وقالوا «الخال والد».. مثل صعيدى صميم، لكن مع ذلك كان حتما على نجل القتيل أن يقتل خاله ثأرا لوالده، القصة لا تبدو غريبة بين عجائب حوادث الثأر فى الصعيد.
فما أن زهقت روح الأب بسلاح فى يد شقيق زوجته حتى كان القرار أن يشحذ الابن الأكبر همته ويأخذ ثأر أبيه من خاله.. لكن اترك لنفسك العجب عندما تسمع أن الأم، زوجة القتيل وشقيقة القاتل، كانت أكثر الجميع حنقا على أخيها وأشدهم حرصا على أن تضع البندقية بيد ابنها ليقتل أخاها.
موقف الأم ليس غريبا لمن يعرف دقائق الحياة فى القرية الصعيدية بكل عجائبها، فما حدث بسوهاج سبقته حوادث مشابهة فى كثير من قرى الصعيد الجوانى التى عرفت الآن أحدث موديلات الموبايلات وارتفعت أبراج المحمول فى سمائها وانتشرت أطباق الأقمار الصناعية (الدش) فوق أسطح بيوتها حتى الفقيرة منها وتسمع بين مفردات لغتها كلمات لم تعهدها قديما مثل «فلكسات.. باقات.. فيسبوك.. واتساب» ويسهر الأبناء حتى الفجر أمام أجهزة المحمول والتاب واللاب وصار من يحتفظ بجهاز كمبيوتر تقليدى مثارا للتهكم من أقرانه.. ومع ذلك لم يتغير شيء ذو قيمة فى العقول.
فشلت كل جهود أهل القرية فى عقد صلح بين أهل القتيل وبين أهل المتهم بالقتل.
ــ حرام يا ناس.. أنتم أهل فى بعض.. «أنتم قرايب ونسايب» وأولادهم هم أولادكم.
لكن أمام الإصرار على الثأر فشلت كل الجهود وهنا لا تسأل عن السبب الذى قد يأتى من «ضغائن شخصية، خلافات جيرة، أسبقية رى، حدود أرض، شجار أطفال» أسباب معتادة للثأر فى الصعيد بجانب أسباب أخرى تزيد أو تنقص لكنها تتوحد فى نتيجتها ويكون الدم هو المسلسل الحتمى مع أنه كان يمكن حل مشكلة الخلاف حول قناة للرى بين حقلى القاتل والمقتول فى جلسة واحدة ولكن كل واحد «ركب راسه» وكانت النتيجة هى الدم.
لم يكن الفتى ابن القتيل أقل حرصا على قتل خاله من أعمامه ولم يكن إصرار أعمامه أقل من إصرار شقيقة القاتل نفسها.. لحظة تملكت شهوة الدم فيها قلوب الجميع وارتقبت القلوب وقوع الحدث، فسوف يبدأ مسلسل رعب على أرض الواقع يكون أكثر مرارة وشراسة مما تنقله أجهزة الدش ومواقع الإنترنت، فالعائلتان قويتان ومسألة المصاهرة بينهما لن تشفع لهما، بل ستجعل الأمر أشد وطأة، فحسب ما اعتدناه فى حوادث الثأر فى الصعيد، فإن الثأر بين الأقارب أشد دموية من صراعات العائلات المتباعدة وحتما ستتسع دائرة الدم بسبب المصاهرة وتشابك العلاقات وتجاور البيوت وتشابك الأراضى الزراعية.
ولكن عندما تلقى اللواء عمر عبد العال، مساعد وزير الداخلية مدير أمن سوهاج، تقريرا أمنيا بما يمكن أن يتسبب فيه الأخذ بالثأر وسفك الدماء بعد هذه الواقعة، أمر باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع نزيف الدم، حيث بدأ اللواء خالد الشاذلى مدير مباحث سوهاج واللواء أشرف توفيق مساعد مدير الإدارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الأمن العام والعميد محمود حسن رئيس المباحث الجنائية والعقيد أحمد عبد الله مفتش المباحث اتصالات بكبار العائلات وحكماء القرية والمناطق المجاورة لها، حتى تم الاتفاق على عقد مؤتمر جماهيرى حاشد لإتمام الصلح برعاية مدير الأمن وإطلاع الناس على مغبة الأخذ بالثأر وأن الأمن لن يقف مجرد متابع حتى تنتهى الصراعات. ووسط المؤتمر تقدم كبار عائلة القاتل بالكفن لابن أختهم الشاب الذى انطفأت جذوة الشر فى صدره، بعدما قبل الجميع التصالح ومنع مسلسل دم جديد سيخرج الكل منه خاسرين.
رابط دائم: