رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المنتدى الصينى - الأفريقى نموذج لتعاون الجنوب الجنوب

حسن وانج ماو هو ــ نائب رئيس تحرير مجلة ((الصين اليوم

فى المؤتمر الآسيوي- الأفريقى الذى عقد فى باندونغ عام 1955، عرفت أدبيات العلاقات الدولية لأول مرة مصطلح «تعاون الجنوب- الجنوب»، الذى يشير إلى تبادل الموارد والتكنولوجيا والمعرفة بين البلدان النامية. كان مؤتمر باندونغ أول اجتماع عالمى الدول المشاركة فيه ليست مستعمرات للقوى الإمبريالية، وأول مؤتمر فى تاريخ البشرية عابر للقارات للشعوب الملونة. وكانت الصين من أبرز الدول المشاركة فيه.

وبرغم التقلبات والتغيرات فى الوضع الدولى خلال النصف الثانى من القرن العشرين، ظل تعزيز العلاقات مع الدول النامية سواء فى آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية المبدأ الثبات للسياسة الخارجية الصينية. ومع انبلاج القرن الحادى والعشرين المحمل بتوجهات جديدة وإعادة هيكلة النظام الدولى والتقدم التقنى والمعرفي، وعلى خلفية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى حققتها الصين منذ تبنيها سياسة الإصلاح والانفتاح، شرعت بكين فى تعميق تعاونها مع بلدان الجنوب، وفى مقدمتها البلدان الأفريقية، فبادرت بإنشاء منتدى التعاون الصيني- الأفريقى عام 2000، الذى انطلق بالعلاقات الصينية- الأفريقية إلى آفاق جديدة. الصين حاليا هى الشريك التجارى الأول لأفريقيا للسنة التاسعة على التوالى منذ عام 2009. وفى عام 2017، زاد حجم التبادل التجارى بين الصين وأفريقيا 17 ضعفا، وزاد الاستثمار الصينى فى أفريقيا أكثر من 100 ضعف، وتطور التنسيق بين الجانبين ليشمل التعاون السياسى والاقتصادى والثقافى والأمنى والمالى والإنسانى والإيكولوجي، إلخ.

تولى الصين اهتماما بالغا لتعاونها مع القارة الأفريقية، ومن دلائل هذا الاهتمام استضافة بكين فى الثالث والرابع من سبتمبر 2018، قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقى التى سيحضرها الرئيس شى جين بينغ ويلقى فى حفل افتتاحها كلمة رئيسية لعرض أفكار الصين الجديدة بشأن تعزيز العلاقات مع أفريقيا والإعلان عن إجراءات جديدة للتعاون البراغماتى بين الجانبين. وسيشارك فى القمة عدد كبير من القادة الأفارقة ورئيس الاتحاد الأفريقى والأمين العام و27 مجموعة دولية وأفريقية. ويولى الرئيس شى جينغ بينغ أفريقيا اهتماما خاصا، ففى عام 2013، كانت أفريقيا الوجهة الأولى لأول زيارة خارجية قام بها بعد تولى منصبه كرئيس للصين، وفى عام 2018، زار أربعة بلدان فى مناطق مختلفة من أفريقيا فى أول جولة خارجية له بعد إعادة انتخابه لفترة ثانية.

لقد حقق منتدى التعاون الصيني- الأفريقى نتائج مثمرة وأصبح علامة بارزة فى التعاون الصيني- الأفريقى منذ تأسيسه قبل 18 عاما. كما يمثل المنتدى آلية تقود التعاون الدولى مع أفريقيا وتعزز التعاون بين بلدان الجنوب، حسبما قال وزير خارجية الصين وانغ يى فى مؤتمر صحفى عقده فى الثانى والعشرين من أغسطس 2018. السيد وانغ قال أيضا إن القمة تهدف إلى بناء مجتمع مصير مشترك أكثر تقاربا بين الصين وأفريقيا ومواصلة ربط مبادرة الحزام والطريق الصينية بالتنمية الأفريقية وتحديد مسار جديد لتعاون صيني- أفريقى ذى مستوى أعلى وتعميق التبادلات الشعبية. كما أضاف وزير خارجية الصين: «نعتقد أنه بالجهود المشتركة للصين وأفريقيا، ستحقق قمة بكين نجاحا كبيرا وستنشئ معلما تاريخيا جديدا للتعاون الودى بين الصين وأفريقيا.»

إن مساهمات الصين فى أفريقيا لاتقتصر على الدعم والمعونات والاستثمارات، وإنما الأهم هو تجربة الصين فى مكافحة الفقر التى يمكن لدول أفريقيا أن تستفيد منها. وكما قال بيتر غاري، المحاضر فى دراسات التنمية بجامعة ويتووترساند فى جنوب أفريقيا، فإن الصين تعد مثالا يحتذى به فى مجال الزراعة بالنسبة للدول النامية. فقد استثمرت الصين فى الزراعة للحد من الفقر وأقامت مشروعات زراعية ناجحة على المستويات القاعدية. الصين لا تقدم السمكة للأفارقة، وإنما تعلمهم الصيد. وعلى سبيل المثال، فإن شركات الاتصالات الصينية العاملة فى أفريقيا أحدثت تحولا هاما فى حياة الأفارقة.

بيد أن البعض فى الدول الغربية، التى نهبت ثروات إفريقيا واتخذت أهلها عبيدا، يحاولون تشويه ما تقوم به الصين فى أفريقيا. وقد لا يكون هناك أسوا من الكتاب الذى أصدره فى عام 2014 الصحفى الأمريكى هوارد وارينغ فرنش، بعنوان «قارة الصين الثانية»، والذى حاول فيه، بطريقة خبيثة، تشويه التعاون الصيني- الأفريقي، مدعيا أن الصينيين يستغلون ثروات إفريقيا. وفى الثالث من فبراير 2017 كتبت إليزابيت مانيرو فى «Harvard Political Review» مقالة بعنوان «استثمارات الصين فى أفريقيا: الاستعمار الجديد؟» ومن قبلها نشرت مجلة ((السياسة الخارجية)) التى تصدر فى الولايات المتحدة الأمريكية مقالة بعنوان ((الاستعمار الجديد الصيني))، وغير ذلك من الكتابات التى تشكك فى نوايا الصين.

غير أن ما حققته الصين على أرض الواقع فى أفريقيا فرض نفسه وصار حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها. فى الحادى والثلاثين من يوليو 2018، كتب نيك فان ميد فى صحيفة ((الغارديان)) البريطانية مقالة تحت عنوان «الصين فى أفريقيا: تنمية الكسب المشترك أم استعمار جديد؟»، عدّد فيها المشروعات الصينية فى أفريقيا، ومنها ميناء باغامويو فى تنزانيا الذى سيصبح أكبر ميناء فى أفريقيا عند اكتماله، وخط نيروبي- مومباسا الحديدى فى كينيا، وخط أديس أبابا- جيبوتى الحديدي، إضافة إلى خط السكك الحديدية بين تنزانيا وزامبيا الذى أنشأته الصين فى ستينات القرن العشرين. واختتم نيك فان ميد مقالته التى كتبها من مدينة باغامويو قائلا: «بينما تستعد باغامويو لتحول مزلزل من مدينة هادئة إلى ميناء ضخم ، يبدو أن السكان يشعرون إجمالا بالإيجابية. من سائقى سيارات الأجرة فى البلدة القديمة بأثوابهم المصنوعة من القطن الأبيض إلى مدير المطعم الشاب، الكل واثقون من أنهم سيستفيدون من المزيد من الشركات، والمزيد من المكاتب، والمزيد من الوظائف، والمزيد من المال. كل ذلك بفضل الاستثمارات الصينية فى هذه المدينة التى تعد امتدادا لـ»الحزام والطريق».

منتدى التعاون الصيني- الأفريقى نموذج ناجح للتعاون بين الجنوب والجنوب، وتجربة يمكن تعميها إلى مناطق أخرى فى العالم، من أجل بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق