دماء تكسو الشوارع..جثث متناثرة..مباني مدمرة.. تلك هي الصورة التى ربما لاتزال مرتبطة في أذهان البعض بالعاصمة الشيشانية «جروزني» .. التى تجرعت الكثير من ويلات الحرب بعد ما لحق بها من أضرار بالغة نتيجة للعمليات القتالية, التى جرت بها في تسعينيات القرن الماضي عندما تدخل الجيش الروسى بقوته وعتاده برا وجوا لقمع الحركة الانفصالية التى قادها عدد من المقاتلين الشيشان, وما خلفته من ضحايا وتدمير لبنيتها التحتية حتى أطلقت عليها الأمم المتحدة في عام ٢٠٠٣ «المدينة الأكثر تدميرا في العالم».
ورغم الشعور المروع الذي كان ينتاب مواطنيها آنذاك ويؤرقهم ليلا نهارا, بعدما أصبح الاستقرار حلما بعيد المنال, وباتوا يشعرون بأن عاصمتهم «جروزني», التى تعني باللغة الشيشانية «مدينة الرعب» كان لها نصيب كبير من إسمها إلا أن هذا أصبح مجرد صورة باهته من الماضي بعدما نجح أهلها في التعافي من الحرب وويلاتها, التى لم تنجح في النيل من عزيمتهم وإصرارهم, بل سعوا بكل ما في جهدهم لمحو كل ما تركته من أثار دمار, ونجحوا في استعادة استقرارهم وسعادتهم حتى صنفت كـ «أكثر المدن سعادة» في روسيا طبقا لما ذكرته صحيفة «ذا موسكو تايمز» الروسية عام ٢٠١٢, وذلك بعد أن تحولت «جروزني» لواحدة من أجمل المدن الأوروبية, التى تجمع بين رونق المعالم الأثرية وروعة المباني الحضارية وسحر الطبيعة الخلابة وهو ما انعكس في اختيارها من ضمن المدن التي تستضيف الفرق المشاركة في كأس العالم, لتكون مقر إقامة منتخبنا الوطنى.
فعلي ضفتي نهر سونزها ورافد نهر تيريك تقع «جروزني»، التي تبلغ مساحتها ٣٢٤ ألف كيلو متر مربع, ويبلغ عدد سكانها, طبقا لأخر إحصاء في عام ٢٠١٥, حوالي ٢٨٣ ألف نسمة. وتعود بداية تأسيسها لعام ١٨١٨ حول قلعة «جروزنايا», التى بناها «ألكسي يرمولوف»، الذي كان قائد الجيش الروسي في القوقاز حيث أصبحت موقعا عسكريا للإمبراطورية الروسية التى لعبت دورا هاما خلال حرب القوقاز. وبعد انتهاء الحرب, وتحديدا في عام ١٨٦٩, تحول اسمها لـ «جروزني»، وكانت تشهد نموا اقتصاديا بطيئا آنذاك حتى تم اكتشاف النفط بها في عام ١٨٩٣ وسرعان ما أصبحت أحد أكبر المراكز الصناعية في القوقاز.
ويوجد في جروزني عددا من القلاع التاريخية العملاقة والمساجد الفخمة ذات الطراز المعماري الخاص أشهرهم، مسجد «قلب الشيشان»، أو كما يطلقون عليه مسجد «احمد قادروف»، الذي شيد بمساعدة عدد من المهندسين والعمال الأتراك، وهو علي نفس طراز المسجد الأزرق «السلطان أحمد» الشهير باسطنبول. ويعد «قلب الشيشان» المسجد الأكبر في أوروبا حيث يتسع لنحو ١٠ آلاف مصلي، وقد تم بناءه خلال عامين فقط وأفتتح عام ٢٠٠٨، وهو مزين من الداخل والخارج بالرخام الأبيض وتحمل جدرانه كتابات بالذهب، وبه ٤ مآذن يصل ارتفاع كل منها لـ ٦٢ مترا, كما تعد كنيسة سانت مايكل أو «كاتدرائية الملاك» وهي الوحيدة بالشيشان، من أبرز معالمها أيضا, و يعود بناء هذه الكاتدرائية للقرن الـ ١٩، وعقب تعرضها لأثار تخريبية خلال الحرب تم ترميمها عام ٢٠٠٦. ويعد المتحف الوطني للشيشان، الذي تم افتتاحه في عام ٢٠٠٥، واستخدم في بنائه نوع من الحجارة مشابهة لتلك المستخدمة عادة في بناء منازلهم وقلاعهم، واحدا من أهم المتاحف بجروزني. أما شارع «النصر»، الذي يعد واحدا من أهم شوارع المدينة حيث يحمل طابع مميز يجمع بين الشكل الكلاسيكي واللمسات العصرية ويضم نحو ٧٠٠ شجرة، فقد قام الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف بتحويل اسمه في عام ٢٠٠٨ لشارع «فلاديمير بوتين» تكريما للرئيس الروسي الحالي، وهو ما تسبب في جدل كبير واتهام عدد من معارضيه له بأنه يشجع علي «عبادة الشخصيات». وتسعي جروزني لجذب عدد كبير من السياح من عاشقي الفن والعلم والمعرفة والرفاهية بما لديها من ناطحات سحاب وفنادق فخمة ومؤسسات تعليمية شهيرة إلي جانب عدد من المسارح الكلاسيكية والحديثة.
مجمع ناطحات السحاب المطل على نهر سونزها
كنيسة سانت مايكل
طريق بوتين «النصر سابقا»
رابط دائم: