتفى بالقامات الموسيقية لديهم ويتم تحويل منازلهم إلى مزارات ومتاحف عالمية يزورها المتخصصين وغير المتخصصين ولكن للأسف منزل موسيقار الشعب سيد درويش يعانى من الأهمال والتجاهل وأصبح أشبه بالأنقاض تحيط به أكوام القمامة
ولم يعد لسيد درويش وجود إلا من خلال بعض المبادرات التى أطلقها الفنانين السكندريين لإقامة حفلات تراثية تردد أغانيه وألحانه فى ذكرى ميلاده أو ذكرى رحيله ، غير أنه لا يوجد أحد يعرف أين عاش فنان الشعب والمناضل الوطنى الذى طاره الإنجليز ولم ييأس أبدا وكانت أشهر أغانيه السياسية “عشان مانعلى ونعلى ونعلى ..لازم نطاطى نطاطى نطاطى “ وأغنية “يابلح زغلول عن الرمز الوطنى سعد زغلول”.
ملاهى بيرم التونسى
أما الزجال وشاعر العامية بيرم التونسى فقد ولد فى منزل مكون من ثلاثة طوابق فى شارع خليل عجمى فى منطقة السيالة فى ٤ مارس ١٨٩٣ وكان يتردد على الشاطئ وعلى المقاهى المحيطة بالمنطقة فيلقى أشعاره وأزجاله فإرتبط الناس فى بحرى والسيالة بفنه وأشعاره الوطنية خاصة وأنه أيضا كان قد تأثر بعمال صناعة السفن والصيادين والأغانى البسيطة الشعبية التى كانوا يقومون بغنائها أثناء عملهم فحولها لأوبريتات غنايئة وأبيات شعرية جميلة ومختلفة . وقد نفى بيرم فى عام١٩٢٠ الى تونس بعد نشره قصيدة “القرع السلطاني” والتى سخر فيها من الإنجليز والسلطان فؤاد ولا زال يعانى منزله من الإهمال أيضا وهناك منزل آخر تزوج فيه وتم نفيه منه ويقع خلف مسجد المرسى أبى العباس، وفى عام ١٩٧٦ صدر قرار جمهورى بنزع ملكية المساكن الحيطة بالمنطقة لإقامة حفلات دينية بها وتحول مكان المنزل إلى ملاهى وألعاب أطفال.
من جانبه يشير دكتور إسلام عاصم مدير جمعية التراث والفنون التقليدية الى وجود رسائل علمية وأبحاث داخل كليات السياحة والفنادق وأقسام التاريخ واقسام العمارة بالفنون الجميلة والهندسة كلها تقدم حلول عملية للإستفادة من هذه البيوت والمنازل القديمة على مستوى الإسكندرية ولكنها تبقى حبيسة الأدراج ولا تخرج للنور بسبب غياب وانفصام الواقع عن الجهاز التنفيذى للدولة .
ويضيف عاصم أن أغلب هذه الأبحاث تتناول كيفية الإستفادة من هذه المنازل التراثية ؟ وكيف يمكن أن تحول هذه البيوت البسيطة فى مبانيها والعالية فى قيمتها التاريخية الى مزارات عالمية تساهم كذلك فى الارتقاء الإقتصادى والإجتماعى بالمنطقة المحيطة بها ، ولكن التنفيذ دائماً يحتاج إلى قرار شجاع وأفكار من خارج الصندوق لأن العقبة الرئيسية التى ستظهر دائما هى التمويل ويلفت عاصم إلى أن هناك فى جهاز التنسيق الحضارى مشروع إسمه “عاش هنا” ويستهدف المشروع وضع لافتات كبيرة تشرح تاريخ من عاش فى هذا المنزل وماهى أهميته ، ولكن المنزل نفسه ربما يسقط هو واللافتة لأنه بحاجة إلى ترميم من نوع خاص تحدده لجان فنية واستشارية وهندسية.
ويطرح عاصم مبادرة تقوم على إلزام شركات المقاولات الكبرى التى تشترك فى المشاريع الضخمة بأن تقوم بترميم من خمس إلى عشر من هذه المبانى التراثية ذات القيمة والأثر الهام فى حياة المجتمع المصرى القديم والمعاصر وبذلك نتخطى عقبة عدم وجود تمويل. كما يطالب بضرورة أن يكون توجه الجمعيات المعنية بالتاريخ والتراث بتقديم البحوث فى هذا النطاق بحيث تتحول هذه المناطق الفقيرة إلى منطقة استثمارية .
رابط دائم: