على مدى نحو 35 عاما، حفلت مسيرة السيناتور الجمهورى جون ماكين السياسية بالعديد من المحطات، تلك التى أسهمت فى كونه واحدا من أبرز وأشهر السياسيين الأمريكيين فى العصر الحديث.
دخل ماكين مضمار العمل السياسى عام 1982 عندما تم انتخابه فى مجلس النواب عن ولاية أريزونا، وظل محتفظا بهذا المقعد لفترتين، ثم انتخب فى مجلس الشيوخ عام 1986، وأعيد انتخابه بسهولة 6 دورات.
فى عام 2000، حاول ماكين نيل ترشيح الحزب الجمهورى لانتخابات الرئاسة، لكنه خسر السباق فى النهاية أمام جورج بوش الإبن، ثم ضمن ماكين فى 2008 ترشيح الحزب فى السباق الرئاسى لمواجهة المرشح الديمقراطى باراك أوباما، لكنه خسر أمامه أيضا.
ورغم خسارته للسباق الرئاسى مرتين، ظل ماكين يشغل منصب رئيس لجنة الخدمات المسلحة فى مجلس الشيوخ، بل إنه وتقديرا لجهوده تم إطلاق اسمه على قانون ميزانية وزارة الدفاع.
وطوال مسيرته السياسية، عرف عن ماكين أسلوبه المباشر والصريح فى الحديث عن القضايا المختلفة، وهو ما أدخله فى عدة معارك كلامية، كان نادرا ما ينسحب منها بسهولة.
إلا أن أسلوبه المباشر أسهم أيضا فى تمتعه بشعبية فى أوساط منافسيه من الديمقراطيين، نظرا لآرائه الليبرالية إزاء بعض القضايا رغم كونه محافظا، إلى جانب انفتاحه على الرأى العام والصحافة.
وعمل السيناتور الجمهورى على عدة قضايا أبرزها تشديد القوانين المتعلقة بالتبغ وإصلاح نظام تمويل الحملات، كما كان منتقدا لأساليب الاستجواب القاسية مثل أسلوب محاكاة الغرق للمشتبه بهم فى أعمال إرهابية.
وصوت ماكين العام الماضى ضد استبدال قانون الرعاية الصحية المعروف باسم «أوباما كير»، ودخل فى معارك مع الرئيس الحالى دونالد ترامب الذى كان يدعم الاستبدال.
ويبدو أن ميله للمعارك قد اكتسبه من نشأته فى عائلة عسكرية لأب وجد حملا رتبة «أدميرال»، حيث التحق بالأكاديمية البحرية عام 1954، ثم خدم فى سلاح البحرية حتى عام 1981 .
وأمضى ماكين أكثر من 5 سنوات من عمره كأسير حرب بعد إسقاط طائرته خلال مهمة قتالية فوق فيتنام عام 1967، منها عامان فى الحبس الانفرادي، وتعرض مرارا للضرب والتعذيب مما ألحق به عاهة مستديمة.
ومن بين الأوسمة التى تقلدها ماكين 3 ميداليات النجمة البرونزية، ووسام القلب الأورجوانى مرتين، ووسام الاستحقاق مرتين، ووسام النجمة الفضية، وصليب الطيران المتميز.
وبفضل خبراته السياسية والعسكرية، كان ماكين واحدا من السياسيين الذين رسموا سياسة أمريكا فى الشرق الأوسط، حيث اعتبره الساسة الأمريكيون امتدادا للثعلب هنرى كيسينجر فى إدارة الملفات الخارجية.
واشتهر ماكين بتأييده قرار حرب العراق عام 2003، كما ساند فى عام 2007 قرار زيادة عدد القوات الأمريكية هناك.
ويذكر له العالم قوله فى 2005 إن «أمريكا والعراق والعالم كله أفضل بدون صدام حسين، وأن يكون فى السجن خير له من أن يكون فى السلطة».
كما يعتبر ماكين أحد مهندسى ما سمى بـ «ثورات الربيع العربي» التى قامت فى عدد من البلدان العربية، أبرزها مصر وليبيا وسوريا وتونس، وكان قد حث الرئيس الأسبق حسنى مبارك على التنحي، ودعا الولايات المتحدة إلى اتخاذ موقف مؤيد لـ «الثورات» فى المنطقة رغم مخاطر استحواذ حركات الإسلام السياسى على السلطة، كما كان من أقوى المؤيدين للتدخل العسكرى الغربى فى ليبيا فى عام 2011، قبل أن يتبنى موقفا شديد العدائية ضد مصر بعد ثورة 30 يونيو.
ويعتبر ماكين أيضا من أحد أسباب الحرب الدائرة حاليا فى سوريا، حيث دأب على المطالبة بأن تتدخل الولايات المتحدة عسكريا إلى جانب القوات المعارضة للحكومة السورية.
وزار ماكين فى مايو 2013 قوات المعارضة فى سوريا ودعا إلى تزويدها بالأسلحة الثقيلة ولإقامة منطقة حظر طيران تشمل كل الأراضى السورية.
.. رحل ماكين، الذى يعتبرونه فى أمريكا بطلا قوميا، ولكن سياساته المتشددة تجاه الشرق الأوسط ما زالت فى عقول كثيرين من بعده، ولها أيضا ضحاياها فى منطقة مليئة بالأزمات والحروب والإرهاب.
رابط دائم: