«جى دى موباسان» أحد أشهر الأدباء في تاريخ فرنسا الحديث وأحد آباء القصة القصيرة، وأحد أشهر رواد المذهب الطبيعى فى الكتابة، وقد تتلمذ على يد بعض كتاب الواقعية مثل فلوبيير وزولا.
ظهر المذهب الواقعى فى الأدب منتصف القرن التاسع عشر بعد أن بالغ الأدباء الرومانسيون فى أعمال الخيال بقصائدهم وقصصهم، مما دعا رواد الواقعية إلى أن يحذوا حذو علماء العلوم التجريبية فى ملاحظة الطبيعة ووصفها وصفا دقيقا.
ولد موباسان بمقاطعة نورمانديا، بريف فرنسا عام 0581، ولم يحصل وقتها سوى على شهادته الثانوية، لكنه كان شابا شغوفا بالقراءة، نشبت الحرب بين ألمانيا وفرنسا، عام 0781، فتطوع للدفاع عن بلاده، وشاهد بالحرب ما ساعده على تكوين مخزون ثري للذكريات، أخرجه فيما بعد فى قصصه، وخاصة قصته الرائعة التى أدخلته من الباب الذهبى لحياته الأدبية «كتلة الشحم».
كانت كل أقاصيصه عبارة عن «تابلوهات» حية لأشخاص بسطاء، أو حتى أغنياء، لكنه كان يعتنى جيدا بكشف مكنونات صدور شخصياته فى قصصه، فقد لا يستطيع القارئ أن يقرأ له قصتين متتاليتين فى ليلة واحدة، من فرط ما يلقيه فى عباراته من صدق ودقة وصف التجربة الإنسانية، التى يعرضها، حيث يجب أن يكون هناك فاصل زمني يرتاح فيه خيال القارئ من تفاصيل وأحداث القصة التى انتهى للتو من قراءتها.
فدهشة اختلاف كل تجربة عن الأخرى، وصدق التصوير، وتفرد حكاية كل قصة، هو ما يميز كتاباته ويجعلها حية دائما فى خيال من يقرؤها، فأبطال قصصه أشخاص عاديون، لكن حكاياتهم غير عادية، فمثلا إذا بدأنا بقصته التى كانت مدخله إلى عالم الأدب «كتلة الشحم» سنجده يصور فيها أخلاق عينة من المجتمع الفرنسى إبان الحرب مع ألمانيا، وتغلغل قيم الأنانية، وتفضيل المصلحة الشخصية بشكل مقيت، حتى تجاه من قد يساعدون الآخرين، فيحكى عن مجموعة من الأشخاص قرروا السفر لمدينة غير مدينتهم التى تعرضت للتخريب على يد الجنود الألمان، فاستأجروا عربة تجرها ستة خيول، تعبر السهول فى جو قارس البرودة، وكان عددهم كبيرا، ولم يعملوا حسابا لاحتياجهم للطعام فى الجو البارد، ولم يكن أحد يحمل سلة طعام كبيرة جدا، تحوى العديد من ألوان الطعام، سوى امرأة جميلة لكنها كانت معروفة فى البلدة بأنها تعيش من عائد سمعتها السيئة ببيع جسدها لمن يريد، وكانت لفرط بدانتها يطلقون عليها رغم جمالها «كتلة الشحم»، ولما قرصهم الجوع، اضطر الجميع لقبول دعوتها للطعام، فأكلوا وشبعوا حتى الراهبتان، أكلتا من طعامها على استحياء، وبهذا فقد أنقذتهم من الجوع والتعرض للإغماء فى البرد الشديد.
ولما وصلت العربة التى تقل الجميع لإحدى نقاط التفتيش، ونزل الجميع للراحة بإحد الفنادق الصغيرة، طلب الضابط الألمانى أن يحظى بـ«كتلة الشحم»، وإلا لن يمررهم للبلدة التى يريدون التوجه إليها، فرفضت المرأة أولا، لشعورها بأنها بهذا ستقدم شيئا لجندى يحتل وطنها وهى تكره هذا، لكن رفقاءها فى الرحلة ألحوا عليها، وذكروا لها بأنها ستضحى من أجلهم جميعا، وبذلك تكون قد أنقذتهم للمرة الثانية، وتحت ضغطهم قبلت المرأة، لكنهم بعد أن حصلوا على أوراق مرورهم، وبدأوا ركوب العربة للتوجه للمدينة التى يقصدونها، بدأوا ينظرون إلى «كتلة الشحم» باحتقار شديد، ويوجهون لها بعض عبارات الاستنكار، وبدأوا يأكلون من الطعام الذى أحضروه معهم، ولم يفكر أحد فى أن يقدم لها الطعام كما قدمته هى لهم من قبل، وهى التى لم تحضر لنفسها هذه المرة كسرة خبز صغيرة، وهنا بدأت المرأة تبكى جحودهم فى هدوء دون أن يلتفت لها أحد.
ومن أجمل قصصه أيضا «برتا»، «العقد»، «خادمة المزرعة»، و«أين أبوك»، هكذا كانت صور موباسان فى أقاصيصه يصور المشاعر الإنسانية دون تجميل، حتى ليصدم القارئ من فرط صدقها.
توفى وهو فى الثالثة والأربعين بعد أن تعرض لمرض شديد بالرأس كان يسبب له آلاما شديدة، لكنه عاش حياة زاخرة بالمجد الأدبى والمال والشهرة رغم قصرها.
رابط دائم: