رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

موريسون.. والبحث عن الاستقرار فى استراليا

إيمان عارف
سكوت موريسون

«إن التغيير المتتابع للقيادة أمر يزعج الناخبين ويزيد من إحباطهم وشكوكهم بشأن الديمقراطية» هكذا لخص أحد المعلقين السياسيين الوضع فى أستراليا بعد أسبوع من الفوضى السياسية انتهت بإعلان الحزب الليبرالى الحاكم اختيار وزير الخزانة سكوت موريسون -50 عاما- رئيسا جديدا للوزراء خلفا لمالكوم تيرنبول الذى تمت الإطاحة به من رئاسة الحكومة بعد انقلاب داخلى فى الحزب، ليصبح بذلك موريسون سادس رئيس للوزراء للبلاد خلال عشرة أعوام، كما يصبح دليلا واضحا جديدا على حالة عدم الاستقرار السياسى التى أجمع المراقبون على أنها أصبحت سمة ملازمة للحياة السياسية الاسترالية خلال الفترة الماضية، خاصة أن تيرنبول الذى تمت الإطاحة به سبق وأطاح بسلفه تونى آبوت عام 2015 بدعوى تدهور شعبيته، وهو نفس المنطق الذى استخدم معه لاحقا.

وقد شكل اختيار موريسون من وجهة نظر المراقبين ضربة قاسية لمنافسه بيتر داتون وزير الداخلية ذى التوجهات اليمينية المعروفة والذى قاد التمرد ضد رئيس الحكومة السابق، حيث حصل موريسون على 45 صوتا مقابل 40 لداتون. وقد دفع ذلك البعض للتساؤل عن مستقبل الحزب وشعبيته بين الناخبين فى ظل الخلافات الداخلية التى يشهدها، وهو ما يجعل موقفه حرجا خاصة أنه مقبل على انتخابات عامة فى مارس المقبل. ولعل هذا الهاجس هو ما دفع موريسون وفور الإعلان عن فوزه فى التصويت الداخلى للحزب لتوجيه رسالة للمواطنين، الذين تملك معظمهم الغضب والإحباط بسبب عدم تمكن أى رئيس وزراء من استكمال ولايته حتى نهايتها، مفادها أن مهمته الأساسية وهو يتسلم القيادة كجيل جديد أن يضمن لم شمل الحزب الذى تعثر وتخبط خلال الفترة الماضية، وكذلك لم شمل البرلمان، حيث يتمتع الحزب بالأغلبية بفارق مقعد واحد.

ومع ذلك يبدو هذا التعهد محل شك كبير، خاصة أن عاصفة انتخابه لزعامة الحزب والحكومة لم تمر مرور الكرام بعد أن تقدمت وزيرة الخارجية جولى بيشوب باستقالتها من منصبها الوزارى وتخلت عن موقعها كنائبة لرئيس الحزب معلنة تفضيلها العودة للصفوف الخلفية. وهى استقالة تأتى انعكاسا لحالة من الغضب بعد أن حصلت على أقل عدد من أصوات زملائها بالحزب رغم استطلاعات الرأى التى أشارت لشعبيتها بين الناخبين، وكذلك بعد تسريب محادثات سرية على تطبيق «واتس اب» بين عدد من أعضاء الحزب يدعون فيه للتصويت ضدها بهدف دعم موريسون، فضلا عن تلميح تيرنبول بالاستقالة من البرلمان وهو ما سيترتب عليه فقدان الحكومة لأغلبيتها داخل البرلمان، حيث سيضطر فى هذه الحالة لإجراء انتخابات تكميلية على مقعده.

وهنا يشير المراقبون إلى أنه فى الوقت الذى أكد فيه موريسون أن أهم أولويات حكومته ستكون مواجهة موجة الجفاف العنيفة التى تضرب أجزاء من شرق البلاد، فإن الهاجس الاكبر لدى المتابعين سيكون معالجته لقضية الهجرة واللاجئين. فمنذ أن انتخب موريسون فى البرلمان لأول مرة عام 2007 تولى 3 حقائب وزارية مهمة، منها وزارة الهجرة عام 2013 و2014 حيث واجهت سياسته فى تلك الفترة الكثير من الانتقادات بسبب تطبيق الحدود السيادية لردع المهاجرين عن التوجه بحرا إلى استراليا، واتخاذه موقفا متشددا تجاه طالبى اللجوء وإقامته معسكرات احتجاز لهم على الجزر المقابلة لاستراليا، وكلها سياسات تشير إلى أن هذه القضية ربما تحتل جانبا من اهتمامه، خاصة فى ظل اصراره على أن الهجرة تعد جزءا من سياسة الأمن القومى وتلعب دورا فى السياسة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، مؤكدا امتلاكه الخبرة اللازمة فى هذا المجال.

ولكن بعيدا عن التجاذبات السياسية الحزبية، طرح المحللون تساؤلا مهما عن الأسباب الكامنة وراء هذه الحالة من عدم الاستقرار التى تخوف الكثيرون من تأثيرها على مكانة البلاد وسط حلفائها. خاصة وأن الفترة من عام 1983 وحتى 2007 عرفت استراليا ثلاث رؤساء وزراء فقط، أما الفترات السابقة التى شهدت فيها البلاد وضعا مشابها فى سبعينيات القرن الماضىفقد استطاعت الأحزاب أن تلعب دورا فعالا وأن تنفذ اصلاحات تعد تاريخية مثل إلغاء سياسة استراليا البيضاء وتقديم قانون حق الأرض للسكان الاصليين وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعى، وتطبيق نظام تأمين صحى يعد الأفضل على المستوى العالمى، وفرضت قيودا على امتلاك السلاح.وأول هذه الأسباب فى رأى البعض يعود لنظام الانتخابات الفيدرالية ذاته الذى ينص على اجرائها كل ثلاثة سنوات على عكس معظم الأنظمة السياسية فى العالم التى تشهد انتخابات كل أربع أو خمس سنوات. وبينما يدافع مؤيدو هذا النظام عنه باعتباره يتيح للناخبين السيطرة على السياسيين، فإن المنتقدين يرون أن هذا النظام يجعل السياسيين أكثر تركيزا على استمرارهم فى مقاعدهم بدلا من انشغالهم بقضايا البلاد، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى حالة السيولة السياسية التى تشهدها استراليا حاليا.

وهنا يعيب المراقبون على الحزب الليبرالى أنه لم يتعلم الدرس جيدا من منافسه التقليدى حزب العمال، فعندما حدث الانقلاب الحزبى الأول عام 2010 وحلت جوليا جيلارد محل يفن رود وتولت رئاسة الوزارة فقد الحزب أغلبيته البرلمانية ولاحقا عندما استعاد رود المنصب من جيلارد عام 2013 قاد الحزب نحو هزيمة مؤلمة، وهو ما يعد دليلا على أن المبدأ المتبع بأن كل رئيس للوزراء تتراجع شعبيته بين زملائه بالحزب أو فى استطلاعات الرأى يتم التضحية به بسهولة ليس صحيحا، بل إنه يؤثر بشدة على الحزب فى الانتخابات اللاحقة. ومع ذلك يبدو أن هذا الدرس لم يمنع الجناح اليمينى داخل الحزب من الاحتشاد للإطاحة بتيرنبول.

لقد اتفق المراقبون على أن ما يشغل الاستراليين حقا خلال المرحلة المقبلة ليس شخص رئيس الوزراء بل قدرة النظام على تصحيح اخطائه والقضاء على حالة عدم الاستقرار السياسى التى دفعت احدى المواطنات للقول بأنه «لشعور سيئ أن ندفع لمثل هؤلاء أموالا حتى يديروا البلاد»، خاصة فى ظل وجود رئيس وزراء جديد يمثل اختلافا عن سابقيه بسبب توجهاته الدينية الواضحة، على عكس السائد من تبنى الساسة فى استراليا توجها علمانيا، وهو ما دفع العديد من الخبراء والناخبين للتساؤل عن تأثير ذلك، وعما إذا كان موريسون سيجعل من تدينه جزءا من شخصيته السياسية أم لا؟ فقد سبق أن أعلن أن استراليا ليست دولة علمانية ولكنها دولة حرة يمتلك كل شخص فيها الحرية فى اتباع عقيدته الخاصة، وإن كان البعض الآخر يرى ان قناعاته الخاصة لن تؤثر فى قراراته فهو عادة ما يقدم الحسابات السياسية على أى شىء آخر.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق