إن الظاهرة التى تحيرنى، والتى انتشرت بشكل مخيف فى مجتمعنا هى عزوف الشباب عن الزواج، وانتشار العنوسة بين البنات، وكم نقرأ عن دراسات ونسمع عن حلول لكنها تظل فى النهاية حبرا على ورق، وإنى أسألك: ما هو السبيل لعلاجها من الواقع العملى الذى نحياه الآن، وفى ظل الظروف الإقتصادية التى نعانيها.
< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
هناك حلول سهلة وبسيطة ومنها عدم المغالاة فى المهور، وفيها قال النبى ــ صلى الله عليه وسلم - «أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة»، فمن أبرز أسباب العنوسة، ارتفاع المهور، وتكاليف حفلات الزفاف، والأثاث، والزيادة المستمرة فى أسعار الذهب والعقارات والشقق السكنية، وغيرها من متطلبات الزواج، لكن الأسباب الاقتصادية ليست هى السبب الوحيد فى انتشار العنوسة، إذ تغيرت معايير الزواج فى وقتنا المعاصر، حيث توجد نسبة كبيرة من الشباب المقتدر ماديا لكنهم عازفون عن الزواج لأسباب كثيرة تختلف من شاب إلى آخر، فمثلا هناك من يفتقد التكامل العاطفى داخل الأسرة نتيجة انشغال الآباء والأمهات وعدم اهتمامهم بسلوك أبنائهم؛ وتركهم لوسائل الإعلام والأصدقاء، يشكلون ثقافتهم الجنسية والزوجية غير السليمة، ومنهم من يرى مشاكل فى بيته فتنعكس سلبا على نفسيته، فيفضل العزوبية، ويمر بعض الشباب بتجارب فاشلة فى الارتباط، فيكرهون الجنس الأخر، وهناك عوامل أخرى كثيرة منها أن بعض المتزوجين للأسف ينفّرون أصدقاءهم من الزواج.. أيضا فإن بعض الشباب يرونه مسئولية، وهم يريدون أن يعيشوا بلا قيود، وأمثال هؤلاء الشباب يحتاجون إلى معرفة أن قيمة الزواج تكمن فى الاستقرار النفسى.
وعلى جانب آخر فإن تأخر سن الزواج والعزوف عنه يخلقان أنواعاً أخرى من الزواج غير المعترف بها رسميا مثل الزواج العرفى الذى يؤثر على «العنوسة» لأن شيوعه أدى إلى انعدام الثقة لدى كثيرين من الشباب فى الحصول على شريكة حياة مناسبة، خاصة لدى هؤلاء الذين تورطوا فى مثل تلك العلاقات.
وأننى لا أحبذ تعبير «قطار الزواج»، فعند سن معينة يطلقون هذا التعبير السيئ على المرأة، لتصبح على «قارعة الطريق»، فيقال عنها الكثير وتبقى محط استفهامات وتساؤلات ونظرات الجميع المستنكرة، أما الرجل فهو القطار الذى يتجاوز كل القوانين بما فيها نظرة المجتمع المؤلمة!
إن منهج التربية الإسلامية هو السياج الآمن والقوى فقد قال الله ــ عز وجل ــ: «وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (النور 32)، ولا شك أن مشكلة ارتفاع سن الزواج تهدد بفساد المجتمع وذلك واضح فى حديث النبى صلى الله على وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير» وهو الأمر الذى يدعو إلى اتخاذ كل السبل التى من شأنها حل هذه المشكلة، ولذلك لا داعى للمبالغة فى تكاليف الزواج، ولنعلم أن حل كل المشكلات يكمن فى «الدين والقيم»، وهذه الظاهرة تستدعى علاجا فوريا قبل فوات الأوان، وليبدأ كل منا بنفسه.
رابط دائم: