"هذه أفضل خطة وأكثرها ملاءمة لإسرائيل".. هكذا وصف بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى خطة السلام الأمريكية، والتى ستلغى الخطط السابقة للرئيسين الأمريكيين بيل كلينتون وباراك أوباما، حيث كانتا تشملان إخلاء المستوطنات والانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو 1967، بل تعلن نهاية اتفاقات “كامب ديفيد” و”أوسلو”.
الإسرائيليون، وخصوصا نيتانياهو، ينظرون إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على أنه “بطلهم”، الذى يدعم تل أبيب فى الأمم المتحدة، والذى اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل فى ديسمبر الماضى وقرر نقل السفارة الأمريكية إليها، كما انسحب من الاتفاق النووى مع العدو إيران.. وهو أول رئيس أمريكى ينفذ وعوده للحليف “رقم واحد”، حسبما أكد خلال زيارته للقدس فى مايو 2017.
نيتانياهو يعلم جيدا أن الأمريكيين سيتخذون خطوات أحادية الجانب لصالح إسرائيل فى “الصفقة النهائية” كما وصفها الرئيس الأمريكي. وهدد ترامب ومن بعده صهره ومستشاره لشئون الشرق الأوسط جاريد كوشنر بفرض الخطة/الصفقة حتى فى حالة رفضها الفلسطينيون. وذكرت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية أن الهدف الحقيقى لترامب ونيتانياهو يتمثل فى إضعاف القيادة الفلسطينية عبر تقديم اتفاق يمثل فى جوهره “صفقة عقارية”: سيحصل الفلسطينيون على فرص للعمل ولكسب معيشتهم والبقاء فى منازلهم الحالية مقابل التخلى عن حلمهم فى دولة وعاصمة فى القدس وفى حق العودة.
لكن على الرغم من التهديد بفرض الصفقة بالقوة، إلا أن هناك توقعات لدى الجانبين الأمريكى والإسرائيلى بالفشل، خصوصا فى ظل الرفض الفلسطينى للخطة الأمريكية. وتصر واشنطن على أن الصفقة وضعها ترامب وليس نيتانياهو، وأنها تتضمن أن يقدم الطرفان الإسرائيلى والفلسطينى تنازلات، بينما تؤكد الدوائر الإسرائيلية، ومن بينهم الجنرال الإسرائيلى فى الاحتياط شاؤول أرئيلي، أن صفقة القرن تحمل اسم ترامب، لكنها فى الواقع من صناعة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأن بصماته عليها، وأكد نيتانياهو منذ انتخب رئيسا للحكومة فى المرة الأولى عام 1996، أعلن أن الحكم الذاتى الفلسطينى تحت السيطرة الإسرائيلية هو الحل وهو الضمانة لأمن إسرائيل.
الفلسطينيون رفضوا خطوات إدارة ترامب ضدهم، واعتبر الرئيس محمود عباس “أبو مازن” أن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل يمثل “إعلانا بانسحاب واشنطن من الدور الذى كانت تلعبه خلال العقود الماضية فى رعاية عملية السلام”.
قرار الرئيس الأمريكى كان يعنى “قبلة الموت” لحل الدولتين، الحل الذى ظلت واشنطن تدافع عنه خلال وساطتها فى عملية السلام بين الجانبين، والذى يتمسك به الجانب الفلسطيني. بينما كان قرار ترامب “قبلة الحياة” لنيتانياهو وحكومته واليمين المتطرف فى إسرائيل، رئيس الوزراء الذى كان مطاردا بقضايا الفساد والمظاهرات التى تطالب بالإطاحة به، والتوقعات بانهيار ائتلافه الحاكم، وجد نفسه “بطلا” بين الإسرائيليين. بل إنه قرر تقنين وضع القدس كعاصمة لإسرائيل حيث وافق الكنيست على تعديل تشريعى يصعب على الحكومة التنازل عن أى جزء من القدس للفلسطينيين فى أى اتفاق للسلام فى المستقبل.
وعلى الرغم من هذا إلا أن أحدث استطلاع للرأى العام فى إسرائيل كشف عن أن 74% من الإسرائيليين يتوقعون فشل “صفقة القرن” رغم أنها تصب فى مصلحتهم، الحكومة الإسرائيلية تضع خطوط حمراء تتمثل فى اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ورفض هدم المستوطنات ورفض حق العودة، وهو ما يرفضه الفلسطينيون. وحذرت صحيفة “جيروزاليم بوست” من أن “الرؤساء الأمريكيون منذ أجيال حاولوا التوصل إلى وضع حل نهائى للصراع، لكن الجهود الأمريكية لم تؤد فى كل مرة سوى إلى تفاقم الوضع، وهذه الإخفاقات لم ينقصها الجهد، خصوصا من جانب الرئيس السابق بيل كلينتون وعزمه القوى فى كامب ديفيد 2000 وطابا 2001، لكن فشله كان سببا فى اندلاع الانتفاضة الثانية”.
أبو مازن وصف خطة ترامب بأنها “صفعة العصر”، وقال إن “القدس هى درة التاج وزهرة المدائن والعاصمة الأبدية لدولة فلسطين”، رافضا التقارير التى تحدثت عن أن خطة ترامب تقترح بلدة أبوديس الملاصقة للقدس لتكون عاصمة لفلسطين. وأضاف: “نحن لا نأخذ تعليمات من أحد ونقول لا لأى كان، إذا كان الأمر يتعلق بمصيرنا وقضيتنا وبلدنا وقضيتنا وشعبنا، لا وألف لا”.
وأكد أبومازن الالتزام بحل الدولتين على أساس الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية على حدود عام 1967 ووقف الاستيطان وعدم القيام بإجراءات أحادية”، وقال: “سنواصل الذهاب إلى مجلس الأمن حتى الحصول على العضوية الكاملة”.
كوشنر نفسه ألمح إلى خطورة الاتفاق حيث أشار، خلال جولته بالشرق الأوسط، إلى أنه لابد من طرح “صفقة القرن” على الفلسطينيين والإسرائيليين، للتقليل من المخاطر السياسية التى يمكن أن يواجهوها عند المصادقة عليها. صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية، اعتبر أن هناك مرحلة أمريكية إسرائيلية جديدة عنوانها سيكون فرض الحل أو الإملاءات، وأن ما يقوم به ترامب ونيتانياهو هو تصفية المشروع الوطنى الفلسطيني.
إدارة ترامب تواصل تأجيل إعلان صفقتها، والتى تشير التوقعات إلى أنها تحمل أسباب فشلها بين طياتها، وربما تشعل فتيل أزمة جديدة فى الشرق الأوسط، خصوصا فى ظل الرفض الفلسطينى والعربى لبنودها المسربة، وانحيازها الواضح للإسرائيليين، وانتهاكها للقوانين والاتفاقات الدولية حيث إنها لا تقدم حلا بل تشكل برميل بارود.
رابط دائم: