كل شيء فيها ينبئ بمدى الرقى والنظام, الخطأ فيها ممنوع، رمى المخلفات أو مضغ العلكة فى الشارع يكلفك غرامات مالية باهظة وربما يزج بك إلى السجن, لا شيء متروك فيها للمصادفة، فمخططات المدينة جاهزة حتى عام 2030, إنها سنغافورة أو«مدينة الأسود» والتى ستكون على موعد مع احتضان أول قمة تاريخية تجمع بين رئيس أمريكى وزعيم كورى شمالى. ففى الثانى عشر من شهر يونيو الحالى ستتجه أنظار العالم كله إلى تلك الجزيرة الصغيرة، التى تحوى مجموعة جزر أخرى أصغر ربما أشهرها وأكثرها جذبا للسياح جزيرة سنتوسا لمتابعة اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون, والذى يستعد له البلد الصغير بإصرار على النجاح وستتحمل سداد بعض تكاليفه,..
وقد وقع الإختيار على جزيرة سنتوسا وتحديدا فندق كابيلا لإستضافة القمة نظرا لبعده عن التجمعات السكنية وبالتالى سهولة تأمين الزوار.
وبنظرة خاطفة على خريطة سنغافورة أو«مدينة الأسود» كما أطلق عليها أحد ملوك ماليزيا قديما لإيمان شعبها بأن الأسود توفر الحماية, سنجد أنها جزيرة صغيرة جدا لا تتعدى مساحتها 722 كيلو متر مربع, ذات أغلبية صينية وتحيط بها بلاد شرق آسيا (أندونيسيا، ماليزيا، بروناي), وستعجب أكثر عندما تعلم أن سنغافورة كانت جزءا من ماليزيا و لم تنفصل إلا فى عام 1965, وقتها دار سؤال بالأوساط العالمية السياسية: ''كيف تتجرأ سنغافورة على الاستقلال عن ماليزيا وهى جزيرة مجهرية بمحيط شاسع مليء بأسماك القرش المفترسة والحيتان القاتلة؟
الحقيقة أن هناك عوامل كثيرة جعلت سنغافورة رغم صغرها وجاذبيتها الآسرة أكثر أرض آمنة فى حزام المحيط الهادى، إن لم تكن بالعالم.
فتلك المدينة التى تحارب البحر لتوسع من نفسها هى أول مدينة تشرق عليها الشمس، ونظرا لقربها من خط الاستواء فهى تتمتع بدرجة حرارة ثابتة طوال السنة، لذلك تستفيد من ذلك سياحيا، كما أنها حققت إنجازات اقتصادية هائلة فهى تضم أكبر بنوك العالم وخلال أربعة عقود فقط قفزت لتصبح أهم رابع مركز مالى فى العالم فضربت أفضل الأمثلة للإنجاز الاقتصادى السريع ليصبح دخل الفرد 30 ألف دولار، كل ذلك بفضل سياسة الاستثمار الحكيمة وتشجيع الصناعات المختلفة والخدمات, حيث تطور مرفأ سنغافورة إلى خامس مرفأ فى العالم بسبب أهمية وفاعلية نشاطه الاقتصادي, كما كانت أسرع دولة فى تخطى الأزمة الاقتصادية العالمية ووصل الانتعاش الاقتصادى بها إلى 17.9%. كل ذلك وهى لا تحتوى على أى موارد طبيعية تذكر تساعدها فى النمو أو قوة بشرية كبيرة حيث يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة فقط.
أما مبانيها ذات الالوان الزاهية فهى لوحة فنية قائمة بذاتها, خاصة المساكن الشعبية التى تبنيها الدولة ويدفع المواطن 80% من ثمنها والباقى يقسط على البنك, ورغم اختلاف الأعراق فى سنغافورة إلا أن الشعب ودود بطبعه وتجمعه ثقافة المواطنة وتقبل الآخر, كما أن التعليم شيء أساسى فى تلك الجزيرة الصغيرة حيث يجيد حوالى 91% من سكان سنغافورة القراءة والكتابة، وتعد هذه النسبة من أعلى النسب فى جنوب شرقى آسيا. لدى سنغافورة أربع لغات رسمية هى: الإنجليزية، والصينية (الماندرين) والماليزية، والتاميلية, وتعتبر اللغة الماليزية هى لغة البلاد القومية, ولكن انتشار الإنجليزية بشكل كبير ساهم كثيرا فى رواج السياحة هناك.
المدينة لا تزرع ولا تحصد حتى إنها تستورد الماء من ماليزيا إلا أنها أصبحت جوهرة العالم, فشوارعها أكثر نظافة من مونت كارلو ومبانيها أكثر حداثة من ناطحات السحاب الأمريكية, ولذلك يعتمد اقتصادها بشكل كبير على السياحة، فجزيرة سنتوسا وحدها تجذب حوالى 5 ملايين سائح سنويا, ليس فقط لما تتمتع به من شوارع مضاءة بروعة تفوق الخيال، وشبكة مواصلات ممتازة ورخيصة التكلفة، ولكن لانخفاض معدلات الجريمة بها، رغم أن عدد رجال الشرطة فى الشوارع محدود وذلك لوجود كاميرات المراقبة فى كل مكان. ومن أهم أسباب نظافة سنغافورة أنها «بلد الممنوعات» وذلك لوجود لائحة من الممنوعات لا يمكن تجاوزها ومن يجرؤ على ذلك سيدفع غرامة قيمتها ٥٠٠ دولار، وتهدف قائمة الممنوعات إلى الحفاظ على نظافة البلد فى المقام الأول, وتشمل القائمة منع مضغ اللبان أو التدخين فى الأماكن العامة أو البصق على الأرض أو إلقاء أى نفايات أو أوراق فى الأرض, كل ذلك ساعد على تحويل البلاد إلى نموذج فى التمدن والنظام والنظافة فى زمن قياسى.
جزيرة سنتوسا ليست المقصد السياحى الوحيد, فهناك أيضا حديقة الاوركيد التى تعتبر أحد أشهر معالم سنغافورة وهناك تقليد خاص بالرؤساء وكبار المسئولين الذين يزورون المدينة وهو الذهاب إلى حديقة الأوركيد وتسمية وردة باسمه، ومن أشهر زائريها الملكة إليزابيث.
أما مدينة «يونيفرسال ستوديوز» ستشعرك أنك فى أحد أفلام هوليوود, فقد استورد القائمون عليها أشجارا خاصة من البرازيل لتغطى مساحات خضراء كبيرة, هى مدينة سياحية متكاملة تحوى قسما لمحبى الشخصيات الكرتونية وأخرى للمهتمين بمشاهيرهوليوود وأخرى مخصصة للفراعنة ومحبى فيلم المومياء.
وهناك أيضا «سنغافورة فلاير» أو «عجلة سنغافورة» العملاقة الأعلى فى العالم، إذ يبلغ ارتفاعها حوالى 165 مترا ومؤلفة من 28 كبسولة وتتسع كل منها لـ28 شخصا, والإصرار على رقم 28 مقصود لأن الصينيين يعتقدون أنه رقم يجلب الحظ, وخلال ركوبك العجلة سوف ترى أجمل الأبنية والهندسة المعمارية.
أما برج «تايجر سكاى» يصعد بك من أسفل البرج إلى الاعلى لمسافة ستين مترا عبر دورانه من اليمين إلى اليسار، وبالعكس وسترى من خلاله المدينة بكل ما تحتويه ومن جميع الاتجاهات ونسبة الأمان به مرتفعة للغاية.
ورغم كل ذلك هناك على الدوام جانب سلبى لكل مدينة, فتكاليف المعيشة فى سنغافورة تتزايد بشكل جنونى خاصة عند مقارنتها بالدول المجاورة مثل إندونيسيا وماليزيا، فطبقا للبيانات تعد سنغافورة أغلى مدينة فى العالم!
رابط دائم: