رحل أمس المناضل الكبير خالد محيى الدين عن عمر يناهز 96 عاما بعد حياة حافلة بالعطاء والانجازات، ومن حسن الطالع أنه كتب شهادته عن عصره وعن حياته وعن رفقاء السلاح والثورة قبل رحيله بسنوات بشهادة الضمير والحق .
عاش فى شقته المطلة على نادى الجزيرة بالزمالك وهو يعارك الحياة وتصارعه باحثا عن المدينة الفاضلة وعلى الرغم من أنه سليل عائلة اقطاعية كانت تمتلك حيازات شاسعة من الأراضى الزراعية فإنه كان مولعا بالفكر الاشتراكى وأسس منبر اليسار المصرى وحزب التجمع الذى يرفع لواء الاشتراكية.
ارتبط محيى الدين بصداقات مهمة مع رموز مصر فى كل الحقب الزمنية يستند فى ذلك على شخصية مستقلة تؤمن بمشروعه السياسى والإنسانى ولا تسعى إلى الصدامات.
فى شهادته، «الآن أتكلم» يكشف عن فترة صعبة عاشها فى حياته خلال سنوات المنفى بعد الخلاف مع الرئيس جمال عبد الناصر حيث أقام فى سويسرا.
تحدث خالد محيى الدين عن جمال عبد الناصر وأنور السادات ومحمد نجيب وعبد الحكيم عامر ويوسف صديق بكل الصدق وعدم المحاباة وقدم وثيقة مهمة للمكتبة العربية هى مذكرات خالد محيى الدين «الآن أتكلم»، والتى أصدرها مركز الأهرام للترجمة والنشر فى عام 1992 وفى هذا الشهر وبالمصادفة أصدر المركز طبعة جديدة من الكتاب.
وفى كتابه «الآن أتكلم»، يتحدث عن جمال عبد الناصر فيقول منذ اللحظة الأولى أحسست انه شخصية قيادية وحتى ونحن شبان صغار كان يفرض على الجميع وضعه القيادى وكان رجلا بعيد النظر لا يخطو خطوة إلا بعد حساب دقيق.
وكان عبد الناصر قارئا ممتازا سواء قبل الثورة أو بعدها وحتى بعد أن أصبح حاكما متعدد المسئوليات وكان هناك جهاز خاص مهمته أن يلخص له الكتب المهمة وأن يترجم له العديد من الكتب والمجلات والصحف وكان عبد الناصر مستمعا جيدا وكانت علاقته بى حميمة دوما فأنا تعاملت معه منذ البداية بوضوح وصراحة وإخلاص وكان يقدر ذلك دوما وعندما بدأت خلافاتنا فى مجلس قيادة الثورة طلبت أكثر من مرة أن استقيل لكنه قاوم ذلك بشدة ودافع عنى أكثر من مرة وكان دائم الالحاح على أعضاء مجلس الثورة أن يفرقوا بين موقفى وموقف محمد نجيب.
وعن عبد الحكيم عامر قال خالد محيى الدين فى شهادته «الآن أتكلم»، هو صديق قديم وعزيز أيضا ولعل الخطأ الأول فى حق عامر هو أنه عين قائدا للجيش وقال لقد فعلها عبد الناصر لانهما كانا صديقين حميمين فأراد أن يضمن به ولاء القيادات، لكن عامر لم يكن رجلا من هذا النوع هو عمدة،طيب القلب ويحب أن يقيم علاقات حسنة مع الناس وأن يتباسط معهم وهو لا يهتم كثيرا بالضبط والربط فحياته نفسها لم تكن منظمة فقد كان يسهر كثيرا ويصحو متأخرا. لقد ظلموه عندما عينوه قائدا للجيش فهو شخص جماهيرى
وعن صلاح سالم يقول خالد محيى الدين هو صاحب شخصية ذكية ذكاء فطريا وعاطفى إلى درجة كبيرة وكان تقلبه العاطفى يقوده الى تقلب سياسى فبعد أن فشلت جهوده فى السودان من أجل الوحدة وبعد أن استقل السودان قرأ كتابا للينين عن المسألة الوطنية وتأثر جدا بهذا الكتاب إلى درجة أنه قال لى ربما أصبح شيوعيا.
وعن يوسف صديق يقول عنه انه صاحب الدور البارز ليلة الثورة
ويصف ابن عمه زكريا محيى الدين بأنه رجل لا يجامل وتصادم مع عبد الناصر بعد أن أصبح رئيسا للوزراء لأنه كان من أنصار المشروع الخاص.
وعن الرئيس أنور السادات وصفه بأنه أكثرنا خبرة بالعمل السياسى وكان يعرف كيف يكون له وضع خاص فعندما أعد البيان الأول للثورة وفشل أحد الضباط فى تلاوته فى الإذاعة تقدم السادات فى اللحظة المناسبة ليقوم بتلاوته ليكتسب بتلك ميزة أنه هو الذى أعلن قيام الثورة ولم يختلف أبدا مع عبد الناصر ولهذا صمد طويلا مع عبد الناصر حتى صار خليفته رغم أنه لم يكن أبدا لا الأقرب ولا الأهم.
خالد مُحيى الدين من مواليد 17 أغسطس 1922، وكان أحد الضباط الأحرار، وهو مؤسس حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى حتى اعتزاله العمل العام ، تزوج قبل الثورة من ابنة خالته سميرة سليم سليمان وأنجبا أمين وسميحة.
ولد خالد محيى الدين فى كفر شكر فى محافظة القليوبية عام 1922. تخرج فى الكلية الحربية عام 1940، وفى 1944 أصبح أحد الضباط الذين عرفوا باسم تنظيم الضباط الأحرار وكان وقتها برتبة صاغ، ثم أصبح عضوا فى مجلس قيادة الثورة، حصل على بكالوريوس التجارة عام 1951 .
خاض أول انتخابات برلمانية عن دائرة كفر شكر عام 1957 وفاز فى تلك الانتخابات، ثم أسس أول جريدة مسائية فى العصر الجمهورى وهى جريدة المساء، وشغل منصب أول رئيس للجنة الخاصة التى شكلها مجلس الأمة فى مطلع الستينيات لحل مشاكل أهالى النوبة أثناء التهجير.
تولى خالد محيى الدين رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير دار أخبار اليوم خلال عامى 1964 و1965، وهو أحد مؤسسى مجلس السلام العالمي،
حصل على جائزة لينين للسلام عام 1970 وأسس حزب التجمع العربى الوحدوى فى 10 أبريل 1976.
كان عضوا فى مجلس الشعب المصرى منذ عام 1990 حتى عام 2005.
سؤال للزمن
يوليو حدث ليس عاديا، ولابد له أن يفحص من كل جوانبه، وأن يعاد فحصه من كل هذه الجوانب. ويوليو يستحق أكثر.. أليس هو الدرس الأكثر تأثيرا فى تاريخ هذه الأمة؟ فلنفحصه ولنعاود فحصه بحثا عن الحقيقة الحقيقية..؟
أية عبارة هذه التى خطها القلم؟
وهل ثمة حقيقة غير حقيقية؟
..............................
خالد محيى الدين
.. والآن أتكلم
رابط دائم: