رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أهمية توثيق التراث الثقافى غير المادى عالميا

د . ليلى عبد العال أستاذ اللغويات بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ

قال الرئيس ماكرون إن الخبز الفرنسى الطويل أصبح موضع حسد العالم أجمع، وإن التميز والخبرة يجب الحفاظ عليهما، ولهذا ينبغى أن يدرج فى قائمة التراث الإنسانى.

جاء ذلك خلال لقائه مجموعة من الخبازين فى محاولة لدعم جهودهم للتقدم بطلب رسمى إلى لجنة الحفاظ على التراث الثقافى غير المادى بمنظمة اليونسكو، وتعنى هذه اللجنة بحفظ وصيانة الإرث التراثى المهدد بالاندثار فى المجتمعات، وذلك لما يمثله هذا الإرث من أهمية كبرى باعتباره بوتقة انصهرت فيها كنوز المجتمع الثقافية والحضارية وتعكس رؤية كل مجتمع للعالم، وتتجلى الموروثات الشعبية فى الأزياء والموسيقى واللغات واللهجات والأدب الشفهى والطبخ والرقص والأثاث وطقوس الزواج والأعياد والرياضة وكافة الأشكال الثقافية المميزة لمجتمع من المجتمعات.وقد أدرجت اليونسكو العديد منها فى عدة بلدان منها التحطيب والرقص بالعصا والسيرة الهلالية فى مصر، ورياضة الصيد بالصقور فى الخليج واليوجا فى الهند ومؤخرا لغة الصفير فى المناطق الجبلية بالقرب من بحر قزوين بتركيا.

وتزخر محافظة كفر الشيخ على امتدادها بالعديد من الكنوز الثقافية المادية، وذلك من خلال المواقع الأثرية على مر العصور من «إبطو» عاصمة مملكة الشمال، و«سخا» عاصمة المملكة فى العصر البطلمى والأكوام الأثرية الكثيرة فى كافة أرجاء المحافظة، مرورا بآثار«فوه» الإسلامية حتى الآثار الحديثة مثل طابية عرابى وفنار «البرلس» وقصر الملك فؤاد وغيرها، غير أن المحافظة تزخر أيضا بالعديد من الكنوز الثقافية غير المادية التى ينبغى الحفاظ عليها والعمل من أجل إدراجها على خريطة التراث غير المادى العالى، لاسيما وأن ثمة اتجاها عالميا متناميا للاحتفاء بالتعددية والخصوصية الثقافية فى كافة أشكالها، رغم طوفان العولمة المدمر الذى كاد يطمس هذه الخصوصية، ويتصدر قائمة هذا التراث الكنوز التالية:

اللهجات مستودع تاريخ الشعوب

تتميز المحافظة بثراء لهجى قلما نجده فى إقليم واحد، ففى دراسة قمت بها فى هذا الشأن تبين وجود خمس مناطق لهجية فى كفر الشيخ: فى الشمال والشرق والغرب والجنوب والوسط، والمحافظة على اللهجات من الاندثار بفعل العولمة الثقافية له أهمية كبرى، ذلك أنها تمثل مستودع تاريخ الشعوب وحضارتها وتجربتها الإنسانية بما يعكس الخصوصية الثقافية فى أعمق وأوسع أشكالها، ولابد أن أذكر فى هذا الصدد الجهود الجبارة التى بذلها عالما اللهجات Manfred Woidich و Peter Behnstedt اللذان جابا ربوع مصر ومنها كفر الشيخ منذ ما يقرب من نصف قرن لتدوين هذه اللهجات يدويا فى ذلك الوقت وعملا أطلسا لها شمل آلاف الخرائط، هذا الكنز مودع فى المركز الثقافى الهولندى الفلمنكى بالزمالك وهو متاح للباحثين والجمهور، واليوم نجد أن التوثيق الرقمى بات حتميا من أجل عمل أطلس رقمى لهذه اللهجات يشارك فيه الجميع أفرادا ومؤسسات بحيث يتم عمل أرشيف الكترونى سمعى صوتى يشمل عينة من اللهجات المتحدثة فى كل قرية من قرى المحافظة ويتاح للجمهور الإضافة له والتعليق على محتواه بالشرح والمناقشة، والتعريف به لدى الأطفال ونشر الوعى بأهميته، وعمل مكانز لكل لهجة، والقيام بإجراء البحوث العلمية المتنوعة عليها باعتبار اللهجات بمثابة كلمة المرور إلى فهم واكتشاف المجتمعات.

الأدب الشفهى : ويشمل القصص والحكايات والرقى والأدعية ونداءات الباعة والألغاز والغناء الشعبى والأمثال الشعبية التى يرويها كبار السن، ويتمثل الحفاظ عليها فى تسجيل مقابلات معهم، وذلك عبر باحثين ومتطوعين وتوثيق ذلك وتناوله بالبحث والدراسة. وتمثل الساحة الثقافية لمسجد إبراهيم الدسوقى بمدينة دسوق بكفر الشيخ وهو أحد أكبر المساجد فى مصر حيث يزوره الملايين كل عام كنزا ثقافيا، حيث يقام بالساحة العديد من الفعاليات منها تلاوة القرآن الكريم والتواشيح والابتهالات الدينية، وحلقات الذكر والصوفية والرقصات والنذور وحلوى المولد وغيرها. ونذكر بأنه قد تم بالفعل تسجيل عدة ساحات ثقافية للعديد من المساجد والكنائس فى العالم مثل المغرب والجزائر وغيرهما.

وتتميز محافظة كفر الشيخ بإنتاج أنواع من الخبز تصل فى بعض المناطق إلى عشرين نوعا، والأطعمة التقليدية ليست أقل ثراء من الخبز الفرنسى الطويل وبيتزا مدينة جنوة الإيطالية التى تم بالفعل تسجيلها على قائمة التراث غير المادى العالمى.

صناعة السجاد والجوبلان والكليم

تعد مدينة «فوه» معقلا تاريخيا لصناعة السجاد اليدوى والكليم والجوبلان حيث ضمت بين جنباتها المئات من الورش والمصانع الصغيرة، وكان إنتاج المدينة يصدر إلى الخارج نظرا لتميزه وجودته. وهذه الصناعة التراثية مهددة أيضا بالاندثار نظرا لارتفاع التكلفة والتنافس غير المتكافئ مع المنتجات المستوردة وغير اليدوية وانصراف الناس عنها، وغير ذلك من المعوقات، ولابد من إنعاش هذه الصناعة والحرف المرتبطة بها، وتشجيع الحرفيين والمساعدة فى التسويق داخليا وخارجيا وتعليمها للأجيال الجديدة وتوعية المجتمع بأهميتها.

كما يمثل الزى التقليدى أحد أهم رموز ثقافة المجتمعات، ذلك أنه يعكس الإرث الحضارى لها ويكشف عن التناغم الكبير بين الزى والأنشطة الحياتية لكل مجتمع وكل فئة من فئاته.

والمحافظة على هذا الإرث لا يكمن فقط فى الحفظ داخل متاحف، بل فى الحرص على ارتدائها كلما كان ذلك ممكنا، والمحافظة تعج شأنها شأن باقى المحافظات على امتداد وطننا بالعديد من كنوز التراث العالمى غير المادى مثل العادات والتقاليد وتتمثل فى طقوس الزواج والاحتفال بالأعياد والجلسات العرفية وعادات السفر وغيرها، بالإضافة إلى المعتقدات والمعارف الشعبية وهى بحاجة إلى اتخاذ خطوات جادة لتقديم هذا الإرث للعالم، فليتسابق الجميع أفرادا ومؤسسات وخصوصا المؤسسات التعليمية والبحثية والثقافية والمجتمع المدنى من أجل إتمام هذه المهمة القومية والإنسانية لأنه فى الحفاظ على التراث حفاظ على حقوق الإنسان فى صون واحترام ثقافته وهويته.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق