رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نيلى كريم
تغير جلدها وتغالب «النكد» بالرومانسية

محمد حبوشة

تبدو «نيللى كريم» مختلفة تماما عما اعتادت عليه خلال السنوات الماضية من تقديم شخصيات تتسم بالكآبة والنكد، ففى مسلسلها الجديد «اختفاء» الذى يفتح جانبا من ملفات فساد فترة الستينيات من القرن الماضى غيرت جلدها تماما وغالبت النكد بالرومانسية، مؤكدة أن شخصية «نسيمة» هى الأقرب لنفسها لأنها رومانسية ومرحة و«فرفوشة» - بحسب وصفها - مشيرة إلى أنها لا تهوى تقديم الأعمال الحزينة أو «النكد» كما يراها بعض الجمهور، لكن الدور هو الذى يناديها ويحكم عليها بتقديمه، لذا فقد جاءت هذه المرة على العكس تماما من الفترة ما بين 2013 حتى العام الماضى، حيث قدمت النجمة المصرية 6 مسلسلات كبطولة مطلقة فى النكد، كانت البداية مع مسلسل «ذات» الذى أعلنت من خلاله قدرتها على تحمل مسئولية عمل درامى، الأمر الذى مهد لها دخول تجربة «سجن النسا» بثقة أكبر، وهو الذى حقق نجاحا أكبر وصولا لمسلسل «تحت السيطرة»

                  «اختفاء» .. حبكة درامية متماسكة مغلفة بطابع التشويق!

الذى أكدت من خلاله قدرتها على الاستمرار حتى مع تغيير المخرج، حيث تعاونت مع «تامر محسن» بعد تعاون مثمر مع «كاملة أبو ذكرى»، ولهذا أصبحت» نيللى كريم» فى السنوات القليلة الماضية واحدة من أهم نجمات عالم المسلسلات التليفزيونية التى انطلقت إلى عالم «نجومية النكد» كما أُطلق عليها، ولكن مع كل مسلسل كان أداء «نيللى» يتراجع حتى انهار تمامًا فى مسلسل العام الماضى «لأعلى سعر» والذى جاء مخيبا لآمال الكثيرين من عشاق فنها. حدث هذا بعد شكوى الجمهور من الشخصيات «الحزينة» أو تلك التى تميل إلى الكآبة، بعد أن باتت كلمة «نكد» لصيقة بمسلسلات «نيللى كريم»، التى أكدت نفس الملاحظة فى مسلسلها «سقوط حر» لشوقى الماجرى، أحد أقل مسلسلاتها نجاحا، قبل أن تعود لجذب الجمهور مجددا من خلال «لأعلى سعر»، لكنها لم تفارق النكد الذى أصبح سمة أساسية لها، لكن الباليرينا السابقة خالفت كل التوقعات من خلال مسلسلها الجديد «اختفاء» لكاتبه «أيمن مدحت» وإخراج شقيقه «أحمد مدحت» - وبالمناسبة هما نجلا الممثل المخضرم مدحت مرسى حيث تعاملت مع شخصيتى»بسيمة وفريدة» على أنهما عملان منفصلان، كل منهما قصة منفردة عن الأخرى، وأيضًا مختلفتان ولا يوجد أى تشابه بينهما، حتى فى الزمن كان هناك اختلاف، كما أنها لم تعتمد فى أدائها على الانفعالات الزائدة النابعة من مرض نفسى مثلما حدث ذلك مسلسل «سقوط حر»، أو التركيز على قضية الإدمان مثل مسلسل «تحت السيطرة»، أو القهر و الظلم الواقع على المرأة فى المجتمع مثل مسلسل «سجن النسا»، فالأمر كما يبدو واضحا فى «اختفاء» لا يحتاج لأسلوب الصراخ والعويل أو الضرب والعنف الظاهر بحسب الأحداث، بل يحتاج إلى أداء تمثيلى هادئ ورزين، وذلك عبر انفعالات داخلية أكثر منها خارجية، كما أن الصراع هنا غير معلن مما يشكل صعوبة قصوى على الممثلين.

ويبدو ملحوظا إنه وسط الضجيج الإعلامى حول بعض الأعمال الدرامية على شاشة رمضان، فقد شق مسلسل «اختفاء» طريقه إلى عقل المشاهد وقلبه بهدوء، إنه هدوء الثقة والجودة واحترام عقلية المشاهد، ورغم أنه يعرض على عدد قليل من القنوات، فإننا أمام عمل مختلف سواء على مستوى كتابة النص أو الإخراج أو على مستوى الأداء المتقن بين بطلى العمل «نيللى كريم ومحمد ممدوح»، فالمسلسل يقدم تيمة غاية فى الإثارة والتشويق لكنه يصوغها بنعومة بلا افتعال ولا مبالغة ولا مط فى المشاهد كما نلاحظ فى كثير من الأعمال الرمضانية، ومن هنا فقد نجح المسلسل فى جذب الجمهور المحب لدراما التشويق أو»الساسبنس»، حيث إن المسلسل فى أوله اعتمد على قوة البرق التى خطفت المشاهد إلى الحكاية المشوقة من حلقة إلى أخرى دون صخب أو دعاية مبالغ بها، وكذلك بدون حرق الأحداث التى تدور فى حقبتين زمنيتين يجمع بينها رجل واحد، هو رجل الأعمال «سليمان عبد الدايم» وملامح واحدة لشخصيتين، هما «نسيمة» و«فريدة» اللتان تجسدهما نيللى كريم.

»فريدة ونسيمة» كل منهما لديها تحولات وردود فعل فى حياتهما، ولذلك شهدتا تحولات كبيرة فى الحلقات الأخيرة مع «سليمان ونادر وشريف» لكل شخصية مع تغيير الأحداث، كما لا ننسى أن الناس متعطشة أن ترى الزمن الجميل والقديم والجمال، فضلا عن أنهم يميلون بطبيعة الحال نحو قضاء الوقت الرايق، وأيضًا يفتقدون الرومانسية، ولديهم حنين جارف للماضى، ليس للماضى كله ولكن لرومانسية زمان أو الفترة التى كان بها مزاج أكثر نحو الرومانسية الحقيقية النابعة من فرط البراءة والفطرة الطيبة التى كان عليها ذلك الزمان. وقد شهد المسلسل انتقالات عديدة فى الأزمنة، كانت البداية بين ثلاثة أزمنة فقط، الوقت الحالى وفى الستينيات وفى أثناء وجود «شريف» فى الغيبوبة، لكن مع الوقت تشعبت الأزمنة لتشمل ما قبل حادث شريف وبعد الحادث وإقامة «فريدة» بروسيا، وفى الستينيات تتذكر الشخصيات ماضيها، مما جعل بعض المشاهدين يرتبكون بعض الشئ ولا يستطيعون معرفة ما الذى يحدث ووقت حدوثه ويضطرون إلى سؤال مشاهدين آخرين، وهو ما دفع البعض منهم إلى ترك مشاهدة المسلسل، أو تنبيه الآخرين أن المسلسل صعب ولا يمكن فهمه بسهولة، فقط احتاج المسلسل إلى المزيد من التركيز كان من الممكن تفاديه إن استطاع الإخوان مدحت توظيف الانتقال بين الأزمنة بشكل أكثر سلاسة ووضوحا بحيث ينهيان حالة الإرباك تلك، ويزيلان الغموض الذى أدى إلى صعوبة استمرار المشاهدة لدى البعض ممن وجدوا مشقة فى فك طلاسم الانتقال الزمنى.

على أية حال بدت «نيللى كريم» فى أداء دور «نسيمة» متزنة إلى حد كبير، بل إنها تميزت بانسيابية فى الأداء التمثيلى مع توافر مهارات مختلفه كانت فى خدمه أدواتها دائما، فضلا عن المهارات الجسدية التى تجلت فى الرقص والإيماء إلى جانب المهارات الصوتية وحتى البراعة فى نطق العبارات، ومن ثم لجأت إلى الهدوء وعدم الافتعال الذى أخفقت فيه إلى حد ما فى أداء دورها الآخر «فريدة»، فقد جاءت انفعالاتها فى بعض المشاهد عنيفة أكثر مما يستحق الموقف، مثل إلقائها الرواية بعنف فى أثناء قراءتها دون أى مبرر درامى لذلك، وفى مواقف أخرى يظهر أداؤها التمثيلى أهدأ من هذا الموقف بكثير، لكن يبدو أداؤها إجمالا جيدا للغاية وعبر بحرفية عن طبيعة الشخصيتين.

كذلك يحسب حسن الأداء لـ «محمد ممدوح، كما يبدو فى إخلاصه للدور الذى يؤديه من خلال معايشة حقيقية فى مجتمع الدور و بإحساس صادق ، حيث حاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان بما يملكه من موهبة فنية، وربما كان هو الشخصية الوحيدة فى المسلسل التى لها نصيب الأسد فى تحول الشخصية وصعوبة تركيبها،وهو ما أعطاه المساحة بشكل أكبر كى يظهر موهبته الفريدة، وربما رأى كثيرون أنه قابلته مشكلة، فممدوح «ألثغ»، ويبدو ذلك فى عدم وضوح ألفاظ شخصية «سليمان عبد الدايم» خاصة عندما تقدّم فى العمر، وهو أمر أراه إيجابيا ويتناسب مع طبيعة الشخصية، لكن تبقى مشكلته الكبيرة فى نفَسَهِ شديد القصر (الذى ربما يكون راجعًا لوزنه) فتراه يلهث طوال حديثه تقريبًا، وهو ما يجعل سماعه صعبا إلى حد ما، لكن على أية حال فقد تقمص الشخصية المطلوب تمثيلها جيدا، بعد أن لبس جلدها والظهور فى صفاتها بقدر المستطاع وتبعا لما رسمته من معالم الشخصية وإن كان أداؤه مقيدا بأصل أو بنص مكتوب، وذلك رغم عيوب المكياج فى المرحلة ما بعد عامه الثمانين إلا أن «عبد الدايم» جسده ببراعة «محمد ممدوح» فى كل مراحل حياته.

أما محمد علاء فقد نجح بجدارة فى تجسيده لدور الرسام «نادر الرفاعى» زوج «نسيمة» حيث جاءت إنفعالاته مناسبة للمواقف المختلفة، وكانت حركته طبيعية بإيقاعها المتغير، مؤثرة فى أبدع صورة متعددة للتعبير بلغة الجسد، حينما اتخذها كوسيلة يعبّر بها عن طموحاته وآلامه وآماله ومخاوفه، فوجد نفسه يحاكى كل شئ فى حياته مستخدماً جسده بطاقته التعبيرية اللانهائية فى بناء الدلالات والمعانى التى يرسلها للآخرين، لقد أثبت علاء فى تجسيده شخصية «الرسام» إن جسد الممثل لا يخص الممثل - الشخصية فقط، بل ويخص كذلك الممثل - المبدع، لأن كل حركة جسدية من جانبه كانت لا تعبر فقط عن هذه اللحظة أو تلك من حياة الشخصية، بل تخضع كذلك لسلسلة من متطلبات المهارة التمثيلية، فكل حركه من حركات جسد الممثل يجب أن تكون محكمة، مرنة،إيقاعية، ومعبرة إلى أقصى حد- كل هذه المتطلبات لا ينفذها جسد الشخصية بل جسد الممثل الفنان، تماما مثلما فعل محمد علاء فى كل تجلياته الإبداعية مع «نادر الرفاعى» زوج وحبيب «نسيمة».

القصة جيدة والحبكة الدرامية متماسكة، حتى إن كان عدد من الأدباء اتهم المؤلف «أيمن مدحت» أنه اقتبس أو حتى استوحى قصة المسلسل من قصص قديمة لهم، وهو أمر لا يمكننى بالطبع أن أفصل فيه، خاصة أننى لم أقرأ لهؤلاء الأدباء الذين اتهموه بالإضافة إلى أن توارد الخواطر هو أمر وارد الحدوث والأفكار قد تتشابه ولكن الفيصل هو طريقة التناول، حيث إننا أمام عمل درامى مشوق، يتجول بالمشاهد بين زمنين: الأول هو زمن الأحداث، والثانى يعود بنا إلى حقبة الستينيات، لكن هذا التداخل الزمنى لا يتم بعشوائية ولا ملل وإنما يتم بعذوبة وحرفية وغموض بلا حدود، ففى كل حلقة تتكشف أسرار جديدة، وهناك تشابك مثير للأحداث دفع بنيللى كريم لخطوات بعيدة للأمام.

على أية حال جاء حوار المسلسل معقولا جدا، حتى إن كان فى بعض المواقف المفاجئة أو الفاصلة لم يكن قويًا ليثبت المشهد فى ذاكرة المشاهدين، لكن المسلسل على طول عرضه حمل عدة مفاجآت لم تكن صادمة بل هادئة وفى موضعها وكأنها تُكمل أحجية المسلسل الكبرى، كما نرى خيوطا سردية تأخذنا فى طرق عكسية، وشخصيات تنتقل من خلال مواقف جديدة من موقع الخير للشر والعكس، وهذا جزء من التشويق الذى عادة ما يلجأ إليه الكاتب» أيمن مدحت والمخرج أحمد مدحت» ليضيفا مزيدا من الغموض على أحداث قصة لا تبوح بالحقيقة بسهولة، وهناك تأجيل لحل اللغز الأكبر الذى ينتظره المشاهد من البداية، وهو إجابة سؤال محورى، وهو: ما هو مصير نسيمة وزوجها؟ هل قتل الزوج فعلا؟ ومن قتله؟ وهل ماتت نسيمة فعلا؟، لكن لى ملاحظة على السيناريو من وجهة نظرى إنه كان يحوى قدرا من الملل عبر مشاهد ومواقف لا داعى لها سوى إكمال فراغ الثلاثين حلقة، وتلك هى اللعنة التى أصيبت بها المسلسلات المصرية منذ ما يزيد على ربع قرن للاسف.

أكرر: بعيدا عن الاتهامات بسرقة الفكرة أو القصة، فإن المؤلف «أيمن مدحت» قدم لنا «سيناريو» محكما لا يترك شاردة ولا ورادة بالعمل من دون تدقيق، وكذلك أيضا أكد أن المخرج «أحمد مدحت» أصبح أحد أنجح المخرجين المصريين فى دراما رمضان، حيث لاقت أعماله السابقة مثل «شهادة ميلاد والصياد، وظرف أسود» إشادة الجمهور والنقاد، نظرا لأنه يقود فريق العمل بحرفية ويقدم فكرا جديدا على مستوى الصورة، ويبقى التصوير الجيد من أهم نقاط القوة فى «اختفاء» ، الذى تناول جميع زوايا المكان بتفاصيله دون التركيز على بؤر الزوايا فى الكاميرا دون مبالغة، وأيضا الموسيقى التصويرية لـ «تامر كروان» تعد من ضمن نقاط القوة التى تحسب لصناع هذا العمل ، حيث كانت أكثر من رائعة، ومعبرة بصدق عن طبيعة الأحداث وأضفت جوا رومانسيا هادئا ومريحا للغاية، خاصة فى أثناء رقصات «التانجو» بين «نادر» و«نسيمة» فى النصف الأول من الحلقات، كما يظهر جمال الموسيقى أيضا فى تتر البداية تحديدًا الذى يعد أفضل عنصر فى المسلسل وأكثرهم تكاملًا، حين مزج كروان موسيقاه البسيطة والمميزة فى الوقت نفسه مع المؤثرات الصوتية المأخوذة من المسلسل مثل أصوات الهمسات والتمزيق وفلاش الكاميرا، حيث تزامنت المشاهد فى التتر مع المؤثرات الصوتية لتجعل منه فى النهاية عملًا فنيًا منفصلًا ممتعًا.

حسنا فعلت «نيللى كريم» فى مسلسلها الجديد «اختفاء» بعد أن أثبتت جدارتها وأكدت أنها واحدة من أذكى نجمات جيلها بقدرتها على الاختيار، حيث غيرت جلدها بعمل جديد استطاعت من خلاله تثبيت أقدامها على القمة، عندما تلعب شخصيتين غاية فى الصعوبة هما «فريدة» و»نسيمة» وقدمت كلا منهما بمهارة وصدق، كما نجحت فى أن تمنع دموع الجمهور من النزول هذا الموسم حزنا على ما تتعرض لها فى المسلسلات، وجعلت أنفاسهم محبوسة وهم يجلسون إلى جوار «سليمان عبد الدايم» يتابعون مراقبته وحصاره لـ «نسيمة» ومن حولها، وسط عجزهم عن توقع ماذا سيفعل بهم فى المشهد التالى مباشرة، وكانت سببا مباشرا فى نجاح المسلسل منذ بداية حلقاته الأولى بفضل سيناريو «أيمن مدحت» الذى نجح فى تقديم حكاية مثيرة، بإيقاع سريع ورشيق، فضلا عن موسيقى تصويرية رائعة لـ «تامر كراون» صنعت نقلات زمنية وحافظت على الأجواء المتوترة التى لا تخلو من ميلودى رومانسى ناعم تصنعه الوتريات، معبرا عن حالة الحب القاتمة التى يكنها سليمان لنسيمة، كما أعتبر من وجهة نظرى الشخصية أن البطل الأول فى هذا العمل الفنى هو الملابس والإكسسوارات التى تم انتقاؤها بعناية تعبر عن الفترتين الزمنيتين، وأيضا ترسم شخصية أبطال المسلسل خارجيا كأنها البوابة الرئيسية التى يدخل بها المتلقى لمكنون كل شخصية تقدم على الشاشة من دم ولحم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق