بعد أن تأكد عقد القمة التاريخية بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون في موعدها في سنغافورة يوم الثلاثاء المقبل، يتساءل العالم .. ما هى السيناريوهات المطروحة للقمة.. وهل سوف تنجح فى حل الأزمة «النووية» مع كوريا الشمالية وتتحول بيونج يانج إلى دولة «سلمية» ـ بالمفاهيم الأمريكية ـ بحيث لا تهدد الأراضى ولا القواعد العسكرية الأمريكية فى كوريا الجنوبية واليابان، كما لا تهدد جيرانها فى سول وطوكيو بالدمار الشامل أو إزاحتهما من على الخريطة ـ كما كانت تفعل فى السابق؟
وهل يمكن أن تفشل القمة وتعود اللغة العدائية والتهديدات والتجارب النووية والصاروخية من جانب كوريا الشمالية والتهديد بالمزيد من العقوبات من جانب واشنطن؟
كل تلك التساؤلات وغيرها عن مضمون الصفقة التى يتم إبرامها سرا حاليا، ومن المرجح أن يوقع عليها الزعيمان فى قمة سنغافورة تطرح الآن فى أركان العالم وثمة ست عواصم عالمية يجرى فيها العمل ليل نهار ـ لإتمام القمة وخروج الصفقة المقترحة بصورة ناجحة، هى واشنطن، وبيونج يانج بشكل أساسى ثم سول وبكين اللتان يهمهما نجاح القمة وبذلتا جهودا دءوبة وقوية لإتمام قمة ترامب ـ كيم، ما بين وساطة وضغوط وأشياء أخرى.
ثم هناك طوكيو التى من المؤكد أن نجاح القمة وزوال التهديد النووى لكوريا الشمالية سوف يزيح الكثير من القلق والخوف من فوق أكتافها حتى وإن كانت لها مطالب لم تلب حتى الآن، ولكنها تدرك أنها سوف تلبى لاحقا، ثم هناك سنغافورة ـ الدولة الجميلة التى تستضيف القمة على أراضيها التى لا تزيد على ٧٠٠ كيلو متر مربع، ولكن بتأثير دولة كبرى نجحت فى وضع نفسها على أفضل مكان فى خريطة العالم.
وتعد المحادثات والمساومات الجارية حاليا فى السر ما بين رجال مخابرات ومسئولين ومتخصصين فى كوريا الشمالية والولايات المتحدة هى الأصعب والأعنف من نوعها، لأنها تبحث عن حل أزمة عمرها يزيد على ستة عقود - خلال أيام معدودة - حيث نشبت الأزمة عقب انتهاء الحرب الكورية فى عام ١٩٥٣، ثم تفاقمت بعد إعلان كوريا الشمالية عن برنامجها وطموحاتها النووية والصاروخية، . والواقع أن القمة الأمريكية ـ الكورية الشمالية لن تحل فقط ـ إذا نجحت ـ الأزمة النووية والصاروخية لحكومة بيونج يانج، بل إنها ستعيد صياغة سياسات وتوجهات الدولة برمتها.. من دولة تنفق أكثر من ٧٠٪ من دخلها القومى على الإنفاق العسكرى وإجراءات التجارب النووية والصاروخية وتهديد جيرانها وغيرهم إلى دولة «سلمية» متعاونة تكرس كل دخلها القومى لدعم اقتصادها المنهار ورفع مستويات المعيشة لمواطنيها.
ومن هنا تأتى صعوبة ومعاناة المفاوضين الجالسين حاليا ليل نهار على الموائد مهمتهم المساومة وتحقيق أفضل النتائج لبلادهم قبل القمة.
وبالطبع لا يمكن إنجاز كل تلك الملفات خلال أيام، ولكن يجرى حاليا إعداد «مسودة المبادئ» الرئيسية التى سوف يتم فى ضوئها التفاوض والمساومة بعد انتهاء «مولد» قمة سنغافورة.
وهناك العديد من المقدمات التى تشير إلى أن قمة كيم وترامب سوف تحقق نجاحا كبيرا.. وأنه من الصعب العودة إلى الوراء، خاصة من جانب كوريا الشمالية.
أولا: أن ثمة إعجابا شخصيا من جانب ترامب بشخصية الزعماء الأقوياء فى العالم.. فهو من قبل أبدى إعجابه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والرئيس الصينى شى جين بينج، وزعيم كوريا الشمالية كيم كونج أون. وأعتقد أنه على المستوى الشخصى سوف ينجح الزعيمان فى إقامة علاقة شخصية دافئة نظرا للسمات المتقاربة و«الفكر الشعبوى» الذى يؤمن به الرجلان.
ثانيا: أن نظام كيم جونج أون اتخذ قرار التفاوض مع الولايات المتحدة وانتهى الأمر، وأنه لا عودة إلى الوراء.. ويدرك أن الملف النووى والقدرات الصاروخية التى يمتلكها هى حجر الزاوية فى أى حوارات أو مفاوضات مع الولايات المتحدة، ويجمع المحللون على أن حكومة بيونج يانج كانت تصعد بشكل عنيف من تهديداتها وتجاربها النووية والصاروخية حتى تصل إلى حافة الهاوية مع واشنطن لتحقيق مطلبها الأول وهدفها الرئيسى وهو التفاوض مع الولايات المتحدة أو «المعلم الكبير» ، إدراكا منها بأن الحل والعقد هو فى البيت الأبيض، فى واشنطن فقط، وليس فى سول أو بكين أو طوكيو أو حتى موسكو! ولهذا أطاح كيم بقيادات عسكرية كبيرة منذ أيام معارضة لنزع السلاح النووى.
ثالثا: أن ترامب ـ على عكس رؤساء أمريكا السابقين ـ لا يريد تورط الجنود الأمريكيين فى حروب خارجية مجددا، ويرى أن إنفاق أمريكا مليارات على الحروب فى أفغانستان والعراق والصومال ونيكاراجوا وغيرها للإطاحة بـ«نظم ديكتاتورية» كان خطيئة أمريكية لن تكررها إدارته.
وبالتالى.. فإذا كان ممكنا التخلص من التهديدات الكورية الشمالية دون اضطرار أمريكى لخوض حرب «فيتنامية» جديدة فى آسيا، وعبر التفاوض حتى وإن كانت المساومات طويلة ومعقدة، فهو أفضل لأمريكا من مقتل جندى وإنفاق دولار فى حرب!
رابعا: أن ترامب يريد أن يقدم من نجاح تجربة كوريا الشمالية «درسا» لإيران فهو بدعم إسرائيلى وخليجى غير راض عن الإتفاق النووي مع طهران ولن يرضى هو واليهود الذين احتلوا البيت الأبيض فى عهده إلا بنزع كامل لأى قدرات نووية لإيران أو غيرها فى المنطقة.
خامسا: أن ترامب فى حاجة ملحة إلى تحقيق إنجازات خارجية لدعم إدارته التى تتعرض لهزات قوية وضغوط تسحب من شرعيته تدريجيا، خاصة فيما يتعلق بالتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية المتهم بالتورط فيها أفراد من عائلته ومسئولون حاليون كانوا ضمن فريق حملته الرئاسية.
ولكن هل فعلا سوف توافق كوريا الشمالية على نزع أسلحتها النووية وقدراتها الصاروخية؟ وما هو المقابل؟
لم يعد ثمة شك فى أن حكومة بيونج يانج مستعدة للتخلى عن طموحاتها النووية والصاروخية، بل إن أكثر من مسئول كورى شمالى، بمن فيهم كيم كونج أون نفسه، أكد استعداد بلاده للتفاوض حول ذلك، وهو ما أكده أيضا الرئيس الكورى الجنوبى مون جاى آن، عقب لقائه الأخير منذ أيام مع كيم.
ولولا ذلك، لما كان ترامب وإدارته وافقا على عقد لقاء قمة، من المؤكد أن التخلص من الملف النووى لكوريا الشمالية لن يتم بين يوم وليلة أو صبيحة القمة، لكن سوف تكون هناك مفاوضات ومساومات طويلة حول الضمانات التى سوف تحصل عليها كوريا الشمالية مقابل ذلك.
هل سوف تطرح كوريا الشمالية مطالب مثل إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى فى آسيا ورحيل القوات والقواعد الأمريكية ـ ٥٤ ألف جندى فى اليابان، ونحو ٣٠ ألفا فى كوريا الجنوبية ـ أو وقف المناورات العسكرية المشتركة مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية؟
يشير المحللون إلى أن مثل هذا المطلب لن يكون من الممكن قبوله أو حتى التفاوض بشأنه من جانب إدارة ترامب، فالقوات والقواعد الأمريكية فى آسيا إستراتيجية طويلة الأمد لخدمة المصالح والأهداف الأمريكية فى القارة، ومن غير الممكن أن يتم التفاوض حولها أو طرحها للنقاش من جانب إدارة ترامب كورقة تفاوضية مع كوريا الشمالية.
إذن ما هى الضمانات التى سوف تحصل عليها كوريا الشمالية مقابل التخلص من أسلحتها النووية؟
تشير المعلومات المتاحة إلى أن الولايات المتحدة سوف تقدم ضمانات لعدم سعيها للإطاحة بنظام كيم جونج أون، أو تغييره، وتقديم مساعدات مالية وتكنولوجية من جانب اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة لدعم الاقتصاد الكورى الشمالى المنهار ومساعدة بيونج يانج فى التحول من الصناعات العسكرية إلى الصناعات المدنية، وتفكيك المفاعلات النووية، وهو ما أشار إليه ترامب عندما قال إن اقتصاد كوريا الشمالية واعد، وإنه سيكون واحدا من أفضل الاقتصادات فى العالم، واعتقادى أن واشنطن وبكين يعملان من أجل تطبيق «نموذج فيتنام» على كوريا الشمالية، بمعنى أن يظل الحزب الشيوعى حاكما.. ويظل كيم كونج أون على رأس النظام وأن تطبق الدولة فى بيونج يانج اقتصاد السوق ونهج سياسات انفتاحية لجذب المستثمرين الأمريكان واليابانيين والكوريين الجنوبيين والصينيين.
الخلاصة أن قمة سنغافورة بداية تحول كبرى لدولة كوريا الشمالية التى عرفناها.. وربما بعد سنوات قليلة سوف ترى كوريا الشمالية جديدة أو دولة كورية واحدة وموحدة.
رابط دائم: