يقول المثل الانجليزى «إذا أردت لقضية أن تموت شكل لها لجنة « أطلق الإنجليز المثل، بينما وضعنا نحن له القواعد والأسس التى تجعله شديد الفاعلية، وبين دهاليز اللجان والميزانيات المحدودة التى لا تكفى سوى لمكافآت حضور الأعضاء، و بسبب ثلاثة ملايين جنيه فقط تعرضت عشرات القطع الأثرية للسرقة والضياع، وبعد 6 سنوات من المفاوضات والمقترحات انتهى الأمر إلى لا شيء إلا قرارا مدهشا بخلع وتخزين الآثار حماية لها من السرقة .
..ما حدث فى منبر مسجد ابن مزهر الذى فجرت قضيته « الأهرام « قبل أربعة أسابيع وما ينتظر باقى المنابر والثريات والمقتنيات الأثرية فى المساجد هو نتاج عدم التنسيق بل والصراع أحيانا بين وزارة تملك ( الأوقاف )ووزارة تحكم( الآثار ) وعلى أرضية تنسيق ضائع بينهما تضيع كنوز مصر الإسلامية.
منذ 2008 وحتى 2013 اجتمع كبار مسئولى وزارتى الآثار والأوقاف تناقشوا وتبادلوا المراسلات والقرارات والمقترحات ثم توقف الأمر فجأة كأن سكتة قلبية قتلت الملف , بينما لم تقترب من أيادى اللصوص لينتهى الأمر بشبه اتفاق غير معلن بين طرفى القضية أن نترك الأمور على حالها ليتصرف كل من الطرفين فيما يخصه بينما الحلول الحقيقية يعرفها الجميع ويغضون الطرف عنها لأسباب لا يعرفها سوى السادة المسئولين .
هذا التحقيق قراءة فى حالة «بيروقراطية» خاصة جدا، ومحاولة أيضا لتقديم حلول للوضع الشديد الغموض والدهشة.
بعد تعدد سرقات محتويات المساجد الأثرية، وتحديدا فى عام 2008 الذى شهد أغرب سرقة يمكن تخيلها وهى سرقة منبر مسجد قايتباى الرماح بالكامل خلع المنبر بالكامل فى الفترة بين صلاة العشاء وصلاة الفجر !!!
وقتها فقط قرر المجلس الأعلى للآثار ووزارة الأوقاف العمل معا على التنسيق لإيجاد منظومة مشتركة لحماية الآثار الإسلامية، وبالفعل صدر قرار الآثار رقم (2096) بتاريخ 21/ 8 / 2008 بتشكيل لجنة لما أسموه (وضع الخطوط العريضة لتأمين المساجد الأثرية بالتنسيق مع وزارة الأوقاف , وقامت الأوقاف بدورها بإصدار قرار وزارى رقم (214) بتاريخ 21/9/2008 بتشكيل لجنة لتمثلها فى الاجتماعات التى كان مخططا لها بين الوزارتين.
هذه الاجتماعات بدأ نشاطها بحصر عدد المساجد وبيان المقتنيات الأثرية الموجودة بها, وتم حصر عدد 128 مسجدا أثريا اختير منهما 76 مسجدا لتكون هدفا فى المرحلة الأولى للتأمين، وتشير المذكرات المتبادلة بأنه بعد عقد عدة اجتماعات خلال عام 2008 وحتى إبريل 2009 كان قد تم الاتفاق النهائى على هذه المساجد وأن تكون تكلفة حمايتها مناصفة بين وزارتى الآثار والأوقاف، و أن يتم تكليف أعمال الحماية لإحدى الشركات المتخصصة، وإعداد كراسة الشروط والمواصفات المطلوبة من قبل وزارة الأوقاف وتمت أيضا مراجعتها من المستشار القانونى بعد موافقة المجلس الاعلى للآثار وكان ذلك فى جلسة 15/4/2009 .
لجان ومذكرات
وتشير المذكرات المتبادلة إلى أنه تم التوصل لتصور كامل للحل بعد حوالى عام من بدء الجلسات واللقاءات وتفيد إحدى مخاطبات الملف إلى أنه تم بالفعل عرض كل ما سبق على المستشار القانونى للمجلس الاعلى للآثار والذى أفاد كما ورد فى خطاب من مكتب رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية وقتها محسن سيد على انه بالعرض على الشئون القانونية أفاد فى تاريخ 14/12/ 2009 بأنه لا توجد ثمة ملاحظات قانونية على كراسة الشروط تم إخطار وزارة الأوقاف بذلك .
وتزامن بالمناسبة مع هذا اتفاق آخر كما تشير الأوراق الرسمية , حيث اتفقت وزارة الآثار ووزارة الأوقاف على أن أعمال الترميم والصيانة للمساجد الأثرية التابعة لوزارة الأوقاف تختص بها الآثار سواء ما يتعلق بالأبحاث والدراسات أو الترميم الدقيق , على أن تتحمل وزارة الأوقاف تكلفة أعمال الترميم المعمارى والإنشائى ودرء الخطورة. وطبقا للأوراق الرسمية وقتها فقد تم تحديد 85 مسجدا تحتاج للصيانة والرعاية الفورية.
وانتهى عام 2009 ويبدو أن الأمور تعطلت لسبب ما خلال عام 2010 ثم جاء عام 2011 عام الثورة لتتعطل الأمور أكثر ,ولكن مع عمليات السرقة الكبيرة التى شهدتها الآثار خلال عام الثورة جددت المطالب بضرورة إيجاد وسيلة أو كيان لحماية الآثار الإسلامية من التخريب والسرقة خاصة مع حالة التسيب الأمنى الكبيرة . وبعد حوالى عام عادت اللجان لنشاطها وفى بداية عام 2012 بدأت القصة من أولها للمرة الثانية وكان وقتها دكتور محمد إبراهيم وزيرا للآثار ليصدر الوزير الجديد قرارا جديدا يحمل رقم 65 لسنة 2012 بشأن نفس الموضوع الخاص بملف تأمين وحراسة الآثار وترميم المهدد منها .. تشير مخاطبة من قطاع الآثار الإسلامية بالمجلس الاعلى للآثار موجهة للدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار إلى انه ( إيماء إلى تأشيرة سيادتكم على كتاب وزير الأوقاف فى 2/2/2012 بترشيح ممثلى وزارة الأوقاف للاشتراك مع لجنة الآثار بشأن وضع اتفاقية تعاون بين وزارة الدولة لشئون الآثار، ووزارة الأوقاف، فيما يخص الصيانة والترميم للمساجد الأثرية ...) ثم تليت المخاطبة الرسمية قائمة بأسماء التشكيل المقترح للجنة والتى ستكون تحت إشراف دكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الاعلى للآثار بالتنسيق مع اللجنة المشكلة من وزارة الأوقاف وبناء عليه صدر قرار التشكيل الجديد بعد تعديل القرار القديم رقم 34 لسنة 2012 وضمت اللجنة أربعة أعضاء :اثنان من رؤساء القطاعات واثنان من المديرين وينتهى الخطاب بضرورة استصدار اللازم ومخاطبة الدكتور وزير الأوقاف باستصدار قرار بتشكيل لجنة من قبلهم لبدء العمل والورقة تحمل توقيع رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية محسن سيد أحمد، وكان اجتماع اللجنة الأول فى يوم الأربعاء الموافق 7 مارس 2013 وحضر فيها أربعة ممثلان عن وزارة الأوقاف وأربعة عن وزارة الآثار وممثلين للادراة العامة لشرطة السياحة والآثار.
بعد شهرين ونصف من الاجتماع الأول تم عقد الاجتماع الثانى للجنة وتحديدا فى 21/ 5/2013 واتفقت اللجنة فى هذا الاجتماع على ضرورة سرعة البدء فى إعداد الأبحاث والدراسات والمقايسات الخاصة بترميم مسجد وسبيل ( على المطهر أثر رقم 40 )، وفى نفس الجلسة تم الاتفاق للمرة الثانية على ضرورة طرح 85 مسجدا فى حاجة للترميم العاجل .وتتوالى محاضر الجلسات حتى نصل إلى محضر الجلسة رقم 4 والتى عقدت بتاريخ 3/3/2013 أى بعد ما يقرب من العام على المحضر الأول وبدا باستعراض محاضر الجلسات السابقة والمخاطبات بين كل من وزارة الأوقاف والآثار والتأكيد مرة أخرى على المسئوليات المشتركة بين الوزارتين، وتحدث المحضر تحديدا عن مسالة حراسة الآثار قائلا: ( بمناقشة الموضوع مع السيد اللواء مدير عام الأمن بالوزارة اتفق الطرفان على أن يتم السير فى إجراءات طرح مناقصة مع احدى الشركات المتخصصة فى الحراسة والتأمين مشيرا إلى انه سيتم فتح المظاريف للمناقصة يوم الأربعاء 6 مارس 2013 ويتم إعداد تقرير فنى من الادراة العامة للأمن بوزارة الأوقاف للترسية على إحدى الشركات .
ويشير محضر الجلسة إلى أن تكلفة إسناد هذه الأعمال ستكون مناصفة بين وزارتى الآثار والأوقاف .
أما أكثر الخطابات المتبادلة حزنا فهى التى كانت موجهة من وزارة الأوقاف إلى وكيل إدارة الرقابة الإدارية يشرح له ما حدث من إجراءات فيما يتعلق بعملية تأمين وحراسة عدد (76) مسجدا أثريا بالقاهرة الكبرى الخطاب وبعد الحديث عن الإجراءات التى تم اتخاذها فى إطار عمليات الترسية والعطاءات والتعامل بالبحث عن الشركات المتخصصة فى هذا المجال يذكر معلومة مدهشة حقا وهى أن أزمة الحراسة بالكامل تتعلق بمبلغ مليون ونصف المليون جنيه كان يفترض أن تقدمها وزارة الآثار باعتبارها حصتها فى تكاليف العملية بالكامل والتى قدرت ب 3 ملايين جنيه يفترض أن تكون مناصفة بين الوزارتين ويشير إلى أن وزارة الأوقاف قد وفرت المبلغ الخاص بها بينما (حتى الآن لم يصلنا رد وزارة الدولة لشئون الآثار )، إلى هنا وتوقف الكلام وتم إغلاق الملف حتى تفجرت الأمور بموافقة مجلس الوزراء بقرار يحمل رقم 110 بنقل المقتنيات الأثرية من المساجد حماية لها من السرقة وهو ما يعنى ببساطة أن 5 سنوات من اللجان والجلسات والاجتماعات انتهت إلى لاشيء ولكن هل حقا المسألة بكل هذا التعقيد والصعوبة «الأهرام» سألت عددا من الخبراء والمسئولين السابقين بالوزارة عن كيف يمكن أن نحمى الآثار دون أن تتحول لعهدة فى مخازن لا نعلم على وجه التحديد ماذا يحدث لها .
ضبطية مفتش الآثار
دكتور محمد حسام الدين أستاذ الآثار الإسلامية جامعة عين شمس يوثق لنا تاريخيا الوضع الحالى قائلا :«المدينة القديمة تم تسجيلها من قبل اليونسكو عام 1979 ,وعندما حاولت مصر فى مؤتمر الآثار الإسلامية الأول عام 1980 أن يتم تسجيل أماكن أو قطع بعينها، رفض اليونسكو هذا وأصر أن يتم تسجيل المدينة بالكامل ، وبناء عليه تم تشكيل اللجنة الدائمة للآثار لتضم كل من له علاقة بالمدينة فكان فيها ممثل عن الآثار وممثل عن الأوقاف وممثل عن المحافظة . وما زالت هذه اللجنة موجودة ولكنها غير مفعلة, وتم تحديد دور الأوقاف فيما يتعلق بالمساجد الأثرية وهذا الدور ينحصر فى الملكية بحكم قانون الوقف ,وإقامة الشعائر وتوفير الكهربا والمياه . أما الآثار فمهمتها التسجيل والتوثيق الأثرى ومتابعة حالة الأثر فنيا ، وتاريخيا كانت لجنة حفظ الآثار الإسلامية والقبطية والتى تشكلت عام 1881 كأول كيان رسمى يرعى الآثار ,كانت تابعة لوزارة الأوقاف وتعرض محاضرها وتوصياتها على وزير الأوقاف وعندما بدأت عمليات الترميم والرعاية الأولى لتلك الآثار كانت التكلفة تنقسم بين وزارة الأوقاف والحكومة وظل هذا الوضع قائما حتى عام 1934، عندما تأسس المجلس الاعلى للآثار ، ثم تأسست مصلحة الآثار بعد ذلك وكانت تابعة لوزارة المعارف وتم ضم الآثار الإسلامية عليها للإشراف لأن الأوقاف رفضت وقتها التخلى عن تلك الآثار وطالبت اما بتعويضها ماديا أو ستقوم بهدمها وتحديدا كان هذا النقاش متعلقا بالمبانى المدنية التى لا تقام بها شعائر والمدهش أن الأوقاف وبحكم قانونها لديها أوقاف تم رصد ريعها بالفعل للإنفاق على تلك المبانى لترميمها وصيانتها، وهو ما لم يحدث وأدى لاندثار عشرات المبانى كما حدث فى الحمامات التى اختفت تقريبا من نسيج المدينة».
ويكمل :«حتى فى السنوات الأخيرة وعندما انتبه المسئولون فى عهد الدكتور أحمد قدرى لما يحدث، نظموا عملية الإشراف عبر مفتشين من الآثار استخرجت لهم كارنيهات وأصبح لكبار المفتشين حق الضبطية القضائية، وعندما كانت تلك الضبطية مفعلة كان هناك مفتش آثار واحد يتابع منطقة كاملة وتذكر كراسات لجنة حفظ الآثار انه فى عام 1947 كان هناك مفتش واحد للآثار وتم تعيين مفتش آخر فى تلك السنة «
دكتور عبدا لله كمال أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة الزقازيق والذى عمل أيضا لسنوات كرئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار يتحدث عن جانب آخر من القضية وتحديدا عن كيف نحمى الآن فيقول : «لا أتخيل ونحن دولة قديمة فى نظامها الإدارى والحكومي، وفى ظل وجود وزارات مستقرة ورئيس وزراء يمتلك صلاحيات التنسيق والرقابة أن نبحث فى دور كل وزارة فى حماية الآثار أو نعجز عن فض الاشتباك الحاصل بين وزارتى الأوقاف والآثار فى تحديد المسئوليات . كان لابد أن تكون هناك
توجيهات مباشرة بإيجاد تلك الصيغة وبعقد اجتماعات منظمة للتنسيق بينهم سواء للحفاظ على الأثر من السرقة أو الضياع عبر ترميمه، لا اعرف لماذا لم يفكر المسئولون فى صندوق مشترك ودائم يكون مخصصا فقط لرعاية وتحقيق هذين الهدفين، ويكون مراقبا من الجهاز المركزى للمحاسبات، وان تكون هناك لجنة دائمة تجتمع كل فترة بشكل ثابت لمتابعة الأعمال .»
ويشرح :«عندما كان زاهى حواس رئيسا للمجلس الاعلى للآثار، كانت لدى المجلس وديعة بحوالى المليار جنيه, ولكن فيما بعد وعندما تحول المجلس إلى وزارة، تغير كل شيء واعرف انه تم فك تلك الوديعة وبدأ يسدد منها التزاماته مع عدم وجود دخل نتيجة لتردى السياحة، . لدرجة أن موظفى الوزارة خاصة من عمال المتاحف والمناطق الأثرية يعانون تأخر رواتبهم وبدلات العمل والسفريات .
وهناك نقطة أخرى فيما يتعلق بالبحث فى تأسيس شركات امن للآثار: لا اعرف كيف يمكن أن يحدث هذا فى ظل الأزمات المالية التى تعانى منها الوزارات الآن, ولكن الوزارة لو أرادت يمكنها أن توقف الجيش الجرار من الموظفين بدءا من العاملين فى إدارات الأمن بها والمفتشين والإداريين بالإضافة لوجود شرطة سياحة واثار أصلا فماذا يفعل كل هؤلاء؟؟»
سؤال دكتور عبدا لله ربما يجيب عنه دكتور طارق ألمرى المعمارى وخبير الترميم واحد من تعاملوا مع القاهرة التاريخية لسنوات ويقول :«المساجد والاسبلة والوكالات تتبع الأوقاف بحكم الوصاية عليها قانونيا, وحاليا كل الاسبلة مقفولة ومن يملك مفاتيحها وزارة الأوقاف، بينما الوكالات اغلبها اما مؤجر لصالح الأوقاف أو تستخدمه وزارة الثقافة بعد أن اشترتها . الأزمة هنا حقيقة فى المساجد فوزارة الأوقاف تتعامل معها باعتبارها أماكن للصلاة فقط وتقام بها الشعائر طبقا لهذا ووزارة الآثار تتولى عملية التسجيل وتكتفى بهذا, وما يحدث فى المساجد كالآتى : يتواجد بها ما يقارب ثلاثة من العاملين فى الأوقاف احدهم خادم المسجد والثانى المؤذن ثم مقيم الشعائر , وعادة ما يكون احدهم من سكان المنطقة المجاورة والمسجد يفتح عادة خمس مرات مع الصلوات , ويفترض أن يغلق بعد صلاة العشاء أمام المصلين والمساجد الأثرية تحديدا يتم غلقها للزيارات الأثرية فى الرابعة أو الخامسة وما يقام بها شعائر تظل حتى صلاة العشاء، ثم يتم إغلاقها ومغادرة الجميع، وهو ما يعطى فرصة للصوص للبقاء فى المسجد من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر، هو الوقت الذى تحدث فيه السرقات وعادة عندما يأتى خادم المسجد صباحا يكتشف السرقة وللأسف فى اغلب الحالات اللصوص معروفون والقضايا تغلق بلا عثور على المسروقات، إلا بالمصادفة، واسأل هنا لماذا لا يكون للآثار الإسلامية عهدة محددة ويتم التعامل معها على سبيل الأمانة كما هو للآثار الفرعونية ؟ وهو أمر ليس صعبا فكما وضعت وزارة الآثار قوائم بالمقتنيات الأثرية التى كانت ترغب فى تفريغ المساجد والمدارس منها، لماذا لا تضع قوائم بالعهدة الأثرية فى تلك الأماكن لمراجعتها والحفاظ عليها ولتحديد المسئولية ومحاسبة المقصرين ».
خصوصية المدينة
دكتورة جليلة القاضى أستاذة التخطيط العمرانى المتفرغة بجامعات فرنسا تشرح لنا جانبا ربما لا ينتبه له المسئولون كما تقول :» السادة المسئولون ربما لا يعلمون أن القاهرة التاريخية ومنذ أن أصبحت على قائمة التراث العالمي، أصبحت ممتلكا عالميا ولابد من شروط خاصة جدا للتعامل معها , القاهرة التاريخية ليست حيا ضمن التقسيم الإدارى للأحياء كما يظنون, حتى أصبحت بلا صاحب كل وزارة وهيئة تتعامل معها فى المساحة التى تخصها بدون أى مراعاة لخصوصية المدينة , مثلا الإسكان وهو المسئول عن الشوارع يقوم بعمليات رصف جائرة لا تراعى نهائيا طبيعة الشوارع وما بها من اثار ومعالم يتم حرفيا ردمها، واذكر انه بعد الثورة وكنت فى لجنة التراث بالمحافظة فوجئنا بقرارات هدم تتم للمبانى العشوائية وكذلك للبيوت القديمة بدون أى مراعاة للمبانى الأثرية المجاورة وعندما طالبنا المحافظ السابق بمراعاة هذا قال ان قانون التصالح يسمح بهذا ولن يعطل القانون».
وتكمل : «المدينة التاريخية لها خصوصيتها وهى ضمن مواقع التراث العالمى منذ ما يقرب من 40 عاما وأصبحت مهددة تماما الآن بترك مكانها بعد أن تفتت نسيجها المعماري, وأصبح حتى المقتنى الأثرى مهددا بالإزالة ليتحول لعهدة فى المخازن, بعد أن تخلت الوزارات المسئولة عن حماية مقتنيات المدينة من مساجد ووكالات ومدارس عن مسئوليتها , ورغم أن زلزال 92 كان كارثة إلا انه دفع العديد من المؤسسات الدولية لمحاولة التدخل وإنقاذ ما تبقى من معالم المدينة ومحتوياتها فقامت مؤسسة الأغا خان مثلا، بعمليات ترميم جيدة جدا فى الدرب الأحمر، وبدأت وزارة الثقافة فى مشروع شارع المعز، وتدخل اليونسكو أيضا بعمليات ترميم وإنقاذ للعديد من الآثار، وللأسف الوضع الآن فى تقديرى فيما يتعلق بالمدينة القديمة يشبه لحد كبير الوضع بعد زلزال 92، وسياسة الدولة تجاه الحفاظ على المدينة تراجعت وكأننا نعود للبداية التقليدية التى تحدث فى دول جديدة، فالشكل التقليدى الأولى هو تجميع المقتنيات فى المتاحف ثم يبدأ التعامل مع التراث بوضعه الحالي، ليكون جزءا من نسيج المدينة وهو التطور الطبيعى للحفاظ والأحياء ولكننا توقفنا وعدنا للبداية وهى التعامل المتحفى فقط مع المقتنيات.»
فى انتظار رد المسئولين
التزاما بالقواعد المهنية التي دأبت «الأهرام » علي احترامها ، تواصلت «الأهرام» تليفونيا مع كل من الدكتور خالد العناني وزير الآثار والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بحثا عن إجابات محددة عن ملف حماية الآثار والمسئولية المتبادلة بين الوزارتين المسئولتين رسميا عن الآثار الإسلامية .
بداية.. رفض الدكتور خالد العناني تقديم أي إجابات عن تساؤلاتنا مؤكدا انه لا يجري حوارات مع الصحفيين علي حد قوله وطالب أن نتواصل مع المستشارة الإعلامية للوزارة وإرسال أسئلتنا لها لتتولي توجيهها لمن يمكنه الإجابة عنها من المسئولين في الوزارة حسب كلامه نصا لـ «الأهرام» ، وهو ما قمنا به وانتظرنا لأربعة أيام أن نتلقى أى اجابات ولم يحدث .
أما وزارة الأوقاف فلم نتلق حتى ردا تليفونيا من الوزير وطالبنا مكتبه بالتواصل مع إدارة الإعلام وبالتواصل مع إدارة الإعلام أكدوا لنا آن المسئول الوحيد المسموح له بالحديث أو تقديم إجابات علي تساؤلاتنا هو الدكتور الشيخ جابر طايع المتحدث الرسمي للوزارة ولكنه كما قيل لنا غير متوافر قبل منتصف رمضان لوجوده خارج البلاد ورغم ذلك تواصلنا معه تليفونيا عدة مرات ولم نتلق أي إجابة .
رابط دائم: