رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«مسافر ليل».. قطار الزمن يبحر فى شاعرية صلاح عبدالصبور

باسم صادق
مشهد من عرض مسافر ليل إخراج محمود فؤاد [تصوير - السيد عبدالقادر]

بدا الشاعر والمسرحى الكبير صلاح عبدالصبور حاضرا بقوة هذا الأسبوع خلال احتفاء المسرحيين بذكرى رحيله فى ذلك القطار الخشبى الذى بناه المخرج الواعد محمود فؤاد صدقى خصيصا فى ساحة مسرح الهناجر لتقديم عرضه «مسافر ليل» بتصميم سينوغرافى بديع ينفذ بدقة وصف الكاتب لمنظره فى سطر واحد قال فيه «عربة قطار تندفع فى طريقها على صوت موسيقاها».. ليصحبنا فى رحلة شاعرية محطاتها الزمن وأبطالها القاهر والمقهور من أوراق التاريخ..

والحقيقة أن فكرة الشاعرية هذه اعترف الكاتب ذاته بحيرته تجاهها خلال كتابته للنص، خاصة وأنه أراد نصه من نوعية الكوميديا السوداء فهل يحقق الشعر ذلك على لسان شخوص كعامل التذاكر والراكب المغلوب على أمره؟ وإذا كان صلاح عبدالصبور قد كشف حرصه على تحقيق شاعرية الحالة قبل شاعرية الأداء أو بمعنى أدق ألا يكتب شعرا يمشى على المسرح، فإن المخرج قد جمع الحسنيين فى رؤيته لهذا النص، وساعده فى ذلك تشبع ممثليه بكلمات الحوار العميقة وما بين السطور من معانى القهر والطغيان، فقدموا أداءً شاعريا كوميديا متناغما بامتياز يجعلك ترى بين وجوه ركاب القطار صلاح عبدالصبور جالسا يصفق بحرارة إعجابا بهم، فمنذ أن انطلقت الرحلة بكلمات الراوى المتورط فى الأحداث رغم ما يبديه من حيادية، تجد نفسك متعاطفا مع ذلك الراكب البسيط الذى جسده مصطفى حمزة بأداء سهل ممتنع يدفعك للتعاطف معه طول الوقت، مستغلا ملامحه الشرقية الأصيلة ومستخدما انفعالات وجهه لإبداء البلاهة مرة والدهشة مرة والذعر مرات ومرات أمام هذا الطاغية الذى يخرج من عباءة عامل التذاكر لعباءات دكتاتورية قتلت البسطاء بشتى أدوات القتل بكل سلاسة، ولم ينس علاء قوقة أن يغلفها بأداء كوميدى فى أشد لحظات الجدية وهو ما كان يتمناه المؤلف، حتى إنه يفجر ضحكات جمهور الركاب يأسا من تفصيلة لغوية لم يذكرها النص حينما يقسم الراكب قائلا «أقسم أني» فيرد عليه العامل قائلا «أقسم إني» بكسر الهمزة، وهى إحدى الحليات الأدائية التى ألقاها بوعى ليخرج المتلقى من انغماسه فى الأحداث بهدف التفكير فيما يحدث مستغلا مدرسة كسر الإيهام، فيضحك الجميع رغم إدراكهم لمصير الراكب المحتوم بالقتل على يد هذا الطاغية.. بينما لعب جهاد أبو العينين شخصية الراوى كما تمناها الكاتب متجاوزا الهدف من دور الراوى كمعلق وموضح ومشير لما يحدث إلى كونه جلادا وضحية يستخدمه الطاغية فى حمل جثة الراكب المقتول فيصير ضحية ايضا بتورطه فى الجريمة ولا أخفى اندهاشى من منح لجنة تحكيم المهرجان القومى للمسرح للمخرج شهادة تقدير على إتقان اللغة العربية فى عرضه، رغم أنه شيء بديهي، فالفنانان علاء قوقة وجهاد ابوالعينين استاذان بقسم التمثيل والإخراج فى المعهد العالى للفنون المسرحية، أى أن طبيعة عملهما بالأساس تفرض عليهما تعليم طلاب التمثيل حرفية الأداء وبلغة عربية سليمة طوال سنوات الدراسة، ولو لم تأت الفصحى سليمة تماما فى عرض مسافر ليل لقلنا على المعهد السلام.

لذلك فإن المخرج الشاب يستحق عن جدارة جائزة أفضل مخرج صاعد أو على الأقل أفضل سينوغرافيا، خاصة مع تكامل أدوات هذا العنصر، بما أضافه ايضا أبوبكر الشريف من تعبير بإضاءة تخدم أجواء الرحلة الليلية الغامضة، وإن كنت أتمنى أن تكتمل تلك السيمفونية الأدائية بتمايل الممثلين خلال حوارهم تحقيقا لفكرة عدم استقرار الجسد بسبب حركة اهتزاز القطار طول الرحلة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق