رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الحمائية».. شر بعضه خير

يسرا الشرقاوى

أكثر من تعريف.. وكلها تتفق على أن "الحمائية" هى التزام حكومة دولة ما بمنح رعاية " تفضيلية" لحماية المنتج المحلى عبر كل أو بعض الإجراءات المتعارف عليها فى هذا السياق مثل فرض رسوم جمركية على الوارد من الخارج، أو تحديد حصة بعينها لهذه الواردات لا تتجاوزها، مع قليل أو كثير من مخصصات "الدعم" ليصبح المنتج المحلى أكثر "تنافسية" سواء أمام الوارد أو فى حالة ما خرج هذا المنتج ليجابه نظائره فى الأسواق الإقليمية والعالمية.

هذا فيما يخص محاولة تقديم "تعريف" مختصر ومبسط. أما عن تقييم "الحمائية"، فأغلب الآراء السائدة حاليا تحذر وتنذر من عواقبها التى تهدد السلام الدولى سياسيا واقتصاديا وتنال نيلا من منظومة التعاون العالمي، ومن بينها منظمة التجارة العالمية، التى يفترض أنها تدير أحوال البلاد والعباد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى أول أيام ولاية الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب.

فبتولى الرئيس الجديد بدأ التطبيق الفعلى للتوجه السياسى الذى اتخذ من الـ"ترامبية" اسما، ويتضمن عدة عناصر أبرزها منح الأولوية للمصلحة الأمريكية "أمريكا أولا" وإعلاء مباديء الحمائية على مختلف الأصعدة.

فوفقا للترامبية، "الحمائية" تعنى مزيدا من الرخاء ومزيدا من الوظائف ومزيدا من الانتباه المحلى للمنتج الأمريكي.

ويعتبر هذا هو المنطق والخطاب التقليدى الذى يدعم قضية الحمائية فى كل زمان وآوان، ومعهما طبعا الربط بين ضرورية الـ"حمائية" واعتبارات الحفاظ على الأمن القومى الأمريكي.

لكن الحقيقة أن التاريخ الاقتصادى يبرهن - ولو على استحياء - أن "الحمائية" ليس كلها شرا، ولذا وجب استطلاع الأراء المؤيدة والمعارضة، حتى وإن كانت الأولى مشروطة ومحدودة.

وبما أن الأحبار سالت أنهارا فى الفترة الأخيرة للتحذير من ويلات "الحمائية" الوشيكة وما تعنيه من حروب تجارية بدأ غبارها فى العلو، وجب البدء بالاستجابة لفضول البعض والإجابة على السؤال الخجول: هل يمكن أن يكون فى "الحمائية" خير؟ والإجابة نعم بعض الخير لبعض الوقت.

ويقصد بذلك النماذج الاقتصادية التى استخدمت أدوات "الحمائية" فى فترات بعينها من تاريخها لتطوير قطاعات اقتصادية بعينها حتى تصل إلى مستويات أكثر تنافسية ورسوخا. فهناك مثلا ما كان من أمر العمالقة الآسيويين كاليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، فهذه الاقتصاديات التزمت بعض إجراءات "الحمائية" خلال عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية لتحصين قطاعات صناعية بعينها كانت مازالت فى بدايتها.

وجعل ذلك الاقتصاديات تتجاوز فكرة الانحصار فى مجالاتها التقليدية، خشية عدم القدرة على مجابهة المنتج الأجنبى الأكثر تطورا فى مجالات أخري، وتحديدا فيما يتعلق بالمجالات التكنولوجية.

ويجادل المحرر الاقتصادى لصحيفة "إندبندنت" البريطانية بين تشو عبر مقاله "كيف يمكننا التعلم من تاريخ الحمائية؟"، بأن تطبيق شكل من أشكال "الحمائية" المؤقتة، مصحوبا بسياسة واضحة لدعم الصادرات يسهم فى تدعيم معدلات النمو الاقتصادى والانفتاح التدريجى بعد تحقيق الثقة التجارية بالنسبة للقطاعات المقصود تحصينها.

ولا يمكن تجاهل أن "الحمائية" مؤقتة كانت أو بعيدة المدي، عادة ما تمنح فى البدايات دعما كبيرا للقطاعات الصناعية المحلية وللقوة العاملة المحلية أيضا.

لكن المشكلة أن "الحمائية" عادة ما تأتى لتبقى ولفترات، ومن هنا يظهر الوجه الآخر لها. مبدئيا، هناك احتمال تعثر عملية التطوير والتعليم الذاتي، ويقصد بذلك أن تحصين قطاع بعينه وبشكل مطلق بغرض تطوير قدراته قد لا يحقق المرجو منه تماما، لأنه يعنى أيضا الانغلاق أمام الخبرات الأجنبية والتجارب الخارجية، مما يؤثر على فرص الابتكار والتجديد، فينتهى بالأمر إلى نقيض هدفه، فيصبح المنتج وأقل قدرة على التنافس محليا أو خارجيا، وقد يدفع به خارج قائمة الخيارات الاستهلاكية للجمهور وبشكل تام.

بمعنى أن "الخطاب الوطني" عن دعم المنتج المحلى قد لا يجد من يستمع له إذا ما عجز هذا المنتج عن تلبية تطلعات المستهلك.

.. مأساة واقعية جدا متكررة.

ويضاف إلى ذلك فى خانة السلبيات، ما يطلق عليه " عامل الدومينو"، فالسياسة الحمائية من دولة ستستدعى إجراءات حمائية من دولة أو دول أخري، وهكذا يتم إيجاد دوائر مغلقة بما يؤثر تدريجيا على معدلات النمو فى أغلب الدول المتورطة بالمجابهة التجاربة. تشير الوقائع إلى أن الأزمة المالية التى شهدتها الولايات المتحدة عام ١٩٢٩ استوجبت بعدها حملة حمائية مرهقة أثرت سلبا على قطاعات إقتصادية كاملة.

وهناك طبعا تكلفة "الحمائية"، فهناك مثلا، ارتفاع مخصصات الدعم الذى قد تحصل عليه قطاعات بعينها. وهناك أيضا التكلفة المرتفعة لمناوءة السائد اقتصاديا وتجاريا على مستوى العالم، فتطبيق أمريكا أو غيرها لخيار "الحمائية" لا ينفى أن باقى العالم ما زال يدين بـ"تحرير التجارة"، وحرية الحركة لرؤوس الأموال.

ويعنى أيضا أن تضييق الخناق على قطاع بعينه قد يدفعه إلى نقل مصانعه وخطوط إنتاجه إلى أسواق أخرى لا تفرض تعريفات خانقة على مستلزمات تصنيع بعينها، ولا تمنع التنافس الايجابى والحر، ضريبة الحمائية فى عهد تحرير التجارة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق