رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المعارضون: «شايلوك» العصر

شريف سمير

من أبرع الشخصيات التى رسمها الكاتب الإنجليزى الشهير ويليام شكسبير، شخصية المُرابى اليهودى "شايلوك" فى رائعته "تاجر البندقية"، الذى يستغل حاجة الناس للمال ويُغريهم بالاقتراض، ثم يطالبهم بالسداد وقتما يشاء، حتى ولو اقتضى الأمر الاقتطاع من "لحم" الشخص المدين وفاء بالدين.

وفى السنوات الأخيرة، ارتسمت صورة هذه الشخصية الخيالية فى هيئة مؤسسات الإقراض الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الذى يراه خصومه بأنه يتحكم فى مصائر الدول ومستقبل شعوبها، ويقولون إن التجارب الحية تشير إلى أن دولا فشلت بالفعل وبالأرقام!

وفى مقدمة الدول التى أصابتها "لعنة" أموال القروض، تظهر الأرجنتين بعثراتها الاقتصادية المتراكمة، خصوصا بعد قرار الصندوق الأخير منذ أيام قليلة بتخصيص ٥٠ مليار دولار قرضا إضافيا جديدا على ٣ سنوات، إلا أن الماضى يطارد الحكومة الأرجنتينية التى لم تفلح فى الوفاء بهذه الديون رغم تطبيقها حرفيا برامج الصندوق من ترشيد إنفاق وخصخصة ورفع رسوم وضرائب.

وفى الوقت الذى نالت فيه تلك الدولة اللاتينية عدة قروض من الصندوق، تدنى سعر صرف البيزو الأرجنتيني، بالإضافة إلى زيادة نسب الفوائد على القروض وانخفاض الناتج المحلي، مما انعكس بدوره على تدنى نسبة العمالة مقابل ارتفاع البطالة وانخفاض مؤشر ثقة المستهلكين، فتصاعدت الإضرابات العمالية احتجاجا على تدهور المعيشة والاستمرار فى خدمة الدين البالغ ١٢٨ مليار دولار.

وانتقلت عدوى الصندوق إلى الجار البرازيلى مع بداية الثمانينيات، حيث اقترضت من الصندوق، والتزمت تماما بشروطه، أملا فى حل لأزمتها الاقتصادية، غير أن هذه الشروط أدت إلى تسريح ملايين الموظفين، وخفض أجور باقى الأيدى العاملة، وصولا إلى إلغاء دعم طلاب المدارس، وتطور الحال إلى حد تدخل دول أخرى فى السياسات الداخلية للبرازيل، وفُتح الباب أمام البنك الدولى ليفرض على الدولة إضافة مجموعة من المواد إلى دستورها تسببت فى اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية، وتفاقمت الأزمة طوال ١٢ عاما، حتى تمكنت البرازيل من سداد القروض بالكامل، إلا أنها تجرعت مرارة الاقتراض عندما وجدت أن ٢٠٪ فقط من الشعب يمتلكون نحو ٨٠٪ من أصول الممتلكات، و١٪ فقط يحصلون على نصف الدخل القومي، مما أدى إلى هبوط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، نتيجة أن نصف الشعب أصبح يتقاضى أقل من نحو ٨٠ دولارًا شهريًا، وبالتالى أدمنت الحكومة البرازيلية وقتذاك سياسة الاعتماد على "ملعقة" صندوق النقد لعلاج أى أزمة تمر بها.

وفى بيرو، طلب صندوق النقد تخفيض التعريفة الخاصة بالجمارك المفروضة على القمح المستورد من الولايات المتحدة رغم تقديم أمريكا ٤٠ مليار دولار دعما لمزارعيها سنويا، وكان لهذا الإغراء الخبيث تأثيره السلبى بشكل كبير على المزارعين فى بيرو، ودفعهم إلى إنتاج الكوكا التى تستخدم فى إنتاج الكوكايين كبديل للقمح.

ومن أمريكا اللاتينية إلى قلب أوروبا، ضربت اليونان نموذجا آخر فى التعلق بـ"قشة" الصندوق الذى استغل ارتفاع نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالى لليونان فقرر إقراض أثينا ١١٠ مليارات يورو لإنقاذها من الإفلاس بشرط اتخاذ مجموعة من الإجراءات التقشفية، ومع فشل الحكومة اليونانية فى سداد ديونها والتى بلغت ١٧٥٪ عام ٢٠١٥، اتسع نطاق الأزمة إلى المستويين الاجتماعى والسياسي، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة وخروج المظاهرات للاحتجاج على إجراءات الصندوق.

ولم يفلت الدب الروسى من "براثن" الصندوق، حيث أخذت الحكومة الروسية قروضا وصلت إلى ٢٠ مليار دولار، ولم تستطع موسكو تنفيذ سياسة الإصلاحات المفترضة، وكانت هذه هى فرصة الصندوق الذهبية ومن يديرون المؤسسة الاقتصادية العالمية للسيطرة على الطموح الروسى لمنافسة الولايات المتحدة، وصارت الديون "المصباح السحري" للتدخل فى السياسة الروسية الداخلية، ومضاعفة مشاكلها الاقتصادية.

وكان للقارة الإفريقية نصيبها الوافر من "طوفان" القروض، وإذا كان الصندوق قد فشل فى إجبار المجموعة الأوروبية على تقليل الدعم للمنتجات الزراعية التى تصدرها للعالم بأسعار منخفضة، فإنه أقنع دولة مثل غانا بإزالة التعريفة الجمركية على وارداتها الغذائية ليتم إغراق أسواقها بمنتجات أوروبا، مما حمل الضرر الكامل لمزارعى غانا نظرا لأن أسعار الواردات كانت أقل من ثلث السعر المحلي، وتسبب ذلك فى انهيار الاقتصاد المحلي.

كما خضعت زامبيا لشروط الصندوق وأزالت التعريفة على وارداتها من الملابس التى كانت تحمى بها ١٤٠ شركة للملابس، فلم يتبق سوى ٨ شركات فقط، وهو ما أضعف قدرة الدولة الإفريقية على المنافسة وتصدير منتجاتها إلى السوق العالمية فى ظل التعريفة الجمركية التى تفرضها أوروبا على وارداتها من الدول النامية، فيما عاشت تنزانيا أجواء مماثلة إثر محاولة الصندوق لتحويلها من دولة اشتراكية مفلسة إلى مساهم قوى فى الاقتصاد العالمى بتقليل الحواجز التجارية وتخفيض البرامج الحكومية وبيع الصناعات التى تملكها الدولة، وبمرور الوقت تأثرت قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي.

ويعد العراق أول دولة بترولية تضع اقتصادها تحت رحمة صندوق النقد بعد أن منحها قروضا تصل قيمتها إلى ٥ مليارات و٣٤٠ مليون دولار على مدى ٣ سنوات لدعم جهودها فى مواجهة تداعيات انخفاض أسعار البترول العالمية وضمان استمرار تسديد فوائد الديون المتراكمة، نظير التزام بغداد باتخاذ تدابير لتعزيز فاعلية قوانين مكافحة الفساد ومنع غسل الأموال والتصدى لتمويل الإرهاب، غير أن الإجراءات العراقية فى الإصلاح عجزت عن محاربة الفساد وارتفعت أعداد الفقراء، بالإضافة إلى انخفاض أسعار البترول وقلة الاحتياطى النقدى الأجنبي.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق