وسط مُتغيرات وصعوبات الحياة المختلفة التى قد نفقد معها الكثير من الطموح والأحلام نحتاج دائماً لتذكر بعض الرموز التى بمجرد أن يعانق تاريخها عقولنا تمنحنا طاقة الاستمرار والتميز..
من بين تلك الرموز رائدة النهضة الأدبية العربية؛ الكاتبة والمترجمة والروائية والناشطة والقيادية عنبرة سلام الخالدى.
ولدت عنبرة فى بيروت عام 1897 لعائلة محافظة، كان والدها سياسياً متقدماً، ووالدتها سيدة متعلمة من عائلة عريقة، تلقت علومها الأساسية فى مدارس أهلية وأخرى أجنبية منها مدرسة مار يوسف، وبعد أن أنهت تعليمها الابتدائى فى مدارس بيروت، تتلمذت على يد السيدة جوليا طعمة دمشقية؛ وهى من رائدات النهضة النسائية الأولى فى البلاد العربية فى التربية والاجتماع والصحافة، وقد كان لها أثر كبير فى تكوين عقل عنبرة المثقف الواعي، عندما وقعت الحرب العالمية الأولى أصبحت كل أنواع دراسة عنبرة داخل المنزل، وقتها سعى والدها فى إيجاد الأساتذة لتعليمها، فتلقت دراستها على يد اللغوى الكبير الشيخ عبد الله البستانى واثنتين من المعلمات الفرنسيات، والأديبة المعروفة سلمى صائغ وغيرهم.
سافرت عنبرة بعد ذلك إلى إنجلترا عام 1925 لمشاهدة معالمها العمرانية والثقافية، وظلت عامين لدراسة اللغة الإنجليزية والآداب، فكانت لهذه الرحلة أبلغ الأثر فى نضوج ثقافتها التى عادت بها بعد ذلك للوطن لتقود النهضة الأدبية النسائية، فى عام 1929 تزوجت من أحمد سامح الخالدى مدير الكلية العربية، حيث سافرت معه إلى القدس، وفى عام 1948 هاجرت معه من القدس إلى لبنان، وقد ظلت تسانده فى نشاطاته التربوية والثقافية حتى توفى عام 1951، لقد انتقلت عنبرة بزواجها إلى محيط علمى ثقافى اتسعت فيه مداركها، مما ساعدها على المشاركة فى أعمال بعض الجمعيات، وإلقاء المحاضرات ونشر المقالات، وعندما أنشئت دار الإذاعة فى القدس سنة 1935 كانت هى أول سيدة تدعى لافتتاح الحديث النسائى فيها.
كان لعنبرة أثر كبير فى التعبير عن المرأة العربية فى عصرها، حيث أسست عام 1914 مع رفيقاتها جمعية «يقظة الفتاة العربية» وهى أول جمعية للفتيات المسلمات فى العالم العربي، حيث كانت تقوم بالأعمال الخيرية بجانب إنشاء مدارس جديدة وإقامة حفلات شعرية وندوات ثقافية، كما أصدرت عنبرة فى السبعينيات كتاباً بعنوان «جولة فى الذكريات بين لبنان وفلسطين» وكانت أول مُذكرات عن المرأة الفلسطينية، وقامت بترجمة إحدى روائع الأدب الغربى الكلاسيكى الشهير «الإلياذة» إلى اللغة العربية، وكتب لها طه حسين المقدمة، وبعدها ترجمت «الأوديسة» و«ملحمة الأنيادة الشعرية» وهذه لا تزال مخطوطة.
توفيت عنبرة الخالدى بعد رحلة طويلة من الثقافة والأدب عام 1986، وها نحن نحتفى هذه الأيام بذكرى مرور 121 عاما على ميلادها الذى سيظل دائماً موعد ميلاد أحد أهم الرموز النسائية العربية التى قادتنا لحياة أدبية وثقافية لم نكن نعرفها من دونها.
رابط دائم: