رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«العاصوف».. دراما سعودية تنحاز للثقافة المصرية

محمد حبوشة;

هبت عاصفة كبيرة على إثر حرق صورة الزعيم خالد الذكر «جمال عبد الناصر» فى إحدى حلقات المسلسل السعودى «العاصوف»، قصة الراحل الكبير»عبد الرحمن الوابلى» الحاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ من جامعة شمال تكساس الأمريكية، وهو من بطولة نجم السعودية الأول «ناصر القصبى».

..............................................................

والمسلسل فى حد ذاته يعد واحدا من المسلسلات الخليجية القلائل التى احتفت كثيرا بالثقافة المصرية طوال الحلقات، فقد امتلأت جدران البيت الذى تسكنه «عائلة الطيان» العمود الفقرى للأحداث بصور «عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وغيرهم من فنانى مصر الذين على ما يبدو قد أثروا وجدان جيل السبعينيات الذى تنصب عليه أحداث المسلسل، والتى تهتم كثيرا بتلك التطورات التى طرأت على المجتمع السعودى آنذاك، فقد جسد الفنان «عبد الإله السنانى» دور «محسن» أحد أبناء عائلة الأم «هيلة»، والذى كان يدرس القانون فى القاهرة، ويعود الى الرياض محاميا يحمل أفكارا جديدة وثقافة مختلفة مستمدة من المرحلة الناصرية، وهذا ما يضعه فى صدام وصراع أخوى دائم مع شقيقه «خالد» الذى لعب دوره الفنان «ناصر القصبى»، حيث يظلان يختلفان فى وجهات النظر طوال أحداث العمل.

ربما كان الهدف الرئيسى من هذا المسلسل هو عرض قصة الرياض للجيل الجديد فى هذه الحقبة، من حيث الشكل والبيوت والمواصلات وطريقة التواصل بين الناس فى الحارة بعد التغييرات الاقتصادية التى حدثت، فيما مايشى بأنه عبارة عن مسلسل متعدد الأجزاء يعنى بـ «البيئة السعودية» القديمة على طريقة «باب الحارة» السورى، حيث إنه من المقرر أن يعرض فى الأجزاء المقبلة حقبة الثمانينيات والتسعينيات مع تطور الشخصيات، لذا فقد عمدت جهة الإنتاج إلى بناء أحد أحياء مدينة الرياض فى تلك الفترة الزمنية محل الأحداث على مساحة تبلغ 6500 متر مربع فى مدينة أبوظبى الصناعية «كيزاد»، بهدف محكاة فترة السبعينيات من القرن الماضى، وهو يتعرض لفترة تاريخية مهمة مرت بها المملكة العربية السعودية «فترة السبعينيات» ومرحلة التطور الاقتصادى والتاريخى والسياسى الذى حدث فى المنطقة وردود الفعل عليها، لذا تعرض لتأثير سياسات عبد الناصر على المجتمع العربى فى تلك الأونة ومنها السعودية التى كانت على خلاف شديد مع الناصريين باعتبارهم يرفعون لواء الشيوعية، الأمر الذى دفع الناشط السياسى» راشد» الذى جسد دوره «سامى حازم» إلى حرق صورة «عبد الناصر» لينفى شبهة انتمائه إلى الأفكار الناصرية قبل القبض عليه، ومن ثم فقد دبت ثورة من الغضب المصرى الجارف على أثر حرق رمز من رموز مصر الوطنية فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ العرب.

ظنى أن العمل من الناحية الدرامية هو نقلة نوعية للدراما السعودية والخليجية، وعلامة فارقة فى نقل الدراما من الكلاسيك الى دراما تتحدث عن تاريخ، خاصة عندما تطرح الدراما التاريخ بلغة الصورة لتصبح عملا شعبيا دراميا اجتماعيا بامتياز، ولا يخلو فى الوقت ذاته من «كوميديا الموقف» التى اعتاد تقديمها القصبى من قبل على غرار «طاش ما طاش» و»سيلفى»، لكنه هذه المرة يقدم قصصا واقعية فى حقبة زمنية قديمة خلال فترة حكم الملك فيصل - يرحمه الله - ويرصد أحداثا اجتماعية وسياسية، وحياة الناس فى السابق وبساطتهم وطريقة التعامل مع الآخر، عن طريق الاستناد الى مراجع تاريخية وإلى جانب استعانتهم بباحثين تعايشوا مع تلك الحقبة، لعرضها على الشاشة، كما جاءت بطريقة متقنة من حيث تقمص الممثلين للشخصيات بالشكل المطلوب، فضلا عن المكياج والاكسسوارات والأزياء والشعر والسيارات وملامح شكل البيوت والميادين، إلى جانب اتقان اللهجة «النجدية» القديمة التى تحوى مصطلحات معينة، وقد كان للمخرج السورى «المثنى المصبح»، دور كبير فى اظهار العمل بأفضل شكل، والتعاون مع كل أبطال المسلسل فى تقديم عمل سعودى مميز، لاسيما وأن العاصوف حصد صدى كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعى.

العصف الذهنى الذى أثاره مسلسل «العاصوف» كان هدفا بحد ذاته، ليثار حوار اجتماعى بين السعودين من الجيل الحالى يصلون منه لحقيقة ذواتهم، وما كانوا عليه قبل نصف قرن فقط، وما تعرضوا له من تغير، وما تعرضوا له أيضا من نسيان لماضيهم البسيط؛ الذى كانوا عليه، فالمسلسل عبارة عن دراما تجسد - بدون تكلف - بعض الحكايات الاجتماعية من حقبة السبعينات الميلادية فى العاصمة الرياض، وهذا أمر جيد وطبيعى،، لكنه للأسف تحول إلى ميدان للصراع فى الصحف وشبكات التواصل بين أطراف متعددة لاعتبارات عقيمة لا علاقة لها بالنقد الفنى أو حتى التاريخى، فبحسب كاتب النص «الدكتور عبد الرحمن الوابلى» الذى عايش تلك الفترة فإن عرض «العاصوف» لمرحلة مر عليها جيلان تقريبا، وابتعد الناس عنها وهى تعرض لمشاهدين شباب لا يتخيلون المعروض لهم، وهو أنه أسلوب معيشة بعض آبائهم، وأجدادهم وهم لا يتخيلون كم ابتعدت أخلاق المجتمع عن تلك الأيام المنفتحة، التى لم تصبها ردة الفعل على الحضارة، والنكوص الذى أصاب الناس، تلك الأيام، والتى كان يتهيأ السعوديون أنفسهم ليكونوا مجتمعا منفتحا، ففى هذا الوقت البرزخى، أصاب المجتمع نكوص عام، ومرض المجتمع بالصحوة، وكما يعرف دارسو الحضارات و»الإنثروبولوجيون» أن المجتمعات تصاب بالأمراض عامة كما يصاب الأفراد بها، وقد يستغل المؤدلجون أزمنة النكوص الاجتماعى، ليعيثوا بالمجتمع إفسادا لحياته وأخلاقه، ومكوناته الثقافية، وهذا ما عانى منه السعوديون على مدار نصف قرن من الزمان.

نأتى للخطوط العامة للنص والتى كتبت فى إطار رواية لعائلة فى السبعينات، فى الرياض، ومدن «نجد» وعلاقاتها وما يعتريه من أحداث، وترسم خطوط صراع مع الآخر، فى ظل مجتمع متصالح مع نفسه فى مسلسل متقن الصنع، ليمضى المسلسل دون هبوط فى الإيقاع أو تطويل فى الحلقات بهدف كسب الوقت، ويحظى التمثيل بتنوع بين النساء والرجال فى الأعمار فكبار السن والرجال والنساء البالغون والمراهقون وعشوائيتهم، ثم الأطفال فى تشكيلهم وصورة لطقس الزواج كما كان فى تلك الحقبة، حيث يشارك الجميع رجالا ونساء فى الحفل ويتشاركون الميسور من الطعام، ولا شك أن نص المرحوم «عبدالرحمن الوابلى» بشيء من الاحترافية كتب له النجاح كلية فى التعبير عن تلك الحقبة الزمنية بفطريتها ونقائها وبساطة عيش السعوديين وتمسكهم بالعادات والتقاليد الإسلامية وصحيح الدين، على الرغم من بروز دور جماعة «الإخوان» الإرهابية وتمدد نشاطهم بين مصر والسعودية وسوريا آنذاك - كما بدا لنا من لغة خطاب «الشيخ محمد سعيد» الذى أبدع بدوره الفنان السورى «فادى صبيح» حيث عبر بصدق عن نار الحقد التى كانت تأكل قلوب الإخوان ونقمتهم على الزعماء العرب وعلى رأسهم «عبد الناصر» الذى كانوا يلقبونه بالطاغية جراء فهمه لأساليبهم الشيطانية ومن ثم عمد إلى عدم تمكينهم من السيطرة على عقول المصريين وتحذيراته الدائمة لخطرهم على الأمة العربية كلها.

التقييم المباشر للمسلسل أن هناك انقساما بين الناس على هذا المسلسل، مع أن أكثر من نصفهم شباب لم يروا ذلك الزمن، ولم يقرأوا عنه وبهذا الاختلاف عرفنا أن مسلسل «العاصوف» مسلسل ناجح، أثار التأويل والتفسير بين الناس من مقتنع بأن المسلسل ينقل واقعا معتدلا كان فى الماضى، وبين مكذب يدعى المثالية فى مجتمع أفلاطونى، تخيله المتخيل بمقاييس مثاليات الصحوة، وآيديولوجياتها ووعاظها، وعلى أثر ذلك ثارت ثائرة البعض وزعموا أن ما عرض لا يمثل الحقيقة رغم أن معظم المعترضين شباب لم يعيشوا حقبة السبعينات الميلادية، وحكمهم عليها حكم ظنى من وجهة نظرى النقدية، لا تسنده معلومة، أو عمر عاشوه بها، على العكس تماما من الفريق الآخر من كبار السن، الذين رأوا ذلك المجتمع على طبيعته، بمحافظيه ومن أقل محافظة، وهنالك قلة من المسنين غير المختصين أخذتهم الموجة، وبعض من المشخصين شتموا المسلسل لأشخاص تنويريين فيه مثل المؤلف «عبد الرحمن الوابلى، وناصر القصبى»، وفئة المعترضين من الأفلاطونين يعترضون على تمثيل حالات الغزل وعدم غض البصر، وفئة من أصحاب مقولة سمعت الناس يقولون شيئا فقالته، ومن هنا أقول: باختصار معظم ما سمعنا آراء انطباعية لا نقد يقوم على قراءة المسلسل بشكل منصف، فأنا أكتب هذه السطور بعد الحلقة الأخيرة، ومعى عينة كافية من النص والتمثيل والديكور والسيناريو والإخراج وغيرها، حيث قدم المخرج «المثنى صبح» وهو مخرج سورى من أصل فلسطينى صورة جميلة جدا، وكوادر تمثيل مدربة جيدا، رائعة فى أدائها، وتبدو رؤيته واضحة فى بناء ديكور مدينة من السبعينات، تختلط فيها الحيوانات بالسيارات عند بداية التنمية والتحول، وقد وفق المخرج من وجهة نظرى بصنع مشاهد جميلة تميزت بالتسليم والتسلم لتشكل كادرات متحركة تحكى الأحداث بالتسلسل، مع رقابة صارمة على الزمن ومشاهد الداخل والخارج، حيث توازن الضوء، وهو أصعب ما يواجه نقلات الداخل والخارج فى عمل مثل «العاصوف»، لكن المثنى صبح تجاوزها بجمال وإبهار يحسب له فى النهاية.

ولقد برع الممثلون الذين أدوا أدوارهم على نحو احترافى صحيح مع تفاوت الخبرة بينهم، كون بعضهم نجوم وبعضهم شباب لكن التمثيل كان متقنا ويبدو أن القائمين على المسلسل وطاقم التنفيذ والإخراج قد بذلوا جهدا عظيما فى الإعداد والتدريب، خصوصا لصغار الممثلين الذى أدوا بشكل جميل واتضح التدريب المكثف على أدائهم وحركتهم حيث أقنعونا بعملهم بتفوق، ويبقى النجم السعودى الأول «ناصر القصبى» على رأس قائمة المبدعين تمثيلا وإشرافا على هذه التجربة الدرامية المميزة التى تكتب اسمه بحروف من نور فى تاريخ الفن السعودى المعاصر، على جناح أداء يخلط ما بين التراجيدى والكوميدى بطريقة السهل الممتنع، ليثبت أنه حين يكون الفنان مثقفا، يستطيع أن يلامس المشاعرالإنسانية الصادقة، ودون عناء يمكنه العزف على أوتار القلب والعقل معا فى سيمفونية رائعة وصولا إلى بواطن النفس البشرية الخفية تاركا فيها أكبر الأثر، لدى جمهور يتعطش للفن الراقى فى ظل أشواك وعثرات الدراما الحالية التى تكرس فى غالبيتها لمناخ من الفوضى والعشوائية، وما بالك أن يملك نفس الفنان وعيا صادقا بقضايا وطنه وأمته، حاملا فوق أكتافه هموم وآلام وأحزان وانكسارات هذه الأمة فى لحظة تاريخية أقل ماتوصف بالضبابية، فنان بهذا المعنى والمبنى للشخصية لابد أن تقف أمامه بقدرهائل من التقدير، وتمنحه أوسمة من الفخار التى تزين صدره بالحب والاحترام، خاصة إذا كان فوق هذا وذاك يملك روح المغامرة بالمال والجهد والعرق الفنى الخالص من أجل تحسين صورة وطنه السعودية.

ومن ثم أيضا برعت « ليلى السلمان» فى تجسيد دور الأم «هيلة» التى حاولت قدر المستطاع أن تحافظ على أولادها وتسيطر عليهم بحبها، مؤكدة أن التمثيل هو فن اللعب، وهو كل مايتعلق فى الحركة والصوت وأيضا دراسة عميقة للجوانب النفسية والاجتماعية للشخصية التى تمثلها، إنطلاقا من أن الشخصية هى الأساس الجوهرى للنص وهى القلب النابض للحكاية لذلك قبل البدء بأى شئ، يبدو أن «السلمان» حرصت على التعرف بشكل جيد على أسلوب أو جوانيات الشخصية، وعلى صفاتها وأوضاعها - كما فى حالة الأم «هيلة» - التى ذهبت بها ومن خلالها إلى عوالم مغايرة فى أسلوبها وأدائها فى شبكة علاقاتها، بحيث استطاعت أن ترسم لنا ملامحها التى ترتدى حياة جديدة مليئة بالتفاصيل, لأن الملامح تعطى للشخصية حقا بأن تعبر عن نفسها من حركات خاصة بها، ومن خلال الملابس التى ترتديها، وأيضا من بنيتها النفسية والمهنية والثقافية وكذلك الوطنية أو القومية، فالتمثيل عندها يأخذ طريقة التقمص والعناية بالخيال والتخيل فى حبل القيادة فى الوعى وفى الايهام، وهو ما يعكس بالضرورة أنها تمتلك تقنيات عالية فى أدائها البالغ حد الاحترافية.كذلك يحسب حسن الأداء لكل من «عبد الإله السنانى» فى تجسيده لشخصية «محسن» المتردد والانتهازى أحيانا، فالتمثيل لديه على ما يبدو هو الارتقاء بالنص وانتشاله من الهبوط, وربما كان ذلك منطلقه الأساسى فى تحريك تحريك طاقته فى تأدية دوره بشكل خلاق ومبدع فى أن يصنع حالة من «الضحك فى الحزن» و»من الحزن ينتقل الى حالات من الفرح»، بالإضافة إلى العودة لحالة «التوازن» وهى الحالة الطبيعية له، وهنا كان يمارس تأثيراته على المتفرج فى أن يتحرك بشكل سهل يتناسب وتصرفه وبالتالى يعكس مضمون النص بشكل دقيق، أما «حبيب الحبيب» فقد جمع بين التراجيدى والكوميدى بطريقة رائعة تؤكد رسوخه كممثل من الوزن الثقيل، كما بدا لنا بدور «حمود» الشخصية الأكثر بهجة وسرورا فى هذا المسلسل، فقد كان يتلاعب بماهية الشخصية المرسومة له طوال الأحداث، وكذلك كان يتكيف مع الأحداث بدون أن يؤثر سلبا على صفات الشخصية,كما أنه يتمتع بمستويات عديدة من المشاعر اثناء اللحظة الواحدة لا أن يشرد وتسبقه الشخصية، وهو ينم عن عملية تركيز مستمرة، بحيث تكون له المقدرة على الانتقال فى لحظات متعددة بين الكلمات والأفعال والمشاعر، ولايخلو ذلك من أن يكون دافئا وحساسا وأن يعرف كيف يقدم الفن، وأين يخفيه، كما يعرف أين يقدم ماهو صغير وماهو كبير, وكان يحرص على أن تكون سيطرته على جسمه وحركاته وصوته هى نقطة الانطلاق التى تعنى الإبداع والتالق. ولا يفوتنى فى النهاية الإشادة بـ «ريم عبد الله» بدور»جهير» الذى جسدته بطريقة منطقية يغلب عليها طابع الخبرة فى أن الممثل الجيد هو ذلك الذى يستخدم جسده بشكل مقنع ورائع، ولابد وأن يكتشف ما هو مجهول من خلال الطبيعة الانسانية التى يتمتع بها حتى ينمى حركته بشكل جيد، فضلا عن الثقة التى تمتع بها، والتى تاتى غالبا من خلال التمارين على الأداء، لأنه من دون تمارين سيكون هناك خلل كبير فى منظومة الجسد والحواس لدى الممثل، فجسد الممثل دائما ما يكون بنكا من التدفقات الحيوية والطاقات المتعددة كى يواجه دائما مشاكل وصعوبات الأدوار التى يقوم بها، وهو ما بدا واضحا فى أداء ريم عبد الله، وكذلك زميلاتها «زارا البلوشى فى دور «سارة»، وريماس منصور فى دور «طرفة».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق