رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

منتجعــات «الأمــن المفقــود»
خلفيات المشهد بعد مذبحة الرحاب

محمد شمروخ
اثنان من ضحايا حادث الرحاب

بعيدا عما أثير ولا يزال يثار من معلومات مغلوطة أو متناقضة أو غامضة عن حادث مدينة الرحاب الذى راح ضحيتها رجل أعمال وأفراد أسرته الأربعة خلال الأيام القليلة الماضية، فإن هناك جوانب لابد ألا نغفلها قد ساعدت على إتمام هذه الجريمة وهذه العوامل مازالت قائمة وستظل كذلك ما لم نجد من الحلول المناسبة التى تجنبنا تكرار مثل هذه الجريمة فى مثل تلك الأماكن التى تكررت فيها بشكل يثير المخاوف من تلك العزلة التى تعيشها المناطق السكنية المشهورة


بـ «الكومباوند» أو المنتجعات التى شهدت رواجا كبيرا منذ أواخر تسعينات القرن العشرين وحتى الآن، إلى أن صارت هى النموذج الأفضل للسكنى والمفضل لدى الفئات الثرية فى المجتمع المصرى حتى جاوزت أسعارها أسعار أرقى الأحياء التقليدية فى القاهرة.

 

تسهيلات للجريمة

كان التخلص من مشكلات الزحام واختناق شوارع القاهرة، السبب الرئيسى للهجرة إلى الأحياء التى نشأت فى أماكن نائية فى الصحراء الشرقية لمحافظة القاهرة فى مناطق الرحاب والتجمع الخامس والقطامية والشروق والعبور وغيرها أو فى الصحراء الغربية لمحافظة الجيزة فى مدينتى أكتوبر والشيخ زايد، فالذى يميز هذه الكومباوندات ليس أنها بعيدة عن زحام القاهرة فقط، بل لأنها معزولة فى مواقعها البعيدة داخل أسوار منيعة ذات بوابات عليها حراسات مشددة طوال 24 ساعة ترصد كل داخل وخارج وكاميرات تعمل فى الشوارع والميادين وأطقم حراسات متخصصة ومسلحة، لكن كل تلك الاحتياطات لم تحل دون وقوع جرائم قتل اتسمت بالغموض بعضها تم كشفه وبعضها لا يزال يحيط به الغموض ، لكن ليست المشكلة فى وقوع الحوادث، بل فى الظروف التى هيأت للقتلة ارتكاب الجريمة تحت ظروف كفلت لهم اتمامها وتأخر اكتشافها الذى لا يتم إلا بالصدفة.


ففى الحادث الأخير ظلت الجثث الخمس للقتلى لمدة خمسة أيام دون أن يكتشفها أحد حتى فاحت رائحتها ولفتت الانتباه مما اقتضى اقتحام الفيلا والعثور على أعضاء الأسرة مقتولين وبعض الجثث كانت قد بدأت التعفن الرمى ووجدت ديدان فيها، لكن السؤال الذى يكشف مدى خطورة العزلة التى تعيش فيها المنطقة وكان هو سبب اختيار بعض السكان للعيش فيها، هو: كيف لم ينذر دوى 8 طلقات رصاص على الأقل أحدا ويشعره بوقوع جريمة كبري؟!.

لكن الطابع العام لسكان المنطقة ومثلها من المناطق المعزولة، هو شبه انعدام للعلاقات الاجتماعية بين السكان، فبالكاد يعرف السكان أسماء جيرانهم المباشرين دون ضرورة معرفة ما هو أكثر من ذلك وهو ما يعتبره البعض ميزة كبرى للسكني، لكن بدت العزلة عاملا مساعدا استغله مرتكب الحادث فى إتمام جريمته بكل اطمئنان بأن أحدا لن يكشف الواقعة، فانقطاع العلاقات بين السكان هو الذى يساعد على نجاح القاتل فى أن يظل مجهولا اطول مدة ممكنة.

فالعزلة العامة للمكان والخاصة بكل أسرة، كانت هى أهم عوامل نجاح الجريمة التى راح ضحيتها رجل الأعمال عماد سعد وزوجته السيدة وفاء وأبناؤه الثلاثة محمد وعبد الرحمن ونورهان، فالمتهم يعرف تماما هذه المنطقة وطبيعتها التى تجعل «كل واحد فى حاله» وهذا مكمن الخطورة، فانعدام الصلات الاجتماعية فى الرحاب أو المناطق التى تشبهها هو أهم ما يساعد على انتشار الجريمة بهذا الشكل، فإن كانت جرائم القتل تحدث فى كل مكان وكل يوم، إلا أننا هنا ننبه على أن الأمر لم يكن فى ارتكاب جريمة القتل نفسها التى كان يمكن أن تتم فى أى مكان آخر، لكن الجناة لم تكن لتتوافر لهم هذه السهولة فى دخول المكان وإطلاق الرصاص ثم الخروج آمنين مطمئنين على أن هناك وقتا كافيا سيمر قبل اكتشاف الجريمة.

حدث هذا فى جرائم أخرى فى مناطق أخرى غير الرحاب، لعل أشهرها جريمة قتل الفتاتين هبة العقاد ابنة المطربة المشهورة ليلى غفران وصديقتها نادين خالد جمال الدين فى عام 2008 فى كومباوند بمدينة الشيخ زايد بمدينة 6 أكتوبر، فرغم مقاومة الفتاتين واستغاثاتهما إلا أن أحدا لم ينتبه.

كما مكث القاتل وقتا قبل وبعد الجريمة ولولا المصادفة التى أوقعت الجانى بسبب بيعه موبايل إحدى الفتاتين القتيلتين لربما ظلت القضية مجهولة حتى وقت طويل. وفى عام 2016 قتلت السيدة نيفين لطفى الرئيس التنفيذى بأحد البنوك العربية الكبرى فى الفيلا الخاصة بها بأحد أرقى المنتجعات السكنية فى مدينة 6 أكتوبر وقد أتم الجانى جريمته وهرب دون أن يلحظه أحد، وتبين أنه كان أحد موظفى الأمن بالمنتجع نفسه، قام بالتسلل إلى الفيلا وتعطيل كاميرات المراقبة وأتم جريمته ومضى فى هدوء لم يره أحد لا قبل ولا بعد الجريمة حتى تم القبض عليه.

مالا يدركه السكان حول أمنهم

أما عن الأمن الخاص بتلك المنتجعات فهو أمن تابع إما لشركات أمن متخصصة أو تابع للشركات التى تؤول إليها إدارة أو ملكية المنتجع ولكن مهما بلغ من كثافة أفراد وجهود الأمن الخاص، فلن يكفى ليحل محل الشرطى التقليدي، فالأمن ليس فقط أفرادا يرتدون زيا موحدا ويحملون سلاحا وأجهزة اتصالات ويتناوبون ورديات الحراسة على المداخل والمخارج وشوارع المنتجع، فالعملية الأمنية منظومة متكاملة تعتمد على الخبرات والتدريب وتلقى المعلومات وتقديرها وهو ما لا يتوفر فى الأمن الخاص مهما بلغ من عدد وعدة، فالعمل الأمنى ليس مجرد وقوف على بوابات أو مرور فى الشوارع أو مراقبة للحركة من وراء زجاج الأكشاك، فمهما بلغت إمكانيات وتحديث شركات الأمن الخاص، فلا يمكن لها أن تحل محل الشرطة، يمكنها فقط أن تساعد الشرطة فى عملها، فالأمن هو حس مدرب على كيفية كشف الاشتباه والتعامل مع الحادث وسرعة التصرف والاتصال والمطاردة وهى عمليات خارج نطاق الأمن الخاص.

كما أن هناك أمرا فى غاية الأهمية وهو أن موظف الأمن الخاص مهما بلغت درجته فى العمل، فليس له الحق قانونا فى الاستيقاف والتفتيش عند الاشتباه فى شخص وهذه عقبة كبري، إذ لا يحق لموظف أمن خاص أن يقوم بتفتيش منزل أو سيارة أو شخص، وحتى لو أمسك بأحد متلبسا بجريمة، فليس له إلا أن يبلغ الشرطة لتأتى وتلقى القبض على من أمسك به الأمن الخاص، إذ أنه ليس له حق الاحتجاز أو الاستجواب أو الاتصال بالجهات القضائية، إلا كأى شخص يبلغ عن واقعة، فهو ليس له حق الضبطية القضائية الذى ينظمه القانون وهذا أمر مهم جدا.

والعجيب أنه حدث فى أثناء التحقيقات للوصول إلى حل للغز جريمة مقتل «هبة ونادين» وقعت أزمة بسبب قيام إدارة أمن المنتجع باستيقاف عربات ضباط الشرطة المشاركين فى فريق البحث، إذ أن بعض المنتجعات تظن أن السور المحيط بها يجعلها ذات وضع مميز وهو وهم يقع فيه بعض مسئولى الأمن الخاص الذين يظنون أن عملهم يغنى عن عمل الشرطة، حتى ان بعض السكان فى الكومباوندات والمنتجعات، كانوا يعترضون على دخول سيارات الشرطة لتفقد الأمن داخل دوائر اختصاصاتها كجزء أصيل من العمل الموكل إلى قوات الشرطة التى لها الحق فى دخول أى منتجع سكنى مهما كانت خصوصيته دون إخطار أو إذن أو حتى تنسيق حفاظا على سرية العمل الشرطي، إذ لوحظ أن كثيرا من الجرائم تحدث داخل بعض المنتجعات ولكن الإدارة الخاصة لا تبلغ الشرطة حفاظا على سمعة المنتجع وقد تعمل على عرقلة عملها، هذا برغم أن عمل الأمن الخاص يقع تحت رقابة وإشراف ومتابعة الشرطة حسب القانون.

الدرس الأخير

وبعد جريمة الرحاب التى نكأت هذه الجراح ليس من سبيل سوى إعادة النظر فى منظومة الأمن داخل مثل هذه المناطق، لكن سيبقى ما يتجاوز العمل الأمنى وهو هذه الانعزالية الاجتماعية التى جعلت الكومباوندات والمنتجعات تبدو جزرا معزولة عن المجتمع، داخلها مساكن تعيش نفس حالة الانعزالية عن بعضها البعض وهو ما يهيئ الظروف لتكرار جريمة الرحاب وما قبلها مرات عديدة دون التعلم من هذه الدروس القاسية التى قد تفقد هذه الأماكن ميزتها الوحيدة بالبعد عن مشكلات الزحام فى بقية أحياء القاهرة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 3
    إيهاب
    2018/05/12 11:00
    0-
    2+

    سكان الكومبونات ضاقوا ذرعا بأحياء العباسيه ومدينة نصر والمبتديان ووسط البلد وهاجروا إلى صحراء حوافى القاهرة للتمايز والوجاهة
    وحهاء مدينة القاهره وعلية قومها تغيوا الإبتعاد عن أحياء قاهرة المعز التى سطا عليها الفلاحون والحرفيون وأحاطوا بها وعبثوا بتراثها حتى الأحياء القاهريه الراقيه مسها وخدشها طوفان الهجرة من الريف للحضر ....لذلك للنجاة من المطارده الرعاعيه لاذ رفيع المقام إلى الكومبوند وساق واستصحب معه سلوكه المتعجرف المتعالى حتى على جاره ورفيقه فى المنتجع .....مقاطعه بينهما وتبادل الإستخفاف والإستصغار والإزدراء بينهم ......فى نهج عدائى موروث من التراث المملوكى ...التجاهل سمة السكان حتى النكوص عن أداء الواجب ...( فعل مؤثم قانوننا ) بحسبان أنه يمث حطة فى شأنهم ...وهكذ باتوا نهبا لجرائم شتى
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 2
    مصرى حر
    2018/05/12 08:23
    1-
    1+

    مناطق تثير غيرة الآخرين برقيها وهدوئها وامنها الظاهرى
    وحين تحدث حادثة فى هذه المناطق الراقية فهى تفوق مثيلاتها التى تحدث فى الدويقة والعشوائيات من حيث البشاعة والاجرام وسفك الدماء
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 1
    ابو العز
    2018/05/12 00:20
    0-
    2+

    ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) .. سورة النساء من الآية ( 78 ) .
    وأرض الله واسعة ولكن *** إذا نزل القضا ضاق القضاء .
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق