رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة- يكتبه: أحـمد البــرى..
الضمير الميّت!

بريد;

كم فى الدنيا من عجائب وغرائب بعض البشر، إذ تعتقد عندما تقابلهم لأول وهلة أنهم أهل للثقة والراحة والسكينة، ولكن الأيام تثبت عكس ما تصورته، وربما تجدهم أشد قسوة من الخيال، فأنا سيدة أقترب من سن الخمسين، نشأت فى أسرة متحابة، ومترابطة لأبوين كرسا حياتهما لتربيتنا، وقد تزوّج أخوتى بعد إتمام تعليمهم، وهاجروا إلى الخارج، وبقيت أنا وشقيق لى فى مصر، وبعد تخرجنا فى الجامعة التحق هو بوظيفة كبرى فى إحدى الجهات، أما أنا فتنقلت بين أكثر من وظيفة، واستقررت فى هيئة حكومية، وتعرفت خلال عملى على زميل، حاول التقرب لى كثيرا، ولكنى لم أعره اهتماما، فطوال دراستى لم ألتفت إلى العلاقات العاطفية التى تنشأ عادة بين زملاء الجامعة، وكنت دائما على يقين بأن نصيبى فى الدنيا سيأتينى فى الوقت المناسب، وتحريت أن أكون على بيّنة من أمر زوج المستقبل، وكل ما يخص أسرته من مختلف الجوانب، وبعد تدخل عدد من زملائنا، منحت نفسى فرصة للتعرف عليه، وحدّثنى وقتها عن أوضاع أسرته، قائلا إنه نشأ مع أبيه وأخوته، وإنه لا يعرف عن والدته شيئا، إذ حدثت فى صغره خلافات بينها وبين أبيه، فأخذه هو وأشقاءه إلى سكن آخر لا تعرف زوجته عنه شيئا، ثم طلقها وتزوّج بأخرى، وأنجب منها أخوة له، وأعجبتنى صراحته، فطلبت منه أن يبحث عن أمه ليجتمع شمل العائلة، وأثنت أسرتى على موقفى، وراق له كلامى، فسأل المعارف عن مكانها، وبذل جهدا مضنيا حتى وصل بالفعل إليها، وكان موقفه رائعا، مما جعلنى أتعلق به، وأحبه، وأتممنا زواجنا.

ومرت الأيام على ما يرام، وأنا سعيدة به، وبحياتى الجديدة، وأنجبت ولدا جميلا ملأ علىّ حياتى، وتزوّج شقيقى من إنسانة فاضلة، وتتابعت الأحداث فرحل والداى عن الحياة، ووضعت كل اهتمامى فى بيتى، وشيئا فشيئا لاحظت تغيرات طارئة على زوجى، إذ أصبح كثير الخروج لأسباب واهية، وتكرر غيابه عن المنزل بحجة السفر فى مهام لعمله، وكلما سألت عنه زملاؤه بعد سفره أجده غير صادق فى كلامه، وأنه غاب عن المنزل إلى مكان لا أعلمه، وفى كل مرة كنت أتغاضى عن كذبه إلى أن جاء يوم لم أتحمل فيه ممارساته الغامضة، إذ قال لى إنه سوف يسافر إلى الخارج للعمل، وإنه أخذ إجازة بدون راتب، ورفض أن يأخذنا معه، ومضى فى طريقه إلى المطار، وأنا أضرب كفا بكف، واختفى بعد ذلك تماما، وبدا لى أنه يكرر تجربة أبيه مع أمه، وسارعت إلى شقيقى، وشرحت له ما حدث، فهدّأ من روعى، ولم تتركنى زوجته لحظة واحدة، فصارت أختا لى أبثها همومى، وأستأنس برأيها، وأصبح ابنى فى رعاية خاله، فهو «أبوه» الذى رباه، وصار يناديه بـ «بابا»، حيث إنه لم ير أباه الذى يحمل اسمه، ولا يعرف له أبا سوى «خاله»، وفى ظل هذا الوضع لم يكن ممكنا أن أظل على ذمة هذا الشخص الذى لم يقدر موافقتى عليه، برغم تحفظات أهلى، ولولا طيبتهم وصدق سريرتهم ما استجابوا لى بالزواج منه، فلقد أصررت على الطلاق، ولجأت إلى المحكمة التى أنصفتنى، ولم أبغ من الانفصال عنه الزواج بآخر، فهذا أمر لم يطرأ لى على بال، وأرفض مجرد التفكير فيه.

واستقلت من عملى، وتولى شقيقى رعايتنا من الألف إلى الياء، فكل كبيرة وصغيرة تخص ابنى وفّرها له، وألحقه بمدرسة لغات، ثم بكلية مرموقة، وصرف عليه أموالا طائلة.. كل هذا ونحن لا نعلم عن أبيه شيئا، كما أننى لم ألتق بأحد من أسرته سوى أخته الكبرى التى تتصل بى من حين إلى آخر، وهى بالطبع تفضى إليه بما تعرفه عنا، لكنه لم يسأل عن ابنه، ولم يرسل إليه مليما واحدا، ولم يساو بينه، وبين أبنائه من زوجته الثانية، وكنت كلما أثرت هذه المسألة، يربّت شقيقى على كتفى، ويقول لى «ابنك هو ابنى»، فأنخرط فى بكاء مرير، وأدعو الله أن ينعم عليه بالاطمئنان وراحة البال، وقد أنجب بنتين رائعتين، فصارتا أختين لابنى، وقد فعل أخى ما لا يمكن أن يفعله غيره، إذ كتب وصية فى جهة عمله بأن توزع مستحقاته فى حالة الوفاة بواقع الثلث لكل من البنتين، والثلث الثالث مناصفة بينى أنا وابنى.. نعم هذا ما حدث، وحاولت إثناءه عن تفكيره، لكنه نفّذ ما أراد، وفى يوم تخرج ابنى فى الجامعة أقام له حفلا كبيرا، دعا إليه الأهل والأصدقاء، ولم يأت بالطبع أحد من عائلة ابنى، وانسابت الدموع من عينىّ، وأنا أرى شقيقى يحتضن ابنى الذى عرّفه لزملائه بـ «بابا»، ومر بخيالى شريط الذكريات المؤلمة لمشوار حياتى، وسرعان ما استعذت بالله من الشيطان الرجيم، وفى اليوم التالى للتخرج، طلب شقيقى من ابنى أن يجهز أوراقه لكى يقدمها إلى جهة مهمة للعمل فيها، وبالفعل اجتاز ابنى اختباراتها، وفرحنا به، وعرفت الراحة والاستقرار بعد سنوات طويلة من العذاب، وأصبحت أترقب وصوله كل يوم من عمله، وقد أعددت له الطعام ورتبت له حجرته، أما علاقتى بأسرة شقيقى فهى يومية، فإما أن نكون فى زيارتهم، وإما أن يكونوا فى زيارتنا، وعرضت على إبنى أن نخطب له فتاة من معارفنا، لكنه طلب إرجاء التفكير فى الزواج إلى أن تستتب أحواله فى العمل، وأن تتاح له فرصة اختيار الأنسب له عن قرب.

لقد كانت الأمور تسير هادئة، وليس فيها ما يعكر صفو الحياة، وفجأة هبت علينا الأعاصير من حيث لا ندرى، فلقد أصيب شقيقى بأزمة قلبية، واتصلت بى زوجته، فأسرعت أنا وابنى إليهم، ونقلناه إلى مستشفى كبير، وتبين أنه لابد من خضوعه لجراحة عاجلة، وطلبوا متبرعا بالدم، فتبرع ابنى له، وظللنا خارج غرفة العمليات إلى أن أجريت له الجراحة، وبعدها نقلوه إلى العناية المركزة، وكانت إرادة الله فوق كل شىء، إذ رحل شقيقى عن الحياة، ومات السند الوحيد لنا، وساءت حالة ابنى، فصار يبكيه ليلا ونهارا، ولم يعد لنا حديث مع أرملته وابنتيه سوى عنه، وتغير ابنى تماما، ووجدته يسألنى ذات يوم: «حتعملى إيه يا ماما لو سافرت»، فرددت عليه «أنا معاك»، فقال: «مش عايزك تزعلى»، فكررت عليه ردى «انت ابنى وماليش فى الدنيا غيرك»، وحاولت تغيير مجرى الحديث، وذهبت إلى المطبخ لإعداد بعض المشروبات، ولما عدت إليه وجدته مستلقيا على الأريكة فى الصالة، فظننت أن النوم غلبه، وحاولت إيقاظه، لكنى وجدته بلا حراك، فاستدعيت طبيبا قريبا منا، فجاء على عجل، ومن النظرة الأولى عليه، قال: «البقاء لله»، فلم أدر بنفسى ونقلونى إلى المستشفى، وأنا غائبة عن الوعى، وجاءتنى أرملة أخى وابنتاها، وظللن بجوارى، ولم يتركننى لحظة واحدة، وعرض علينا أحد معارفنا أن يساعدنا فى الحصول على مستحقات ابنى وأخى، ومع أول خطوة فى الإجراءات، عرفنا أن والد ابنى، استخرج له شهادة وفاة، وتسلّم مصاريف الجنازة!، والأدهى من ذلك أنه طالب بحقه فيما آل إلى ابنى من وصية خاله رحمه الله، باعتبار أنه رحل وابنى كان وقتها على قيد الحياة.. هكذا تقول اللوائح المعمول بها.. ولك أن تتخيل أن تصل قسوة إنسان وجبروته إلى هذا الحد.. فهو يملك المال الوفير، ولم يصرف على ابنه طول حياته، ومع ذلك أخذ مصاريف جنازته، ثم يريد أن يأخذ مال بنتين «قصّر»، وأرملة موجودة الآن بالمستشفى فى انتظار جراحة خطيرة.. لقد قالت لى أخته أنه سيأخذ نصيبه رغما عن الجميع، ولا أدرى ما الذى يمكن أن أصنعه مع هذا الشخص الذى لا ضمير له، ولا قلب، ولم يقدر ما فعله أخى من أجل ابنه، ولم يكفه ما حدث لى من جراح لكى يقضى على البقية الباقية من قواى.. إن الدموع لا تفارق عينىّ، والتفكير يقتلنى فى اليوم مائة مرة، وأقضى يومى كله فى المقابر، وأتحسر على حالى، وحال أرملة شقيقى، وابنتيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله الذى أتضرع إليه أن ينتشلنا مما نحن فيه من بلاء، إنه سميع مجيب الدعاء.

< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

حين تنعدم من القلوب الرحمة وتحل مكانها القسوة، فإنها تصبح مثل الحجارة أو أشد قسوة، لقوله تعالى: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً» (البقرة 74)، وقسوة القلب تعنى البعد عن الله، وتؤدى إلى الشقاء، «فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» (الزمر22)، وقد قال رسول الله «لا تنزع الرحمة إلا من شقى»، والرحمة رقة وحنوّ يجده الإنسان فى نفسه عند رؤية مُبْتَلَى أو صغيرٍ أو ضعيف، يحمله على الإحسان إليه، واللطف والرفق به، والسعى فى كشف ما يعانيه، فمن خلق اللّه فى قلبه هذه الرحمة الحاملة على الرفق، وكشف ضرر المُبتلى، فقد رحمه اللّه فى المآل، أما من سلبه ذلك المعنى وابتلاه بنقيضه من القسوة والغلظة، ولم يلطف بضعيف، ولم يشفق على مُبتلى، فقد أشقاه الله، فما بالنا أن ما فعله والد ابنك، كان مع أقرب الناس إليه، فلم يهتم لأمر ابنه وترك مسئوليته لخاله، وانصرف إلى نفسه، وبلغت به القسوة إلى حد أنه يريد أخذ ما لا حق له فيه؟، وإذا كان شقيقك الراحل قد كتب وصية بجزء من مستحقاته فى جهة عمله لابنك، فإن ذلك لا يعنى أن هذا المال صار ملكا له، حتى لو أن الأوراق تقول ذلك، فمن يحكم فى الأمر له مستندات لا يستطيع تجاهلها، ولكن يجب على المرء أن يتحاشى الوقوع فى الزلل والمعاصى، وإنى أسأل والد ابنك: هل سيغنيك المبلغ الذى سيؤول إليك من وصية خاله ابنك شيئا؟، وهل يرضيك أن تكون أرملته بين الحياة والموت فى المستشفى، وتحتاج إلى مصاريف باهظة، وأنت تستقطع ما تسميه حقا لك، بدلا من أن تسارع إلى نجدتها ومساعدتها، فتسد ولو جزءا بسيطا من الأموال التى صرفها زوجها على إبنك؟.

إن الشفقة والرحمة بالآخرين أمران يحبهما الله، ويرضاهما لعباده، حيث يقول رسول الله: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء»، ولقد بكى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند موت طفله الصغير إبراهيم، حتى تعجب عبد الرحمن بن عوف من ذلك، فعن أنس بن مالك قال: «دخلنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أبى سيْفٍ القَيْنِ، وكان ظِئْرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ إبراهيمَ فقبَّلَهُ وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يَجُودُ بنفسه، فجعلتْ عَيْنَا رسول الله تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنتَ يا رسول الله؟، فقال: يا ابنَ عوف، إنَّها رحمة»(رواه البخارى).

ومن المواقف التى تعبر عن مدى رحمته بالخَلْقِ جميعاً «الإنسان والحيوان» ما رواه عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع النبى فى سفر، فرأينا حُمَّرةً «طائر صغير» ومعها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش «تقترب» من الأرض، فجاء النبى فقال: من فجع هذه بولدها؟، ردوا ولدها إليها. فإذا كانت رحمة رسول الله بالطير قد بلغت هذا المبلغ، فما بالنا برحمة الإنسان لأقرب الناس إليه، «ابنه وأمه»، ومن أسدوا إليه معروفا وإحسانا.

لقد مات ضمير والد ابنك، ولم يعد لديه ذرة إحساس بما يفعله، فعندما يكون الضمير حياً يقظاً، فإنه ينبه صاحبه بعدم الإقدام على فعل الأخطاء والآثام حين يفكر فيها، وقد يكون الإنسان قادراً على الإيذاء، لكنه لا يُقدم بأى حال من الأحوال على هذا الفعل مما بلغت قدرته على ذلك حتى مع من أذاه يوماً؛ أما صاحب «الضمير الميت» فلا يستطيع التفرقة بين الحق والباطل، ولا بين الخير والشر، ولا يشعر بآلام الآخرين ممن حوله، ولا يسمع إلا صوت نفسه التى تتسم بالأنانية وحُب الذات، ولا يهتز له ساكن عند رؤية متاعب من حوله، ولا يشعر بهم، وكأنه لم يشاهد شيئاً، ومن هنا أدعو مطلقك إلى أن يعيد النظر فى موقفه، وأن يقارن بين صنيعه، وصنيع شقيقك الذى آثرك أنت وابنك على نفسه وبيته، وأدرك منذ البداية معنى الإيثار الذى قال عنه الحق تبارك وتعالى: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» (الحشر9)، فالخصاصة تعنى شدة الحاجة، وجاء فى سبب نزول هذه الآية: أن رجلا جائعا جاء إلى رسول الله، وهو فى المسجد، وطلب منه طعاما، فأرسل الرسول من يبحث عن طعام فى بيته، فلم يجد إلا الماء، فقال: «من يضيف هذا الليلة، رحمه الله»، فقال رجل من الأنصار، أنا يا رسول الله، وأخذ الضيف إلى بيته، ثم قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني، فلم يكن عندها إلا طعام يكفى أولادها الصغار، فأمرها أن تشغل أولادها عن الطعام وتنومهم، وعندما يدخل الضيف تطفئ السراج «المصباح»، وتقدم كل ما عندها من طعام له، ووضع الأنصارى الطعام للضيف، وجلس معه فى الظلام حتى يشعر بأنه يأكل معه، وأكل الضيف حتى شبع وبات الرجل وزوجته وأولادهما جائعين، وفى الصباح ذهب الرجل وضيفه إلى رسول الله، فقال للرجل «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة»، ونزلت آية الإيثار فى سورة الحشر.

إن استمرار مطلقك فى ظلمه وجبروته، سوف ينعكس عليه إن عاجلا أو آجلا، فلا يغتر بما هو عليه الآن، فلقد قضى الله بإمهال الظالم وعدم تعجيل العقوبة؛ لحِكَم كثيرة، منها: استدراجه ليأخذه الله على أسوأ حالٍ وأشنع صورةٍ، وفى ذلك قال عز وجل: «إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» (آل عمران178)، وقد يكون الإمهال فرصةً للتّوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، أما من يصر على الاستمرار فى الظلم، فليعلم أن الله توعّد الظالمين بتعجيل العقوبة لهم فى الدنيا؛ لسوء الظلم، وكثرة أضراره، حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «ليس شيءٌ أُطِيعَ اللهُ فيه أعجلَ ثواباً من صلَةِ الرحِمِ، وليس شيءٌ أعجلَ عقاباً من البغْيِ وقطيعةِ الرَّحم»، ولذلك فإنّ عقوبة الظالم فى الدنيا قد تظهر فى خاتمته، فتكون نهايته أليمةً شديدةً؛ انتقاماً للمظلوم، حيث قال الرّسول: «إن اللهَ ليُملى للظالمِ، حتّى إذا أخذه لم يفلتْهُ، ثمّ قرأ: «وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» (هود102)، كما أنّ الله يخزى الظالم فى الدنيا، ويذيقه مرارة الحياة وذلّها، ثمّ يذيقه عذاب الآخرة يوم القيامة، ومن مظاهر العقوبة الدنيويّة للظالم الحرمان من البركة وزوال النِّعم، فقد قال تعالى عن أصحاب الجنّة الذين عزموا على عدم إعطاء الفقراء حقّهم منها: «إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلَا يَسْتَثْنُونَ، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ، فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ، أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ، فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ، أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ، وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ» (القلم17ـ 26).

إن الله يضل الظالمين فى الحياة الدنيا، ولا يهديهم إلى الرُّشد والصلاح، بينما يثبت المؤمنين، لقوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ، وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ» (إبراهيم 27)، ومن هنا أدعو والد ابنك إلى أن يراجع موقفه، وأن يتوب إلى الله عما فعله، وأن يترفع عن أى أموال ليست من حقه، بل الواجب عليه، أن يرد حقوق شقيقك الراحل، وأرجو أن تتماسكى، واعلمى أن ما أراده الله هو ما فيه الخير، أما أرملة شقيقك فسوف تتلقى العلاج اللازم لها، فلا تقلقى، وليدبر الله أمرا كان مفعولا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق