رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عالـم «داون».. إهمال حكومى.. وجهل شعبى..
أكثر من 4000 حالة فى 2017 وفقا لاستقصاء «الأهرام»

تحقيق - علا مصطفى عامر
> ليلى ..لا تستطيع أن تتعلم إلا لغة واحدة

► أساتذة الوراثة: رقائق الذرة والشيبس واللانشون والتدخين وحبوب منع الحمل متهم أساسى
► دراسات أجنبية: الاقتراب من الميكرويف والمحمول والأجهزة الكهربائية  أسباب مهمة!
► الأهل: نرفض نظرات الدهشة والسخرية وأطفالنا ليسوا «بركة»
► صرخة أم: ارحموهم من دراسة لغتين !
► بتأثير «صدمة الولادة».. أب يحرر محضرا ضد طبيب أبو الريش
► آخر إحصاء فى مصر لنسب الإصابة أجُرى منذ 20 عاما
► تأخر طبى  فى اكتشاف الجنين  وفى التشخيص بعد الولادة

 

 

بينما كنت أتجول بين صفحات الفيسبوك إذا بعينى تلتقطان صورة لوجه ضاحك برىء.. فتاة صغيرة تتزاحم ملامح الجمال على وجهها مع ملامح أخرى تجعلها تبدو لأول وهلة غريبة أو مختلفة فى عرف مجتمعاتنا.. سطور الرسالة المصاحبة للصورة كانت كافية لإيضاح الأمر.. ( ليلى) تنتمى لعالم الداون .. تلك «المتلازمة» التى تطبع بصماتها المؤلمة على وجه وعقل وجسد من يصاب بها وهو لايزال جنينا فى رحم أمه.

لم تكن كلمات الرسالة شكوى من الداء الذى لا حل له ولا علاج ، وإنما من منظومة تعليمية تصر على أن تزيد الطين بلة وتزرع الشوك ـ بلا أى مبرر ـ فى الطريق الصعب لصغار أبرياء.. بعد مكالمة تليفونية مطولة مع الأم صاحبة رسالة الاستغاثة، التى حصدت آلاف الإعجابات والمشاركات على «الفيس بوك» قررت اقتحام عالم ( الداون ) وأن أعيش مع الملائكة الصغار وذويهم تجربتهم بمرها وحلوها، وأن أطرق أبواب أهل العلم والأطباء بحثا عن تفسير أو إحصاء .


> المحررة والأخصائى الاجتماعى داخل أحد فصول التهيئة

أولى صدمات الواقع أنه لا توجد بمصر ــ على المستويين الحكومى أو الخاص ــ إحصاءات بأعداد مواليد هذه المتلازمة بالرغم من وضوح الإصابة ـ غالبا ـ على الطفل فور ولادته، الأمر الذى يمكن حسمه باجراء تحليل كروموسومات إلا أن وزارة الصحة حتى الآن لم تقرر تسجيل هذه الحالات مع كراسات المواليد ، ولأسباب لا نعرفها أيضا لم نجد ذكرا لهم فى أى من تقاريرالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء !

إصرارنا على التوصل لرقم تقريبى جعلنا نزور عدداً من عيادات ومراكز الوراثة التى تستقبل هؤلاء الأطفال وذويهم للتشخيص أو للمتابعة، داخل عيادة الوراثة بمستشفى أبو الريش أكد لنا الدكتور هانى سليمان استشارى الوراثة استقبال 80 حالة من المتابعين أسبوعيا، أما الحالات الجديدة فيصل عددها إلى نحو 15 حالة أسبوعيا، وقد تزيد.

مشيرا إلى انخفاض السن فى الحالات المترددة عكس المسجل علميا بأن احتمالية الإصابة ترتفع طرديا بعد سن 35 عاما. وحسب كلامه ، أصبح من العادي الآن أن نرى أغلب حالات الداون لنساء فى مقتبل أو منتصف العشرينيات. ويفسر الدكتور سليمان ـ هذه الظاهرة وفقا لاستبيان أجراه ـ بكثرة آستهلاك الفتيات للأغذية المصنعة والمحتوية مواد حافظة ومكسبات طعم ولون، ومن أهمها اللانشون ورقائق الذرة والبطاطس «الشيبس»التى تفرز سموما فى الجسد لايستطيع التخلص منها، بالإضافة لوجود «أنيميا» نقص بالهيموجلوبين وفيتامين «د» لدى المرأة قبل حملها مباشرة.

وبينما نتحدث أصرت امرأة ترتدى جلبابا ريفيا وتحمل رضيعا على الدخول رغم انتهاء موعد مناظرة الحالات فسمح لها، لنكتشف أنها تحمل بيدها التحليل الذى أثبت أن وليدها «داون»، وهمها أن تعرف إن كان زوجها هو السبب أم لا !

وهنا استمعنا لكثير من القصص التى تصف مرحلة صدمة مابعد الولادة والتشخيص، وكيف أن كل طرف يحاول إلقاء التهمة على الآخر وأحيانا على الطبيب نفسه. يقول د.سليمان: ذات مرة فوجئت بتحرير محضر ضدى بعد إخبارى لوالد الطفل ـ ويعمل مهندسا ـ عن وجود الأعراض الجسدية لمتلازمة داون على نجله، وطلبت منه إجراء التحليل اللازم، ووصل الأمر لاستدعاء النيابة لى بعد رفض الأب تسلم طفله، واصراره على أن يشكونى أنا وطبيب التوليد !

ومن قسم الوراثة بمستشفى الأطفال الجامعى بالمنصورة علمنا أن الحالات الجديدة المسجلة لديهم منذ العام الماضى حتى فبراير الحالى 224 حالة. وفى مستشفى الجلاء للولادة، كانت جولتنا بين عدة مبان بحثا عن مقر العيادة المتخصصة لاستقبال أطفال الداون، كما أخبرتنا بذلك اللافتة المثبتة عند باب الدخول ، وبعد لقاء سريع مع الدكتورة «هدى» مسئولة عيادات الأطفال علمنا أنه تم إغلاق عيادة الداون لعدم وجود طبيب لها، بعد تصعيد الطبيبة المسئولة عنها إلى منصب أعلى.


رحمة بطلة السباحة: ارتدى قريبا فستان الزفاف

متى يكون وراثيا ؟

الدكتورة سامية التمتامى مؤسسة شعبة الوراثة بالمركز القومى للبحوث والمسجل باسمها عالميا أكثر من 40 مرضا وراثيا اكتشفته، دعتنا لاستنباط أرقام حالات داون فى مصر وفقا لعدد المواليد وذلك بإعمال النسبة التى قررتها منظمة الصحة العالمية وهى مصاب لكل 800 طفل طبيعى، مؤكدة أن هناك مفاهيم كثيرة خاطئة لدى المعتقد الشعبى، منها أن طفل الداون ناتج عن زواج الأقارب، قائلة: يجب أن نفهم أن هناك نوعا بسبب سوء انقسام الخلية ليصبح كروموسوم رقم 21 ثلاث نسخ بدلا من اثنتين. ونوع آخر ـ رغم ندرته ـ يكون أحد الوالدين حاملا له ومسئولا عن توريثه للطفل، وفى هذه الحالة يكون ثلث الأبناء غالبا معرضين للإصابة بالمرض وراثيا. ولتجنب ذلك يتم إجراء تحاليل قبل الزواج، واتخاذ التدابير بأن يحدث الحمل بعد الزواج عن طريق أطفال الأنابيب أو الحقن المجهرى، بالإضافة لذلك فهناك نساء رغم صغر سنهن إلا أن لديهن استعدادا أكبر لأسباب تتعلق بسوء الكروموسومات.

ولا تستبعد د. التمتامى وجود علاقة طردية قوية بين المبيدات والملوثات والتدخين وبين إنجاب أطفال داون باعتبارها من المؤثرات السلبية على وظيفة الخلية.

طبيب مهمل !

علم الوراثة يتعرض لظلم وتجاهل شديدين ليس فقط من المجتمع ولكن أيضا من أبناء المهنة، الدكتور شوقى طايل، أستاذ الوراثة بجامعة الاسكندرية ورئيس مركز صحة المرأة ، برر شكواه تلك بسببين، أولهما: ارتفاع تكاليف تحاليل الأمراض الوراثية بالنسبة ،وثانيهما: إهمال الأطباء أو ضحالة معلوماتهم فى تخصص الوراثة. فنجد طبيب الأطفال مصرا على التعامل مع طفل داون على أنه (حاجة بتاعت ربنا ) ويهمل احتياج الوالدين لإجراء تحاليل وفحوصات، خاصة إذا كان هذا الطفل هو أول مولود لهما فلربما تتكرر الحالة مع المولود التالى، أو يجهل وجود عيوب خلقية يجب أن يلتفت إليها مبكرا وعلاجها كعيوب القلب التى كثيرا ماتستلزم تدخلاً جراحيا، مشيرا لأهمية تتبع الخطوات التالية التى تبدأ أولا بتحليل الكروموسومات للطفل المصاب، لأن لدينا حالتين لا تستلزمان التحليل للأبوين وهما إذا وجدنا الكروموسوم 21 حرا وموجوداً فى كل الخلايا، أو وجدناه فى بعض الخلايا فهذا معناه أن المشكلة حدثت فى الجنين نفسه. أما لو وجدنا الكروموسوم الزيادة منتقلاً أى «راكب» على كروموسوم آخر فهنا لابد من طلب تحليل الأبوين لمعرفة من منهما الحامل للمرض.

وينتقد دكتور شوقى نوعية ونظام تحاليل ماقبل الزواج التى تم فرضها على راغبى الزواج وكلنا يعلم أنها لا تتم إلا بشكل صورى أو لا تتم إطلاقا وتكون الشهادة مجرد ورقة يستطيع المأذون تدبيرها بنفسه لقاء مبلغ مالى بسيط، مع أن الهدف من الفحص الطبى قبل الزواج هو الاطمئنان على الذرية وحماية الأجيال المقبلة من أمراض كثيرة يمكن تجنبها بتحليل دم . ويرى أن هناك ثقافة مجتمعية تخشى اكتشاف هذه الأمور أو اعتقاد أن الشاب أو الفتاة سليمان لمجرد أنهما يبدوان شكلا «زى الفل». والحقيقة أن أى شخص معرض لأن يكون لديه تبادل مواقع بين الكروموسومات وهذا تأثيره يظهر ليس فقط فى «الداون» بل فى غيره من الأمراض الوراثية، والفارق بيننا وبين الغرب بل ومعظم الدول العربية يكمن فى الاهتمام بالمشورة الوراثية التى تتوافر بأسعار معقولة نسبيا فى المراكز الحكومية والجامعية.

3آلاف جنيه علاجا شهريا

طفل الداون هو مريض مكلف اقتصاديا ليس فقط لاحتياجه برامج تخاطب وجلسات علاج طبيعى لاتقل عن ثلاث جلسات أسبوعيا، وإنما أيضا بسبب الأدوية والمكملات الغذائية التى لا يستطيع شراؤها إلا المقتدرون ماديا .. هذا ماعرفناه داخل مركز بحوث وعلاج الأمراض الوراثية بكلية طب عين شمس (الدمرداش) .. أشهر وأهم مراكز الوراثة بمصر وأكثرها استقبالا للمرضى.. الدكتور حسام عبد الحميد، أمين عام المركز واستشارى الوراثة، قال إنهم للأسف لايصرفون لأسرة الطفل سوى أدوية الأمراض العادية التى تصيب جميع الأطفال كأدوية البرد والمضادات الحيوية وخلافه، لافتا إلى أن طفل الدوان يحتاج لنوع خاص من العلاج لتقوية مناعته وتحسين قدرته على التفكير والاستيعاب ورد الفعل، بالإضافة للتخفيف من حالة ارتخاء العضلات، وهو متوافر فى دواء يتم استيراده من الخارج وصل سعره أخيرا إلى ثلاثة آلاف جنيه. والبديل المصرى ليس أفضل. وكنا نتمنى أن تخصص وزارة الصحة ميزانية لاستيراد هذا الدواء وتوزيعه مجانا أو بسعر رمزى لأطفال داون المنتمين لأسر فقيرة، صحيح أن أسعار التحاليل مخفضة مقارنة بالمعامل الخاصة ولكن هناك قوائم انتظار طويلة،. واشار إلى أن المعاناة تطول معظم المصابين بأمراض الوراثة مثل الأطفال مرضى ضمور العضلات الذين لايجدون كرسيا إلا عن طريق التبرعات التى تظل هى باب الأمل لهؤلاء. وطالب بأن نكون منبرا للتبرعات العينية بالأدوية وخلافه لحالات المركز.

وعلى طريق البحث عن الأرقام أو الإحصاءات لم نجد سوى رقم بعدد ملفات الأمراض الوراثية ككل والذى تجاوز 35 ألف ملف، منذ تاريخ إنشاء المركز بأوائل الثمانينيات، ربما يحتوى الملف الواحد ــ حسب كلام الدكتور حسام ــ على أكثر من عشر حالات إصابة داخل الأسرة الواحدة، ويقول إن المشكلة فى مصر ليست فقط غياب الإحصاء الدقيق وإنما غياب التنسيق بين مراكز الوراثة، مؤكدا أن «الجميع يعمل كجزر منعزلة» فلا يوجد اتصال إلكترونى أو شبكة بين القومى للبحوث مثلا وبين المنصورة أو أبو الريش.

ابن «الداون» داون

هل ننتظر حتى تتدهور حالة الطفل وتصل متأخرة إلى أى من مراكز وعيادات الوراثة.. أم الأفضل أن نكتشفه ونسجله ونحصى عدده بدقة منذ لحظة الميلاد؟! وبناء عليه كانت فكرة الدكتور ثروت صادق، استشارى الوراثة بمحافظة المنيا، هي الاستفادة من الوحدات الصحية بالقرى والنجوع فى هذا الأمر. فمن الطبيعى أن لكل طفل بطاقة صحية يدون بها طبيب الوحدة تاريخ كل تطعيم و زيارة ومعدلات النمو ( الطول والوزن) فلم لا تكون فرصة لتسجيل المرض الوراثى الذى يظهر بوضوح على الوجه و تفاصيل الجسد؟ ولكن للأسف طبيب الوحدة تنقصه خبرة وفور انهائه سنة الامتياز، يتوجه لتسلم عمل لم يتدرب عليه. يضيف: نحن كأطباء نعانى كثيرا عدم وجود قاعدة بيانات عن هذا المرض، لدرجة أننا علمنا بنبأ زواج حالة داون، ولم نستطع الوصول إليها لدراستها ومتابعتها. وبالمناسبة فأنا لست ضد زواجهم، ولكن عندما نتحدث عن الإنجاب فيجب أن نعلم أن الفتاة إذا تزوجت بشاب عادى فإن احتمالية إنجابها طفلا مثلها تصل إلى 50% فما بالنا لو تزوجت شابا مثلها وهو ما يحدث عادة .

خطر الموبايل

التيك أواى و«الشيبس» والعصائر المحفوظة ليست وحدها فى قوائم الاتهام، بل إن هناك دراسات أجنبية تؤكد وجود علاقة طردية بين التعرض للموجات الكهرومغناطيسية وبين إنجاب أطفال الداون. الدكتور ممدوح تركى، رئيس أقسام الأطفال بمستشفى هيئة قناة السويس، يصدمنا بأن هذه الموجات لاتنبعث فقط من أجهزة التليفون المحمول، وإنما أيضا من بوابات الدخول الإلكترونية بالمولات والمحال التجارية، والأجهزة الكهربائية بالمنزل كالثلاجة، وسيشوار الشعر، وفرن الميكرويف، محذرا من الوقوف أمامه أثناء تسخين الأطعمة، ومن وضع المحمول ملاصقا للجسد طيلة اليوم أو أثناء النوم، أو وضع الأجهزة ذات الموتور فى غرف المعيشة أو النوم، مؤكدا أن الخطر ليس فى وجود الأجهزة بالمنزل وإنما فى وضعها على مسافات قريبة جدا من الإنسان أو المرأة التى تستعد للحمل التى يجب عليها تجنب ذلك ووضع تليفونها المحمول على مسافة لاتقل عن متر منها، وينصح الأمهات بالعودة بتغذية بناتهن بالخضار المطبوخ بالمنزل والأكلات المصرية كالفول والعدس ، وطبق السلطة الخضراء، لأن الإصابة تكون حصاد سنوات من التغذية الخاطئة وليس فقط وقت الحمل.


الإجهاض بفتوى

وفي محاولة تحديد حجم الظاهرة ومدي انتشارها استطعنا الحصول على رقم آخر تقريبى من الدكتورة سميرة إسماعيل، أستاذة الوراثة الإكلينكية بالمركز القومى للبحوث، التي اكدت أن الحالات الجديدة لأطفال داون المترددة على عيادات الوراثة بالمركز تتراوح بين 10و12 حالة أسبوعيا، وأن آخر محاولات الإحصاء بمصر ترجع إلى عشرين عاما، وكانت عبارة عن دراسة حول نسبة الإصابة وأجريت على عينة قوامها ثلاثة آلاف طفل أثبتت أننا نزيد قليلا على المعدلات العالمية، حيث بلغت 1: 770 بينما المعدل العالمى 1: 800 كما سبقتها فى أوائل الثمانينيات دراسة أخرى أظهرت وجود فارق أكبر حيث كان المعدل: 1: 550

واشارت د. سميرة الي صغر حجم العينة بالنسبة لعدد السكان، وبعدها لم تجر أى إحصاءات جديدة، وفى مصر عموما ـ حسب كلامها ـ ليس هناك إحصاء لأى إعاقة وليس فقط داون الذى تصف انتشاره بأنه «وبائى»، وفى حالة تزايد خاصة بين الأمهات الصغار، فنحو 75% من أطفال الداون يكون عمر الأم أقل من 35 سنة و25% تكون الأم أكبر من ذلك. ومن خلال الأسئلة التفصيلية للحالات تقول الدكتورة سميرة: اتضح لى أن الأسباب البيئية مؤثرة جدا فى الإصابة، مثل الفلاحة التى تتعرض للتعامل بالمبيدات والأسمدة الزراعية، أو القاطنين فى بيوت تمر أسفل خطوط الضغط العالى، وأخيرا تعاطى نوع معين من حبوب منع الحمل. وتقول إن الاكتشاف المبكر أصبح ممكنا سواء بعمل مايسمى باختبار الدم الثلاثى، أو بأخذ عينة من السائل الأمينوسى فى نحو الأسبوع الـ14، وإذا رغب الأبوان فى عدم الاحتفاظ بالطفل فلا نستطيع إلا أن نكتب تقريرا بالحالة ونوعية المرض وأعراضه وعدم قابليته للشفاء، ليتوجها به لدار الإفتاء لمعرفة رأى الشرع فى جواز الإجهاض من عدمه.


قبل 120 يوما

وعلى عكس الرأى السابق جاء الاتجاه داخل وحدة الوراثة بالدمرداش بالرفض الشديد للمبدأ وكما أخبرنا الدكتور حسام عبد الحميد، استشارى الوراثة بالمركز: لا يمكن أن أعطى أى أم أو أب يأتيان إلينا بعد اكتشاف حمل الزوجة بجنين داون توصية بالإجهاض أو تقريرا طبيا بذلك. الداون يتحسن كثيرا بالتدخل المبكر وهو أكثر الإعاقات الذهنية التى يصبح فيها الطفل مقاربا للطبيعى إذا ماتمت رعايته على الوجه الأكمل.

اختلاف الرأى الطبى مابين لماذا نأتى للحياة بطفل يعانى صحيا وتعليميا وجسديا ويتكلف الكثير ويرهق أهله ماديا ونفسيا ، ومابين الرأى الأخير بأنه يندمج ويتحسن وينجح رغم أنه لايشفى .. دفعنا لزيارة دار الإفتاء المصرية، وطرح القضية على الدكتور مجدى عاشور أمين الفتوى بالدار فعلمنا أن هناك اتجاهين للفتوي حول مسألة الإجهاض، يختلف الرأى الشرعى لكليهما حسب المدة الزمنية للحمل، فإذا كان عمرالجنين 120 يوما، فليس هناك أى مجال للحديث عن الإجهاض، لأن الجنين لم يعد مجرد خلايا حية تنبض برحم المرأة وإنما أصبح روحا بشرية لا يجوز التعدى عليها حتى لو كان مشوها أو مريضا بعلة لايرجى شفاؤها، لأن هناك تفرقة بين الجسد العليل وبين الروح، ولايمكن أن تكون علة الجسد مبررا لإزهاق روح خلقها الله. وهناك فقط استثناء وحيد لهذا المبدأ فى حالة أن يكون الخطر والتهديد موجها للأم نفسها وليس للجنين، فإنه يجوز فى هذه الحالة الإجهاض إذا أقر الأطباء الثقات وجود هذا الخطر المؤكد، فهنا تكون حياة الأم أبدى وأولى لأنها حياة مستقرة ومتحققة عكس حياة الجنين فهى ناقصة غير مكتملة بل محتملة.

أما الشق الآخر من الرأى ـ يوضح الدكتور مجدى عاشورـ عندما يأتى الأبوان للدار قبل مرور120 يوما على الحمل أى قبل نفخ الروح، وهنا ينظر فى التقرير الطبى الذى يحملانه، وبناء على التفاصيل المبينة بالتقرير من حالة الجنين والعيوب الخلقية به، يتم قياس المصالح والمفاسد المترتبة على إجهاضه أو الإبقاء عليه، وتتم دراسة كل حالة على حدة رغم أن المرض واحد، لأنه لابد أولا من تصور للمسألة ثم تكييفها ثم بيان الحكم وما إذا كان ينطبق على هذه الحالة أم لا، مشيرا إلى أن قرار الإجهاض قبل هذه المدة فيه سعة وبشرط موافقة كلا الزوجين، وأما بعدها فيعد قتلا يستوجب دية قدرها 1800 جرام ذهب.

أما الرسالة التى طالبنا أمين الفتوى بنشرها فهى ضرورة التوسع فى ثقافة الفحص الطبى والتحاليل والأشعات، على أن يحدث هذا مبكرا قدر الإمكان، ليسهل التصرف ومعالجة الأمر بما لا يحقق مشقة وعنتا للأبوين أو الطفل المرتقب أو المجتمع، وإذا تم الاكتشاف متأخرا فهذا قدر الله الذى يجب الامتثال له، وربما جاء لرفع درجات أو حكمة لا يعلمها سوى الخالق.

► الصحة العالمية تمنع استخدام مصطلح «منغولى»
► مراكز الوراثة جزر منعزلة وتحاليل ماقبل الزواج حبر على ورق
► دار الإفتاء: قبل 120 يوما نسمح بالإجهاض
► موظفة الصحة ساخرة: «هى العيال دى بتاخد تطعيم برضه»!!  وطبيب يقول : سيبيه.. هيموت لوحده!
► الحقن المجهرى لتفادى النوع الوراثى
► الدمرداش : لا نصرف علاجا .. وقوائم انتظار  للتحاليل.. ونحتاج تبرعات


> هنا يقف الأطفال وذووههم لتقديم طلبات الدمج

قل «داون» ولا تقل « منغولى »

«التدخل المبكر» هو كلمة السر التى تفتح أمام آباء وأمهات طفل الداون أبواب الارتقاء الذهنى والجسدى والاعتماد على النفس والانخراط فى المجتمع، وهو للأسف دور نافست فيه الجمعيات الأهلية الدولة، وتفوقت عليها. «الكاريتاس» كان الاسم الأكثر ترددا على مسامعنا ، وهو جمعية مشهرة أنشأت مركزا متخصصا «سيتى» لتأهيل الأطفال ذوى الإعاقة الذهنية بدءا من لحظة الميلاد وحتى اعتماد الشاب أو الفتاة على نفسيهما والحاقهما بسوق العمل والتوظيف .. كما قالت لنا جانيت سمير مسئولة الإعلام: نقوم أيضا بتأهيل الأسرة لمساعدتها أولا على تجاوز مرحلة الصدمة بعد الولادة والتشخيص، ولتدريب أفرادها على التعامل مع الوافد الجديد ، وتأهيل المجتمع وتقديم التدريب اللازم لأى جمعية أو أفراد متطوعين خاصة فى المناطق الريفية الفقيرة. وقد حصل برنامج التوظيف بالمركز على جائزة الأمم المتحدة العام الماضى، مشيرة لحاجة المجتمع لتغيير ثقافته بشأن الإعاقات عموما، ومنها حسن اختيار الألفاظ المعبرة عن حالتهم واستبدال كلمة «داون» بكلمة «منغولى»خاصة أن منظمة الصحة العالمية فى 1965 منعت استخدام هذا المصطلح رسميا. وتشير جانيت الي خطورة العزل الاجتماعى على شخصية طفل الداون أو اقتصار اختلاطه ومصاحبته على الأطفال مثله فقط بل يجب أن يتم إدماجه مع الأطفال العاديين. داخل الجمعية أيضا التقينا « وليد جمال» شابا فى مقتبل العشرينيات الذى تم تشغيله بالفعل كمساعد شيف فى أحد مطاعم الشاورما الشهيرة، يقول وليد: (باجهز السندويتشات وأعمل سلطات وفتة الشاورما وفى البيت باساعد ماما فى المطبخ.. باحب شغلى جدا .وعاوز أبقى شيف كبير).

الإعلام غير منصف

على الطريق الصاعد للمقطم كنا على موعد مع نموذج آخر يدفع بالأمل والإصرار فى نفوس أى أب أو أم تملكهما اليأس ومازالا يعيشان مرحلة الصدمة، «رحمة خالد» لم نكن نتخيل أن يكون المتحدث الإعلامى لجمعية «رعاية» المعنية بتشغيل وتوظيف شباب الداون مجانا .. واحدة منهم، لاتملك وأنت تجلس أمامها إلا أن تنبهر بكلامها وثقافتها العالية وإدراكها لقضايا من هم مثلها والأهم ثقتها الشديدة، بنفسها، ربما لأنها بطلة عالمية فى السباحة لديها حفنة من الميداليات الذهبية والفضية، وربما لأنها استطاعت الوصول لمرحلة التعليم العالى، حيث تدرس بكلية السياحة والفنادق، وربما لأنها تمتلك أحلاما عريضة تبدأ من الرغبة فى العمل بالإعلام ( نفسى أشتغل مذيعة وأقدم برامج وأحسن صورة الداون فى ذهن المجتمع وفى الإعلام اللى بيظهرنا مرضى ومتخلفين) ومرورا بالحلم بالبيت السعيد وفتى الاحلام (طبعا من حقنا نحب ونتجوز، المهم نختار صح حد نثق فيه ومناسب لظروفنا وقريبا هأعلن خطوبتى وهأكون عروسة حلوة زى أى بنت).

المضايقات والتعليقات أمر لم تسلم منه رحمة، خاصة أنها التحقت بمدارس بنظام الدمج، حيث وجدت فى أكثر من موقف زميلة لها تسخر من ملامحها أو من بطء قدرتها على الكتابة فلم تيأس أو تنهر وقالت لها: (صحيح باتأخر فى الكتابة لكنى بارفع اسم بلدى فى الرياضة وأنهت كلامها لنا بقولها: طبيعى نكون مختلفين لكننا بنكمل بعض).

«بقدر ما تبدأ مبكرا مع طفل الداون فى جلسات التخاطب والعلاج الطبيعى وممارسة الرياضة بقدر ماتكون النتيجة رائعة»، هذه الكلمات خلاصة تجربة أمل إبراهيم والدة رحمة ولأنها كانت تعمل فى مجال التخاطب، لذا فالصدمة لم تدم بها طويلا بل إنها شدت أزر زوجها، وأصرت على الاحتفال بسبوع قدوم رحمة للحياة، وتحدت كل المشاكل التى واجهتها فى التعليم لدرجة أنها قامت بتأسيس قسم لبطيئى التعلم بمدرسة ابتدائية خاصة، وهنا نستحضر نصيحة الدكتورة إنجى عاصم استشارية الوراثة بالمركز القومى للبحوث بضرورة الإسراع فى عرض الطفل فور ولادته على طبيب متخصص، للتأكد من سلامته من الأمراض الأخرى التى تظهر عادة مع الداون مثل الغدة الدرقية، وأمراض القلب، والمناعة.

وبالفعل استطعنا أن نلمس تأثير التدخل المبكر للأهل عندما وقفنا بداخل فصل «التهيئة» بإحدى مدارس اللغات بطريق مصر الإسماعيلية، التقينا حمزة ويوسف ومحمد وبدا واضحا أنهم يعانون صعوبات فى القدرة على تنظيم الأفكار أو الكلام، وهم يخضعون لنظام الدمج فقط فى الأنشطة الترفيهية والرحلات، أما فى الدراسة فهم يتبعون مناهج التربية الفكرية،، كما قال لنا الإخصائى الاجتماعى مروان إبراهيم، وبينما نحاول التحدث إليهم، ارتفعت أصوات الأغانى والموسيقى المبهجة فى فناء المدرسة، إيذانا ببدء الفسحة، فانطلقوا بسرعة يلهون ويلعبون جنبا إلى جنب مع أقرانهم، فاللعب والموسيقى لايعرفان الفروق الجسدية أو العقلية.

وظائف خالية

وقبل أن نغادر مقر جمعية «رعاية» تلقينا دعوة من أميرة على ـ مسئولة المتابعة ـ موجهة لكل من تجاوز عمره 18 عاما، ليتم تأهيله مجانا وتشغيله فى مصانع الغزل والنسيج والأغذية، بمرتب أساسى يصل إلى 1200 جنيه شهريا، وتقول: نجحنا فى توظيف عدد لا بأس به فى تسع محافظات والتجربة أثبتت التزام وكفاءة شباب وشابات الداون فى العمل بدون تزويغ أو إهمال أو أعذار موضحة أن التجربة أذهلت أولياء الأمور الذين فى الأغلب لايثقون فى قدرات أبنائهم بشكل كاف ويمكن التواصل سواء للراغبين فى العمل أو لأصحاب المصانع عن طريق صفحةالجمعية على الفيس بوك.

لغة واحدة تكفى

الدمج نظام يسمح للأطفال ذوى الإعاقات العقلية بالتعلم جنبا إلى جنب مع أقرانهم، باشتراط اجتياز اختبار ذكاء لا تقل درجاته عن 65، ولكن هناك سلبيات تواجه الأهل ومنها ما تضمنه بوست استغاثة من أمنية الشناوى والدة ليلى «11 سنة» التي شكت من إجبارها على أن تدرس ابنتها اللغة العربية بالرغم أن حالة الداون لا تسمح علميا بتعلم أكثر من لغة، ولأنها تدرس أصلا الإنجليزية مع شقيقتها بمدرسة خاصة، وعندما اشتكت قيل لها الاستثناء فقط لأطفال التوحد وأن مرافق الطفل هو الذى سيحل له الامتحان!! تقول الشناوى: ألا يكفى أن المدرسة الخاصة اشترطت وجود «شادو» أى معلمة مرافقة لليلى داخل الفصل تتقاضى راتبا شهريا يبلغ ثلاثة آلاف جنيه!

وأصرت على اصطحابنا لمكان تقديم طلبات الدمج الذى يزدحم قبل الدراسة بآلاف البشر المجبرين على اصطحاب أطفالهم رغم ظروفهم وطاقتهم والوقوف بهم فى طوابير طويلة مما عرض ابنتها لحالة ثورة وهياج، وذلك بزعم الطبيبة الموجودة التأكد من حالتها برغم أن ملامح الداون واضحة جدا فى الصورة المرفقة بشهادة تقييم مستوى الذكاء. عندما وصلنا اكتشفت أن المكان عبارة عن مركز شباب تابع لمديرية التربية والتعليم بالعباسية، وداخل الفناء توجد غرفة صغيرة يصطف أمامها الطابور الذى ذكرناه . احدى الموظفات قالت: المكان لا يصلح بالفعل ولكن ليس هناك بديل فى الوقت الحالى.


مؤشرات من تجارب الأمهات

النظرية تختلف فى أحيان كثيرة عن التطبيق، لذا حرصنا على الاستماع لتجارب 50 من الامهات ممن خضن بالفعل تجربة وجود ابن أو ابنة تنتمى لعالم داون فى حياتها:

تقول بسمة عبد الوهاب: «الدكتور عرف ومارضيش يصدمنا فقط طلب إيكو على القلب وتحليل كروموسومات وماعرفتش حالة «يحيى» غير بعد 45 يوما عندما ظهرت النتيجة»

وتقول هناء محمد: ماحدش قالنا حاجة وأنا حسيت بعد 3 شهور أن «روفيدة» مش طبيعية وفى دكتور قاللى إنها «كويسة» لكن فى أبو الريش عرفوها على طول. وحول التعرض لمعاملة سيئة من طبيب أو مسئول تقول وسام رشاد: اكتشفت ان طفلى لا يبكى ولا يرضع فذهبت لطبيب بمستشفى قالى: أنت مين اللى ولدك ياماما وعندك كام سنة ؟ على فكرة ابنك منغولى ! وعند التطعيم قالت لى موظفة الصحة ساخرة: هى العيال دى بتطعم زينا كده !!

هدى عبد الخالق: الدكتور ضحك عليا وقاللى «ياسين» هيخف بعد 3 سنين، ودكتور تانى قاللى سيبيه من غير أكل وشرب كده كده هيموت.

مها منير: الإخصائية الاجتماعية فى المدرسة الحكومية قالتلى أنت جايبالنا دى هنا ليه !؟

أما مضايقات الناس فى الشارع فتنوعت مابين نظرات الفضول والدهشة، ومصمصة الشفايف، والإصرار على استيقاف الأم كماحدث مع أمنية الشناوى لتسألها: هو انت وجوزك قرايب !! أو بنتك شكلها كده ليه ؟ أو محاولة إضفاء صفات تتعلق بالكرامات والغيبيات مثل وصفه بأنه طفل «بركة» أو «ولى» من الأولياء، بالإضافة ــ على جانب آخرــ لخوف الكثيرين منهم ورفضهم أن يشاركوا أطفالهم اللعب فى النادى أو فصول الدراسة بالنسبة لمدارس الدمج، لدرجة أن امرأة حاملا كانت تتحاشى النظر فى المترو لطفل الداون أمامها وهمست لمن بجوارها فسمعتها الأم تقول: «أصل العين بتلقط ».

أفراد العينة أكدوا كذلك اعتمادهم على الجمعيات الأهلية فى التدخل المبكر( العلاج الطبيعى والتخاطب ) قالت سامية إبراهيم عن مراكز التأمين الصحى: «جربتها والبنت مااستفادتش حاجة أبو بلاش بيبقى أى كلام» كما أظهر كل أفراد العينة الخوف من التحرشات، تقول والدة رحمة: لايمكن أسيبها لوحدها فى الشارع أو تركب تاكسى لأن ملامحها هتشجع أى حد أنه يتجرأ عليها

وتبين الاعتماد على الانترنت كوسيلة لفهم «متلازمة داون»

أم بسنت: الدكتور قال «منغولى» وسكت وأنا دورت على النت عشان أعرف المرض ده خطير ولا ايه؟

والمبهج أن طفل الداون يصبح بعد فترة محبوبا جدا من أشقائه، ومن المحيطين به لأنه حنون وليس عدوانيا أو إنطوائيا .

سطور ومعلومات وإحصاءات جئنا بها لنلفت انتباه كل الأطراف سواء كانت مؤسسات الدولة التى قررت أن عام 2018 هو عام ذوى الإعاقة، أو صناع القرار أوالمجتمع والرأى العام أو المقبلين على الزواج أو الواقفين فى مرحلة «الصدمة»، خصوصا أن الارقام التى توصلنا اليها تؤكد أن العام الماضى فقط ولد فيه أكثر من 4000 طفل وطفلة مصابون، الجميع يجب أن يعمل كل حسب موقعه.. لنغير عالم «داون» إلى الأفضل، قدر الإمكان .










قل: «داون» ولا تقل: «منغولى»

الطبيب البريطانى جون لانجدون داون هو أول من اكتشف ووصف هذه المتلازمة فى عام 1866 والتى أسماها «المنغولية» أو «البلاهة المنغولية» وذلك بعد أن لاحظ تشابه الأطفال فى مركز الإعاقة الذى يشرف عليه فى ملامح الوجه وخاصة العين التى تمتد إلى أعلى لتشبه العرق المنغولى أو العرق الأصفر، فأطلق عليهم اسم المنغوليين نسبة إلى جمهورية منغوليا، وظل هذا الاسم شائعا حتى أواخر سبعينات القرن العشرين، عندما اتضح أن هذه المتلازمة تحدث بسبب النسخة الإضافية من الكروموسوم 21 ولا علاقة لها بالعرق الأصفر وبعدها تم إصدار قرار بمنع استخدام اسم «المنغوليين» لوصف المرض واستبداله باسم «داون» نسبة لمكتشفه.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق