رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اسامة الباز
عقل مصر السياسى

محسن عبد العزيز;

حجر الأساس فى نظام مبارك.. وعندما اقتلعوه سقط النظام

بطرس غالى: «الباز تحول إلى بطل عصابتنا فى كامب ديفيد»

 

من أى طينة جاء هذا الرجل القصير المكير ليدخل إلى قلب السياسة المصرية دخول الصقر، ويراوغ الإسرائيليين مراوغة الثعلب فى كامب ديفيد وبعدها يتربع على قلب السادات فيمنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى؟

من أى طينة جاء هذا الرجل الحكيم ليرمى بكل مظاهر السلطة جانبا فلا حراسة ولا سيارة خاصة، وإنما رجل بسيط يمشى فى الشارع بحرية دون أن يخاف من أحد؟

من أى طينة جاء هذا الرجل ليصبح العقل السياسى لمصر فيحبه المصريون ويطمئنون أن الوطن بخير كلما شاهدوه أو تحدثوا معه؟

.................................

كيف استطاع أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس الأسبق حسنى مبارك أن يكون صوت الناس البسطاء وأسئلة المثقفين ورأى المعارضة فى قصر الرئاسة؟

رأيته راكبا المترو مرات عديده، مرة حوله الناس يناقشونه أو يسألونه فى شىء، ومرات واقفا وحده، وكنت أقترب أتأمله محترما صمته، ومانعا فضولى من اقتحامه.

أسامة الباز كان المسئول الوحيد الذى يمكن أن تراه فى أى مكان يركب المترو ويزور المعارض الفنية، ويتحدث فى الندوات وتربطه علاقات وثيقة بالمثقفين والصحفيين والكتاب والفنانين.

فى إحدى ندواته بمعرض الكتاب فى القاعة التى كانت تمتلىء بآلاف الحاضرين والأسئلة ساخنة عن التوريث وعدم تعيين نائب للرئيس مبارك وعن أمريكا وإسرائيل وإيران ..الخ، استمع الباز لسيل الأسئلة الساخنة ثم قام وخلع الجاكت والساعة وشمر القميص عن ساعديه وقال ضاحكا إنه يفعل هذا حتى يستطيع أن يجيب عن كل هذه الأسئلة. وضجت القاعة بالضحك.

وفور أن راح يتحدث ران الصمت على القاعة الكبيرة، والباز يجيب بطلاقته المعهودة عن أصعب الأسئلة بأبسط العبارات دون أن يجرح أحدا.. ندواته كانت محاضرة فى السياسة الدولية كان يلقى خلالها دائما الضوء على الصين الصاعدة لمواجهة أمريكا وينفى التوريث، وأن مصر ليست دولة صغيرة ليحدث بها ذلك.

من أين جاء هذا الرجل؟

تقول الحكاية إنه ولد بقرية طوخ الأقلام فى السنبلاوين بالدقهلية، وإن والدته ابنة العمدة كانت تشفق عليه أكثر من إخوته لأنه كان نحيفا ضعيف البنيان، ولعل هذا الضعف وتلك النحافة أورثاه الذكاء والحيلة فى التعامل مع المحيطين، بينما ورث الفصاحة واللباقة عن والده الشيخ سعد الباز أحد رجال الأزهر.

عندما التحق بكلية الحقوق أصرت الأم ــ كما يقول شقيقه العالم الشهير فاروق الباز ــ على الانتقال للقاهرة لأنها لم تتخيل أن يعيش بمفرده بعيدا عنها.

بعد تخرجه عمل أسامة الباز وكيلا للنيابة لكنه لم يستمر طويلا وسافر إلى أمريكا للحصول على ماجستير القانون من جامعة هارفارد. ثم التحق بالعمل فى وزارة الخارجية وأصبح مديرا لمكتب إسماعيل فهمى وزير الخارجية. وعندما استقال فهمى وتبعه محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية التالى لم يبق مع السادات غير أسامة الباز.

ولفت هذا الوضع الغريب نظر الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، فكتب يتحدث عن المفارقة بين الوفدين المصرى والإسرائيلى، بين فريق إسرائيلى كامل، ورئيس مصرى وحيد معه خبير سياسى وقانونى بعد استقالة وزيرى الخارجية.

المفارقة أن أسامة الباز الذى و لد 1931 وتخرج فى كلية الحقوق عام 1952 عندما سمع من إسماعيل فهمى عن نية السادات السفر إلى القدس غضب غضبا شديدا وقال: هذا جنون لاشك أن الرجل غير متزن.. ولابد من منع ذهابه إلى القدس حتى ولو استعملنا القوة، بينما كان رد فعل محمد البرادعى المستشار القانونى لوزارة الخارجية كما يردد إسماعيل فهمى فى مذكراته «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط» هو الاعتراض ولكنه لم يعبر عن رأيه بنفس العنف ثم وجه الدكتور البرادعى سؤالا إلى أسامة الباز قائلا: ماذا تفعل لو أصر السادات على رأيه؟ هل تذهب معه؟!

أجابه الباز: لن أذهب للقدس الا جثة هامدة. ومواقف الباز الحماسية هذه لم تنفذ على أرض الواقع لأنه رافق السادات خلال زيارته للقدس وكتب له الجزء القانونى الخاص بالقضية الفلسطينية فى الخطاب الذى ألقاه السادات فى الكنيست عام 1977، بينما تولى موسى صبرى وأنيس منصور كتابة الجزء الإنسانى.

يسهل تفسير موقف أسامة الباز المتناقض فهو شاب ومن الطبيعى أن يكون موقفه الوطنى معارضا لزيارة السادات للقدس. لكن لم يكن بمقدوره أن يستقيل مثلا ويتحدى رئيس الجمهورية، ناهيك على أن رفض المكانة المرموقة فى قمة السلطة ليس من الكياسة لشاب يخطو أولى خطواته فى دهاليز السياسة العميقة. بعيدا عن أى تفسير أو تبرير فإن وجود شخصيات تملك القدرة على النقاش والجدل مع رأس النظام هو مكسب للحقيقة وللوطن بدلا من ترك الساحة بكاملها لمن يوافقون الرئيس فى كل شىء.

الرئيس فى النهاية بشر، تغيب عنه أشياء ويحتاج دائما لمن يكون عينه على الحقيقة.

وبالفعل كانت بصمات أسامة الباز واضحة خلال المفاوضات الشاقة مع الإسرائيليين.

وخلال الاجتماع الذى عقد فى فندق مينا هاوس فى ديسمبر 1977 عقب زيارة السادات للقدس الذى رفض حضوره ممثلى سوريا والأردن ولبنان وفلسطين .فى هذا المؤتمر كان بطرس غالى هو القائم بأعمال وزير الخارجية بعد استقالة إسماعيل فهمى وبعده محمد رياض. خلال هذا المؤتمر تحدث رئيس الوفد الإسرائيلى إلياهو بن اليسار عن رغبة إسرائيل فى السلام وأفرد خريطة للعالم وقال: ان من ينظر إلى هذه الخريطة وما تبعها من خرائط يجد أن الدول شهدت على مر السنين تغيرات كثيرة فى حدودها. فحدود الدول ليست من الثوابت ولهذا لم تعد هناك دولة لم تضم أو تخصم منها مساحة من الأرض. وقبل أن يرد الدكتور عصمت عبدالمجيد رئيس الوفد المصرى اقتحم الدكتور أسامة الباز الميكروفون طبقا لتعبير كاتبنا الكبير صلاح منتصر، وقال: إن الذى فات المندوب الإسرائيلى أنه إذا راجع تاريخ الدول على مر السنين فسيجد أنه رغم صحة مقولة تغير خرائط الدول على مر السنين إلا أن الذى لا يعرفه أن هناك دولتين فى العالم لم تتغير حدودهما منذ بداية التاريخ وهما مصر والصين. وقال: ارجو ان ترجعوا إلى خريطة مصر أيام مينا إلى الآن. وسوف تجدونها نفس خرائط اليوم بدون أى تغيير. وإذا كانت مصر قد حافظت على حدودها خلال آلاف السنين ولم تفرط فى أى جزء منها بغض النظر عن الأحداث والظروف فلن تأتى اليوم أو غدا لتفعل ما لم يفعله الأجداد وأجداد الأجداد. وهنا طوى ممثل الوفد الإسرائيلى خريطته.

كان أسامة الباز أبرز اللاعبين فى كامب ديفيد بعد السادات بالطبع فمحمد إبراهيم كامل وزير الخارجية كان قلقا متوترا طيلة الوقت بينما أسامة الباز يشع بالذكاء والطاقة كما ذكر بطرس غالى فى كتابه «طريق مصر للقدس».

فى هذه المفاوضات لم يكن الوفد المصرى موحدا لا فى الشخصيات ولا المواقف، يرجع ذلك إلى أسلوب السادات الذى أربك الجميع فلم يكن يبلغ أعضاء الوفد بلقاءاته مع كارتر أو بيجين.

ومن الطبيعى أن يكون الوفد المصرى فى حالة ارتباك فوزير الخارجية غاضب دائما وبطرس غالى وزير الدولة يتحسس الوضع وحسن التهامى مستشار السادات يبدو حالما. وعصابة وزارة الخارجية (التعبير لبطرس غالى) أسامة الباز ونبيل العربى وعبدالرؤوف الريدى لا تعرف أين تقف بين الرئيس المتساهل ووزير الخارجية الغاضب حتى أحس وزير الخارجية أنه فقد السيطرة على وفده وأصبح يشعر بالخزى ففى رأيه طبقا لبطرس غالى أن السادات لم يكن يدرك بالضبط ما يريد تحقيقه كان ثابتا فى موقف ولينا فى آخر دون سبب واضح.

فى مثل هذه الأجواء الغريبة ستظهر حنكة أسامة الباز ويصبح هو المفاوض الرئيسى مع الأمريكيين والإسرائيليين. حيث لم يعد أعضاء الوفود الثلاثة المصرى والأمريكى والإسرائيلى يشتركون فى المفاوضات. وكان كارتر وأسامة الباز وباراك يقومون بالعمل ولو أن كثيرين فيما بعد ادعوا مشاركتهم العميقة والكلام للدكتور بطرس غالى الذى يقول: تحول أسامة الباز إلى بطل «عصابتنا» مناضلا من أجل صيغة تعترف بحقوق الفلسطينيين وكان يجتمع مع كارتر وباراك من الثامنة صباحا إلى الخامسة بعد الظهر ثم يستأنفون فى المساء من الثامنة حتى العاشرة.

ونظرا لفرط حماس أسامة الباز وتشدده فإن كارتر كان يقول إننى أخشى على السادات من هذا الشاب المتحمس.

بعد دوره الصعب فى كامب ديفيد أصبح أسامة الباز مستودع ثقة الرئيس السادات ومنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى ثم عهد إليه بأن يقوم بإعداد مبارك سياسيا ليصبح قادرا على إدارة الدولة عندما يخلف السادات. وأسامة الباز هو المعلم الحقيقى لمبارك الذى كانت لديه القدرة على مراجعته. وكان فى فترة الإعداد يلخص له كتب التاريخ ويعرض عليه أفلاما تسجيلية لسير زعماء مصر. وعندما أصبح مبارك رئيسا كان أسامة الباز هو المستشار السياسى للرئيس وأقرب الشخصيات إلى قلوب الناس، يرونه فيطمئنون ويسمعون منه جملا كاملة لها معنى وفيها روح وحياة كان يتكلم للناس فيصدقونه كواحد منهم. وكان حجر الأساس فى نظام مبارك وعندما اقتلعوا هذا الحجر بالتآمر والتخطيط للتوريث أنهار النظام كله.

كان الباز قد تعود أجواء المؤامرات فى مكتب الرئاسة وإذا أحس أنهم غاضبون عليه فانه يختفى تماما حتى يحتاجوا إليه ويقلبوا عليه الدنيا فيعود.

لكن مع مجىء عام 2005 قالوا لمبارك إنه أصبح عقبة فى ملف التوريث.

وروت زوجته أميمة تمام أن مبارك سأل أسامة الباز عن رأيه فى التوريث فقال: إن ذلك سيكون له عواقب جسيمة لا تستطيع الحكومة ولا مؤسسة الرئاسة تفاديها. وبعد ذلك تم إبعاده نهائيا. وعاد إلى العمل فى مكتبه المتواضع بالخارجية وقيل إنه كان يعكف على كتابة مذكراته لكن الزهايمر كان أسرع من قلمه وأوراقه. فالتهم الذاكرة الحديدية والعقل اليقظ. ولم يكن المرض سوى رفض الباز لحقيقة ما جرى معه، ولكن عندما حدثت ثورة 25 يناير عادت إليه الروح مرة أخرى، وكان أسامة الباز مستشار الشعب هو الوحيد من رجال دولة مبارك الذى نزل إلى الميدان بلا خوف، نظر، ورأى وعلم، وأيقن، أنه كان على صواب.

ولكن عاوده المرض مرة أخرى وفى فجر السبت يوم 14 سبتمبر 2013 ذهبت روحه إلى خالقها بعد حياة حافلة بالأخلاص للوطن عن عمر 82 عاما.

وعائلة أسامة الباز نموذج للأسرة المصرية المتوسطة التى استطاعت بالعمل والجد والاجتهاد أن تصل بابنائها إلى أعلى المراكز فأصبح منهم العالم والسياسى والضابط والطبيب وأستاذ الجامعة، عائلة تدعو للفخر حقا فالشقيقان محمد وعصام كانا ضابطين فى المدفعية. وأسامة كان يلى الأخ الأكبر محمد وبعده عصام ثم فاروق عالم الفضاء الشهير ثم ثلاث بنات ليلى درست الفنون وثريا أستاذ الكيمياء وأصغرهن صفاء طبيبة ثم حازم أستاذ ميكانيكا بالجامعة الأمريكية فى الشارقة وأخيرا نبيل خبير ائتمان.

وقد تزوج أسامة الباز من السفيرة مها فهمى أم ابنه باسل، وفى عام 1996 تعرف على المذيعة أميمة تمام أثناء تغطيتها لزيارة آل جور نائب الرئيس الأمريكى وتزوجها.

وبعد وفاته قالت الفنانة نبيلة عبيد إنها تزوجته واستمر زواجهما تسع سنوات وأن الرئيس مبارك كان يعلم بهذا الزواج.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق