تلقى أزمة ارتفاع سن الزواج بظلالها علينا كمشكلة اجتماعية خطيرة، ومن بين الرسائل التى تلقيتها هذا الأسبوع حول هذه القضية رسالة من الدكتور أحمد محمود يسرى أحمد الأستاذ بجامعة حلوان يقول فيها: «فى مصر الآن ثلاثة ملايين ونصف المليون أنثى تجاوزن سن ثلاثين عاماً و لم يتزوجن، ومن المتوقع أن يزيد العدد بمرور الوقت، والسبب فى ذلك هو أن مصر بها أيضاً تسعة ملايين رجل مٌطلق ومحروم من تربية أولاده بحكم المحاكم والقانون، حيث تقع حالة طلاق كل دقيقتين! وبالتالى أصبح هناك رجل مطلق مظلوم ظُلماً كبيراً فى كل بيت مصرى، وأصبح كل شاب فى سن الزواج يرى أخاه أو صديقه «متمرمط بمعنى الكلمة» فى محاكم الأسرة وخاسراً تحويشة عمره فيُقَرر الإضراب عن الزواج ويفر منه، وللأسف فإن غالبية الزوجات للأسف بطبعهن لا يرحمن أزواجهن المتعبين والمرهقين جدا من مصاريف الحياة ومشاغلها ويحملنهم أكثر مما يستطيعون، ومتوسط تكاليف زواج أى شابين حالياً يتجاوز مليون جنيه من شقة وشبكة وأجهزة وخلافه، وبالتالى أصبح الشاب المصرى فى سن الزواج يخشى أن يخسر أمواله وأموال أهله فى زواج من المحتمل جداً ان ينتهى فى طرقات محاكم الأسرة وفقاً لقانون غير مطابق للشرع تماماً ومنحاز للزوجة حتى لو كانت هى من تُصر على الطلاق لأتفه الأسباب، وهذه هى الحال السائدة للأسف، وصار كل شاب يخاف من أن يخسر شقى عمره، أو أن يخسر أولاده ويُحرم منهم إلى الأبد، ولذلك أناشد اعضاء مجلس النواب سرعة تعديل قانون الأحوال الشخصية ليصبح متوازنا بين الزوج والزوجة، بحيث يحتوى على مواد وبنود تمثل رادعا أمام الزوجات إذا أردن هدم بيوتهن دون أسباب واقعية، مثلما هو الآن مملوء بعشرات الروادع أمام الرجال الأزواج، والهدف هو تثبيطهن عن فكرة الطلاق، ومن أهم البنود المتحتم تعديلها بقانون الأحوال الشخصية الجديد هو تخفيض سن الحضانة ليصبح كما قال الأئمة الأربعة سبعة أو عشرة اعوام للذكر، وتسعة أو أحد عشر عاماً للأنثى.
< ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لا تنحصر أضرار مشكلة ارتفاع سن الزواج على الفتاة وحدها، فلقد طالت الفتى أيضا، ومن ثمّ سوف تؤثر على المجتمع كله، ولكى نتغلب عليها يجب معرفة أسبابها، فهناك عوامل أخرى تأتى قبل العوامل الاقتصادية لهذه الظاهرة، فالتغيرات الاجتماعية التى حدثت فى القيم والأعراف السائدة فى السنوات الأخيرة، مثل ارتفاع حالات الطلاق، خاصة بين الشباب، جعلت هناك تخوفا كبيرا من الإقبال على الزواج، وزاد ذلك من درجة الانتقاء والاختيار، ومن هنا تأخرت سن الزواج، بالإضافة إلى عدم الرغبة فى تحمل المسئولية لدى الشباب، والإحباط العام، وفقدان الشعور بالأمن والثقة فى المستقبل، وهذه هى العوامل الأساسية قبل العامل الاقتصادي، الذى يتمثل فى الدخل المتدني، ومشكلة السكن، وندرة فرص العمل، والبطالة المتزايدة وقلة الإمكانات المادية للشباب، مما جعلهم يعزفون عن الزواج لعدم قدرتهم على نفقاته.
وترتب على هذا الوضع الخطير أن البعض أصبحوا يستسهلون الزواج العرفي، ويلجأون إليه، ويستصعبون الزواج الشرعي، ويبتعدون عنه لما يتطلبه من تكاليف عالية، وعلينا أن نغيّر مفهومنا وثقافتنا عن الزواج، ونؤمن بأنه سكن ومودة ورحمة بين الزوجين، ونفعّل المشاركة بينهما، ونبتعد عن تكاليف الزواج المرتفعة حتى يستطيع الشباب والفتيات الزواج وتحصين أنفسهم.. إنها مشكلة اجتماعية لها اذرع «أخطبوطية» ـ إن صح التعبير ـ تلتف حول حياتنا من كل مكان، وتتضخم نتائجها، وتهدد حياتنا، وقيمنا، وأخلاقنا، ولن يتحقق الحل بالدعوة إلى تعدد الزوجات كما يرى البعض بدعوى القضاء على العنوسة أو تأخر سن الزواج لدى الفتيات، فهى دعوة تخلو من الحكمة، فالتعدد ليس حلا بديلا؛ ولا حقا مطلقا للرجال، ومن يتخيل ذلك فهو مخطئ، فلم يشرع الله ــ عز وجل ــ تشريعا إلا لحكمة وضرورة، وقد أتاح ــ سبحانه وتعالى ــ الفرصة للرجل للاقتران بأكثر من زوجة، ولكن بشروط وقواعد محكمة، والحل الجذرى لما يسمى «العنوسة» هو تيسير سبل الزواج، والبعد عن المغالاة فى المهور، والحض على العفاف، بعيدا عن التعقيدات ومظاهر الترف، ولابد من رسوخ المفاهيم الدينية التى تشجع الشباب على الزواج كحصانة للفتى وستر للفتاة، وسيادة الأعراف والتقاليد الاجتماعية واعتبار الزواج مصاهرة وقربى وتقوية للعلاقات الاجتماعية وعدم تعرض المجتمع للإعلام الغربى وأنماط ثقافية غريبة عن ثقافته.
إن منهج التربية الإسلامية هو السياج القوى، حيث يقول تعالى: «وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم» (النور32)، وتهدد العنوسة بفساد المجتمع بكامله وذلك واضح فى حديث النبى ــ صلى الله على وسلم ــ الذى قال فيه: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير» وهو الأمر الذى يدعو إلى اتخاذ كل السبل التى من شانها حل هذه المشكلة، ولذلك لا داعى للمبالغة فى تكاليف الزواج مادام رجلا صالحا وتم التأكد من أخلاقه، وترك الزواج عن عمد مكروه شرعاً، فلقد خلق الله الرجل للمرأة، وخلق المرأة للرجل، ونظم العلاقة بينهما عن طريق الزواج وهو الوسيلة الوحيدة التى تضمن للمرأة كرامتها وعفافها، ويكمن حل المشكلات فى «الدين والقيم»، وهذه الظاهرة تستدعى علاجا فوريا قبل فوات الأوان، ولابد من استحضار البعد الدينى فى المسألة، فنحن أمة دينها الإسلام الذى يصرف العلاقة بين الجنسين داخل مؤسسة الزواج، ويتعين على الأسر خفض تكاليف الزواج، والرجوع إلى السُنَّة النبوية الشريفة، ويكون تقييم الرجل من خلال دينه وتمسكه بصحيح الإسلام، وليس من خلال مقدرته المالية، ولابد أيضاً أن تتمسك المرأة بتعاليم الإسلام، وأن تضع نصب عينيها اختيار الرجل على أساس دينه ومعاملته، وليس وفقا لقدرته المادية، كما يجب على الآباء مساعدة أبنائهم وعدم المغالاة فى متطلبات الحياة الزوجية، وهذه هى نقطة البداية نحو التخلص من شبح العنوسة.
رابط دائم: