كاتب الرسائل «ايميلو جارثيا جوميث» الذى عاش خلال الفترة من عام «1905 إلى 1995» يعد واحدا من أهم أعلام الإستشراق الإسبانى، له العديد من المؤلفات حول التاريخ والأدب العربيين قديما وحديثا، وترجم الكثير من النصوص العربية الى الإسبانية منها كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسى و«الأيام» لطه حسين، كما ترجم شعر العديد من الشعراء الأندلسيين.
ورسائله التى تبادلها مع أستاذه المستعرب «ميجيل آسين بالاتيوس» وقام بجمعها «خواكين يا يبى بيرمنحو» وهو صاحب فكرة نشرها عام 2007 بمناسبة مرور ثمانية عقود على رحلة «جارثيا جوميث» الأولى إلى الشرق، قام بترجمتها، وحقق تفاصيلها طه زيادة، الكتاب بعنوان «رحلة إلى مصر وسوريا وفلسطين» الصادر عن المركز القومى للترجمة، ويضم ثمانى عشرة رسالة فى الفترة من 28 نوفمبر 1927 حتى 13 مايو 1928 ، وتعتبر هذه الرسائل بمثابة شهادة على عصر كان فيه الشرق فى حالة فوران وتشكل، فالجامعة المصرية فى ذلك الوقت لم يمض على تأسيسها سوى عشرين عاما، والصراع محتدم بين تيار الإصلاح والتحديث بزعامة «طه حسين»، وبين جامعة الأزهر العريقة، بين دعاة التمديد والتحديث، وبين دعاة الحفاظ على الهوية، بين الإسلام التقليدى المدعوم من المؤسسة الرسمية، وبين الدين الشعبى الذى تغلب عليه مظاهر التصوف بطرقها المختلفة، الشاذلية، والخليلية وغيرهما، والإسلام الحضرى لدعاة التمدن، القاهرة الحديثة بشوارعها ومكتباتها ومؤسساتها، والقاهرة الشعبية بحاراتها وأزقتها وسكانها المحليين، ومن وراء ذلك العمارة الإسلامية والآثار الفرعونية.
وتكشف هذه الرسائل عن جوانب من شخصية كاتبها، منها على سبيل المثال الشغف الدائم بالبحث، وطلب العلم والفهم والاستيعاب والنهم الذى لا يشبع للمعرفة بالواقع الذى يحيط به، كما يتضح منها أن صاحبها يتمتع بخصال لا يتحلى بها سوى عالم حقيقى، وهى الصدق والتواضع ـ ويكشف الكتاب عن حالة مستمرة من الميل إلى النقل الذاتى لا تخلو من الاعتزاز بالهوية مع السعى الدائم للوصول إلى جذور الثقافة والتاريخ.
وأدب المراسلات أو الرسائل يعتبر فنا من الفنون النثرية الذى عرف قديما ـ ذلك الفن الأدبى الأصيل الذى لحقه فى الفترة الأخيرة نوع من التراجع، الذى كان يعد من أجمل الألوان الأدبية فيما مضى، حيث الرسائل المتبادلة بين الشعراء والأدباء، كان ولا يزال رافدا مهما وثريا من روافد الأدب العربى، تلك الرسائل احتلت منزلة رفيعة عند الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية والفكرية، وقد ازدهرت الرسائل الأدبية فى أوائل القرن الماضى، وكانت الرسالة قطعة أدبية، وللأسف هذا الفن الجميل فقد بريقه وأوشك على الاندثار بسبب التقدم المذهل فى وسائل الاتصال الحديثة من حاسوب و«انترنت» وجوال.
رابط دائم: