ربما لم يقم ترامب ببناء الحائط المزمع إقامته على الحدود مع المكسيك لوقف تدفق الهجرة غير الشرعية، لكنه نجح حتى الآن فى وقف الهجرة وردعها بسبل أخرى أكثر فعالية، فما زالت تتواصل الاعتقالات وترحيل آلاف المهاجرين الآخرين الموجودين بالفعل فى الولايات المتحدة لعقود من الزمن إضافة إلى التهديد ونشر ثقافة الخوف.
وقد تم بالفعل تحذير أكثر من مليون مهاجر، معظمهم من بين أفقر الناس فى الولايات المتحدة، من أنهم سيواجهون الترحيل، لأن البيت الأبيض يريد إنهاء قوانين الحماية الممنوحة لأبناء المهاجرين غير الشرعيين الذين فروا للولايات المتحدة ومعظمهم من امريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبى أو بعد أن وقعت كوارث طبيعية فى بلادهم، ومعظم هؤلاء المهاجرين فقراء ويقومون بالوظائف التى لا يرغب الأمريكيون فى القيام بها.
وتشير التقديرات إلى أن حاملى حق الإقامة المؤقتة من السلفادور وهندوراس وهاييتى يساهمون بمبلغ مليار دولار فى الأجور، قبل الضريبة، أو الدخل السنوى فى الناتج الإجمالى المحلى لأمريكا، وقدرت مساهماتهم الإجمالية فى الضمان الاجتماعى بأكثر من ٦٫٩ مليار دولار على مدى عقد من الزمن. وبينما ركز أسلاف ترامب من الرؤساء، مثل أوباما وبوش، على ترحيل المجرمين وأولئك الذين يشكلون تهديدات للأمن القومي، فقد جعل ترامب مجرد عدم توثيق وضع المهاجرين رسميا من أولويات ترحيلهم.
وبالفعل ازدادت عمليات اعتقال المهاجرين غير الشرعيين رغم أنهم ليسوا مجرمين بنسبة ١٥٠٪ فى أوائل عام ٢٠١٧، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. والمفارقة أن من هؤلاء الناس من عاشوا وعملوا بشكل قانونى فى الولايات المتحدة منذ عقود.
وحتى المهاجرين المؤهلين للحصول على البطاقات الخضراء، التى تكفل حق الإقامة الدائمة، مهددون بالترحيل بينما مازالت قضاياهم معلقة.
ومن جانبها، فقد علقت المحاكم الفيدرالية تنفيذ بعض الإجراءات التى اتخذها ترامب بشكل مؤقت، كما فعلت فى العام الماضى عندما أوقفت حظر السفر على ثمانى دول مسلمة باعتباره إجراء غير دستورى وعلى أساس ديني، لكن الرئيس لديه قدر كبير من حرية التصرف بشأن مسائل الهجرة وقد تركت عمليات الترحيل التعسفية الآلاف من مواطنى الولايات المتحدة من دون أمهات وآباء وأزواج وزوجات وأخوة كانوا يعتمدون عليهم للحصول على الدعم العاطفى والمالي.وهكذا، فقد أصبح هؤلاء المهاجرون رهائن بشرية فى معركة هزلية بين البيت الأبيض والكونجرس. ويواصل ترامب إقناع الكونجرس إلى إنه بحاجة إلى تغيير قوانين الهجرة وإصلاح نظام يعانى من الخلل، ولكنه يقول أيضا إن أى إصلاح تشريعى قد يوقف عمليات الترحيل يجب أن يشمل تمويل جداره الذى تبلغ قيمته حوالى ٢٥ مليار دولار.
ومع ذلك، وبالنسبة إلى رجل يقول إنه يريد “جعل أمريكا رائعة مرة أخرى”، فقد يحسن صنعا إذا نظر فى المساهمة الاقتصادية لبلد مليئة بالمهاجرين غير الشرعيين، إذ أن المهاجرين الذين لم توثق أوراقهم بعد يساهمون بنحو ١١٫٦ مليار دولار ضرائب فى الاقتصاد سنويا، وقد يكون من المفيد أيضا أن يتذكر أن هناك ٥٨ مليونا من اللاتينيين فى البلاد، والعديد منهم من الشباب، فى سن التصويت فى الانتخابات.
رابط دائم: