رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى أدب المرتحلة العربية

محمد هزاع

تتفق معظم الدراسات الأدبية على أن «أدب الرحلة» مصطلح يعنى كتابة الأديب عن رحلاته فى صورة أدبية. ويعتبر «أدب الرحلة» لون أدبى يمثل نمطا فنيا له دوافعه وبنيته ومقوماته وأهدافه التى قد تتجاوز الجانب المعرفى إلى جوانب التكوين والبناء الإبداعى ذاته، سواء على مستوى الحركة النثرية القديمة أو الشعر العربى.

حول هذا الموضوع صدر كتاب د. بهاء حسب الله بآداب جامعة حلوان «بنية السرد وموقع السارد... فى أدب المرتحلة العربية» وفيه يشير إلى أن أدب الرحلة قديم قدم تاريخ الأدب العربى ذاته، حيث تنطلق الرحلات اعتبارا من القرن السادس إلى آفاق أرحب وشعب أوسع، فلم تتوقف عند حد الرحلات الحجازية والحجية، ولكنها تزايدت وتضاعفت لتشمل الرحلات الرسمية والدراسية والاكتشافية والسياسية والجغرافية وغيرها، ولا تقف حدود الرحلة عند العرب عن الرحالة أنفسهم أمثال ابن جبير وابن بطوطة وابن ماجد وغيرهم، ولكن نجد دوائر الرحلة تتسع لتشمل أدباء من تلك الفترة، وعلى رأسهم الشاعر المصرى «ابن قلاقس الإسكندرى» الذى قضى عمره مرتحلا برا وبحرا، وغيره نجد عشرات الأسماء فى تاريخ الأدب العربى الوسيط، ونحن ننظر إلى أدب الرحلات باعتباره نصا أدبيا تحركه الدوافع والبواعث ونثرية تنوع اتجاهات العمل ذاته، فالباعث المحرك وراء إبداع بنت الشاطئ لرحلتها إلى الأرض الحجازية هو الشوق لزيارة أرض المبعث وزيارة مثوى المصطفى «صلى الله عليه وسلم» إنما هو باعث تحركه رغبة حميمة لهذه الزيارة، وهو يعبر عن اللحظة الحافزة للرحلة، والتى تعمدت المبدعة فيها إلى ترصع نصها بسرد الحافز الذى دفعها للخروج إلى الزيارة من أجل إطفاء شوق نفسها الحالمة.

والباعث عند نعمات أحمد فؤاد هو باعث تأملى نقدى من خلال رحلة سياحية إلى شطآن أوروبية مختلفة تتقلب فيها المبدعة بوعى تأملى أتقنت فنية الوصف لتفاصيل رحلتها مما يجعل هناك وجها آخر للرحلة، وهو الوصف المجرد «الوصف التجريدى» وهو باعث آخر يتناسب مع طبيعة هذا اللون من الأدب... والباعث عند غادة السمان كان إجترار ذكرى رحلة طويلة وضعتنا أمام باعث جديد يدور حول محور النفس وصراعاتها، خاصة أنها تمثل ذاتا عربية عاشت صدمة كبرى تمثلت فى السقوط العربى الكبير والمهين فى ثوراته المتوالية التى أفضت فى النهاية إلى منظومة مترابطة من عناقيد الفشل والضياع والانكسار.. وأهم ما يميز الإبداع السردى لمبدعات البعثات الدراسية فى الخارج أنهن يتخلين عن دور «السارد» أو «الراوى» باعتبار أنهن يعايشن الحدث بمدته الطويلة، ويصبحن من الشخصيات الأصيلة التى تؤسس عالم هذه الحكايات المتنوعة.

وتتعدد وتتباين اتجاهات كاتبات «البعثات العلمية» عن غيرهن من كاتبات أدب الرحلة بصفة العموم، وذلك لطول مدة إقامتهن فى بلاد البعثة ولتكاتف حركة الحدث فى تجربتهن الجديدة.

ويذهب الكاتب إلى أن الذات النسائية فى غمرة الرحلة تتعرض لرؤى ومواقف متباينة حسبما تقتضى ظروف الرحلة واتجاهاتها، خاصة فيما يمثل شعور الصدمة الذى يظهر مع اللحظة الأولى للوافدة العربية إلى بلدان الغرب والشرق، ذلك الشعور الذى يتماهى حين تطأ فيها المبدعة العربية أو الكاتبة العربية بقدمها بلاد «الآخر» فيكون أول رد فعل سردى وكتابى لدى المبدعة هو التقاط اللا مألوف والغريب فى نطاق المشاهد سواء رؤية أو سماعا، والحنين إلى الوطن والشوق إليه فى ثنايا الرحلة كان سمة موضوعية من سمات تكوين البنية السردية عند الكاتبات العربيات.. وفى كثير من كتابات المرتحلات العربيات ظهر اهتمام بقراءة الوجهة التاريخية لبعض البلدان التى ارتحلن إليها، وسرد أسرارها وتفاصيلها.

وفى رأى الكاتب عن بنية اللغة فى أدب المرتحلات العربيات أنها وعاء للعمل الأدبى بكل مستوياته وفنونه وأنواعه، وهى الأداة الرئيسية للأديب والمبدع فى تشكيل مناخه الإبداعى ورؤيته الذهنية وتصوره المجازى لسياقه الأدبى المتوقع على المستويين الموضوعى والفنى، كما يشير إلى بروز النزعة القصصية فى «أدب الرحلات» لدى المرتحلة العربية، كون فن الرحلات يتوازى وبنية القصة فى خطوط متشابهة على المستويين الموضوع وبنية السرد ذاتها لوجود المنزع القصص فى أدب الرحلة، وفى البنية القصصية، وهو أمر تفرضه طبيعة الرحلة، وما يتخللها من حوادث ومواقف تستحث الرحالة على التسجيل، وصياغة هذه الحوادث فى أسلوب قصصى يعتمد الإثارة والتشويق فى كثير من الأحيان، وأن وجود الصورة الجميلة تؤكد غنى النثر الأدبى وقدرته على توظيفها توظيفا مؤثرا فى سياق العمل الأدبى، وهذا يتطلب من الرحالة قدرا كبيرا على توظيف خياله فى صياغة المشاهد، لا تبتعد بها عن الواقع بقدر ما تمنحه من شحنات خيالية ذاتية.

ويظل «أدب الرحلة» من أكثر الفنون الأدبية المعاصرة تشويقا وجذبا وتأثيرا على كل المستويات السردية. استطاع الكاتب أن يقدم رصدا لملامح هذا الفن وخصوصيته الإبداعية من خلال الرؤية النسائية المبدعة والدقيقة للعشرات من المبدعات المصريات والعربيات المعاصرات.

وقد لمس د.حسب الله قضية مهمة تتصل بالجانبين الموضوعى والفنى على وتيرة واحدة وهى الحس الإسلامى فى كتابات المرتحلة العربية، خاصة وأن كثيرا من الرحلات كان مبعثها الحقيقى هو زيارة الأراضى المباركة، كما وقف أمام لمحة من اللمحات الفنية فى أدب المرتحلة العربية، وهى لمحة النزعة القصصية، والتى تسير بشكل متواز مع فنون السرد الرحلى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق