«تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن»، فقد أرادت الولايات المتحدة الأمريكية حصار ومعاقبة حزب الله وقادته سياسيا وماليا، نكاية فى إيران لوجودها فى سوريا ولمشروعها النووي، حيث أرادت أمريكا، أن يخسر حزب الله فى الانتخابات النيابية اللبنانية مطلع الشهر الحالي، وبالتالى يخسر وجوده نيابيا ولاحقا حكوميا، ولكن الأمور سارت عكس ما أرادوا، فحصل حزب الله وحلفاؤه على ما يفوق 67مقعدا نيابيا من 128مقعدا عدد نواب البرلمان اللبناني.
ونجح نبيه برى زعيم حركة أمل والحليف القوى لحزب الله فى رئاسة مجلس النواب للمرة السادسة بـ98صوتا مقابل 30ورقة بيضاء، وهو الأمر الذى يؤهل حزب الله وحركة أمل للحصول على حصة الأسد من تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.
وكان يتوقع مناهضو حزب الله غربيا وعربيا أن يصطدم زعيم السنة ورئيس حكومة تصريف الأعمال رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، بحزب الله وقادته إلا أنه، قال بعد إعلان أمريكا حزمة عقوبات جديدة ضد حزب الله وقادته: إن العقوبات المفروضة على حزب الله من قبل الولايات المتحدة قد تسرع بتشكيل الحكومة الجديدة، ولن تعرقل تلك العملية فحسب، بل قد يكون لها تأثير إيجابى وإمكانية فى تسريع ولادة حكومة جديدة. وبمجرد اختيار نبيه برى رئيسا لمجلس النواب بدأت التصريحات المتتالية من زعماء الطوائف وأولهم برى بتسمية الحريرى لرئاسة الوزارة الجديدة، وكذلك فعل سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية الحائز على 15مقعدا نيابيا ،وكذلك نال الحريرى تأييد زعيم الدروز فى لبنان وليد جنبلاط الحائز على 8مقاعد نيابية،وكذلك فعل رئيس التيار الوطنى الحر جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني. ومعنى أن برى رشح الحريرى لرئاسة الوزارة فإن حزب الله فعل مثله،حيث بدأت الاستشارات النيابية الملزمة أمام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتسمية رئيس الحكومة الجديد، فنال الحريرى ثقة الأغلبية وتم ترشيحه لرئاسة الوزارة، وبالفعل كلفه رئيس الجمهورية بالإسراع فى تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريرى فى تصريح له بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برى بعد تكليفه لتشكيل رئاسة الحكومة المقبلة: «شرفنى الرئيس عون بتكليفى تأليف الحكومة، وسأنكب من هذه اللحظة على عملية تشكيل حكومة وفاق وطني»، مشدداً على «ضرورة الاسراع فى تأليف الحكومة لأنّ الوضع الاقتصادى ملحّ جداً، والمشاورات فى مجلس النواب خلال أيام، والحكومة ستكون حكومة وحدة وطنية موسعة».
وأشارالحريرى عقب لقائه عون وتكليفه إلى أنه سيكون أمام الحكومة متابعة أزمة النزوح السوري، ومتابعة الإصلاحات التى وعدنا بها، والحكومة الجديدة مدعوة لترسيخ الالتزام بسياسية النأى بالنفس، وأمد يدى إلى جميع المكونات السياسية فى البلد، للعمل معا لتحقيق ما يتطلع إليه اللبنانيون، ولن أوفر جهدا فى العمل على تشكيل الحكومة فى أسرع وقت ممكن»، مؤكدا ان «هناك جدية ونيّة لدى الجميع لتسهيل تشكيل الحكومة وما يجمعنا أكثر من الذى يفرقنا، وعلينا العمل على مكافحة الفساد.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع الماضى قد فرضت عقوبات جديدة على حزب الله، طالت أسماء قيادات بارزة بالحزب فى مقدمتهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله ونائبه نعيم قاسم، وأسماء أربعة أفراد آخرين، هم رئيس الهيئة الشرعية فى حزب الله محمد يزبك، وحسين الخليل المعاون السياسى للأمين العام للحزب، ورئيس المجلس السياسى فى حزب الله إبراهيم أمين السيد.
وجاء القرار الأمريكى مع إعلان السعودية، والبحرين، والكويت، وسلطنة عمان، وقطر، والإمارات وضع الأمين العام لحزب الله وقيادات أخرى فى الحزب على قوائم الإرهاب الخاصة بها، إضافة إلى أربع شركات قالت إنها مرتبطة بالحزب وأمرت بتجميد أصول وأرصدة الأفراد، وذلك «عملا بنظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله فى المملكة العربية السعودية، وبما يتماشى مع قرار الأمم المتحدة الذى يستهدف الإرهابيين والذين يقدمون الدعم للإرهابيين أو الأعمال الإرهابية».
وإذا كان رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريرى قد رأى أن العقوبات الأمريكية وبالتالى الخليجية ضد حزب الله سوف تسرع بتشكيل الحكومة وأنها تقرب أكثر مما تفرق ،فإن ذلك يعنى أن الحريرى يسعى لخلق حالة من المصالحة الطائفية وهو ما يجعل التوافق قريبا ومحسوما لسرعة تشكيل الحكومة اللبنانية القادمة.
وجاء رد حزب الله على القرارات والعقوبات ضد قيادة الحزب بالقول «لن يكون لها أيّ تأثير على آلية العمل السياسى الراهن المتمثلة بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، ولا على الاستشارات النيابية، ولا حتى على تشكيل الحكومة المتوقّع، مؤكدا: لقد اتُّهِمنا ووُضِعنا على لوائح الإرهاب فى الماضى بسبب التزامنا بالمقاومة ضد العدو الإسرائيلى وتحرير أرضنا من رجسِه، ودعمِنا لحركات المقاومة ضد الاحتلال وعدوانه، واليوم نُتهَم مجدداً بسبب مقاومتِنا الجادة ضد الإرهاب التكفيرى فى المنطقة وتحقيقنا نجاحات كبيرة فى مواجهته وتحقيق محور المقاومة انتصاراتٍ مهمّة فى أكثر من منطقة.
ومِن المفارقات تزامُن صدورِ هذا القرار مع الانتصارات الواسعة التى حقّقتها المقاومة وحلفاؤها وأصدقاؤها فى الانتخابات اللبنانية، الأمر الذى أزعجَ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءَها فعبّروا عن سخطهم بهذاالقرار الذى لن يكون له أيّ تأثير على اللبنانيين المتمسكين بوحدتهم وآليات عملهم السياسية».
وكان وزير الخارجية اللبنانى السابق عدنان منصور قد قال إن هذه العقوبات لن تؤثر على الوضع السياسى الداخلى من حيث تشكيل الحكومة، ومشاركة الحزب فيها، على اعتبار أنه حقق انجازا كبيرا مع حلفائه من حيث النتائج التى أحرزها بعد الانتخابات النيابية، كما أن مشاركة الحزب وحلفائه فى الحكومة ستستمر بالرغم من كل الظروف المحيطة.
وفى إسرائيل قال وزير الاستخبارات الإسرائيلى إسرائيل كاتس إن فرض العقوبات الأمريكية على أمين حزب الله وانضمام دول الخليج للقرارالأمريكى هو «لحظة تأسيسية لكبح جماح إيران وتجريد حزب الله من سلاحه ،مؤكدا أن إسرائيل تؤيد هذه العقوبات وتدعمها.
وإذا كان الحريرى والسيد حسن نصر الله قد اتفقا على التوافق والتقارب دون أن يلتقيا أو يتحدثا، فإن القرارات الأمريكية ستلحق بسابقتها، دون نتيجة مؤثرة، لأن الحزب لايعتمد إلا فيما ندر على البنوك فى أموره المالية، كما أن ودائع مناصرى حزب الله فى البنوك بعشرات المليارات من الدولارات وهو مايجعل لبنان الرسمى والبنوك اللبنانية بعيدا عن السيطرة المالية الأمريكية خوفا من سحب المودعين المؤيدين للحزب لمدخراتهم من البنوك، مما يهدد النظام المصرفى اللبنانى بالانهيار، وهو الأمر الذى يدركه الحريرى ونصر الله جيدا، فلم يلتفتا للعقوبات الأمريكية ومضيا قدما مع بقية الفرقاء السياسيين فى العملية الانتخابية وانتخاب رئيس مجلس النواب والاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للوزراء، بل تكليف الحريرى مجددا برئاسة الحكومة الجديدة، وهو ما يؤكد أن الحريرى صادق فيما ذهب إليه بأن مايجمعنا أكثر مما يفرقنا، وقد لايجد صعوبات فى تشكيل الحكومة التى سيكون لحزب الله فيها نسبة وزارية لايستهان بها ،مما يجعل العقوبات الأمريكية ضد الحزب وقادته كأن لم تكن.
رابط دائم: