أكتب إليك عن سيدة عزيزة علىّ، عمرها ثمانية وأربعون عاما، وتعمل محاضرة بالجامعة، وقد نشأت فى بيئة مغلقة تماما لقسوة والدها، وتعلمت فى دولة عربية، وحصلت فى الثانوية على مجموع عال جدا يقترب من مائة بالمائة نظرا لذكائها وتفوقها، لكن والدها أصر على إلحاقها بكلية الحد الأدنى للقبول بها أقل من المجموع الذى حصلت عليه بكثير، فالتحقت بها مرغمة، وخلال الدراسة بالجامعة توفيت والدتها فى حادث سيارة، وكانت ترافقها، فكسرت يدها، وأجريت لها جراحات عديدة، وتم تركيب شرائح بلاتين ومسامير لتثبيتها، ومرت سنوات الدراسة فى ظروف نفسية صعبة، وظلّت على حالتها من الإنطواء والخجل، وبعد تخرجها عملت مدرّسة فى إحدى مدارس اللغات، وعانت كثيرا لنيل موافقة أبيها على عملها، ولولا محايلتها وبكاؤها له لما وافق عليه، ثم تقدم لها عريس أرغمها والدها على الزواج منه، وهو يكبرها بخمسة عشر عاما، ووجدته كسولا، وطمّاعا، فهى تملك شقة فى عمارة والدها، ومن أول يوم لم يحدث وفاق بينهما، وصارت بالنسبة له وعاء للإنجاب فقط، وكم تعرضت للنزيف الحاد، والمتاعب فى تربية أولادها، وبالعزيمة والإصرار تقدمت للدراسات العليا بجامعة عين شمس، وحصلت على الماجستير والدكتوراه فى تخصص الكيمياء، ثم شاء السميع العليم أن تتقدم لوظيفة مدرس بكلية الهندسة، ويتم تعيينها فورا، وفى أثناء هذا الصراع ربت أولادها وحدها، ولم يخذلها الله فقد أكمل الأولاد تعليمهم، وهم الآن فى المراحل الأخيرة من الجامعة، وهى أستاذة محاضرة بالجامعة أيضا، ومن خلال قربى منها أراها تعانى الخوف وعدم وجود الأنيس والصديق، ولم تفكر لحظة فى حياتها ولم تلق بالا لمشاعرها، وأراها قلقة من الوحدة التى ربما تكون قريبة بعد أن يتزوج الأولاد، وإنى أسألك: أليس من حقها أن تجد الونيس والصديق والصاحب، ومن يشاركها أفكارها، وتشعر معه بالسعادة؟.
< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ينبغى أن تتوافر فى الزوج المثالى صفات مهمة أبرزها الثقة بالنفس، فهناك كثيرون من الرجال يظنون أن اختيار المرأة شريك حياتها يكون دائما اختيارا سطحياً، ومنصباً بشكل أساسى على المظهر والوسامة، لكنها فى الحقيقة ليست بهذا الفكر القاصر، خصوصا فى عالم اليوم ، إذ تبحث عن الجرأة والثقة بالنفس، والصدق، وتتطلع إلى الزوج الذى يحدّثها بصراحة فى أى مشكلة، وتسأله رأيه فى كل شئ، فيجيبها بما يراه فعلا دون أن يجاملها، فالمفروض أن كليهما مرآة للآخر.
وتعد الجدية أهم صفة تبحث عنها المرأة فى الرجل، بحيث تعتمد عليه، ويكون سنداً لها فى تخطى مصاعب الحياة ومشكلاتها وهمومها، كما تريده زوجا مستقرا هادئا متزنا، وقادرا على تحمّل المسئولية، ولديه الرغبة الصادقة فى تكوين أسرة، وإنجاب أطفال يربيهم بشكل ناجح.
إن المرأة تحتاج إلى رجل لا يفكر فقط فى حاجاته الجسدية، بل إلى صديق يستمع إليها، ويتفهم مشاعرها المتقلبة، وزوج يحتويها، ويكون مستودعاً لأسرارها، ولا يلومها على قراراتها «الخاطئة»، بل يعزز ثقتها بنفسها وإحساسها كامرأة، ويصححان معا مسارهما فى الحياة، كلما اقتضى الأمر ذلك، بمعنى أنها تحتاج إلى زوج يقوم بدور الحبيب والصديق معاً، وبالطبع فإن صديقتك لم تعش هذه المشاعر والأحاسيس، فكان طبيعيا ألا تستمر حياتها مع والد أبنائها على النحو الذى ينبغى أن تكون عليه علاقة الأزواج بزوجاتهم، وقد فهمت من ثنايا رسالتك أنهما قد انفصلا بالطلاق، ولم يعد له وجود فى حياتها، وإذا كان الأمر كذلك، وترغب فى شريك حياة جديد كما ذكرت، فأرجوها أن تتواصل معنا، وأن تنسى الماضى بكل ما فيه من آلام، فربما يأتيها من يعوضها خيرا عما لاقته من متاعب، ويكون لها نعم الزوج والونيس والصديق.
رابط دائم: