أكتب إليكم عن قضية مهمة هى «النشر الدولى للبحوث»، وينقسم أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم بشأنه إلى فريقين، مؤيد ومعارض، وأدعو إلى التفكير فيها، فى ضوء الحقائق التالية:
أولاً: لا أمل فى دخولنا عالم القرن الحادى والعشرين بتحدياته ـ وماأكثرها ــ إلا بإثراء البحث العلمي، وهنا نتساءل: هل هناك بحث علمى, بدون باحث؟ وأين الأستاذ الجامعى الذى ينحت فى الصخر ويعمل - فى ظروف بالغة القسوة من قلة الموارد والإمكانات - فى مشروعات تطوير الجامعات والبحث العملي؟!.
ثانيًا: إن البحث العملى عمل مضن وشاق؛ يتحمل فيه الباحث مجهودا كبيرا، إلا أن المتعة فى إنجاز العمل، ومن ثم نشره ليكون مرجعا للباحثين والدارسين، تعطى الباحث إحساسا بأن الوقت الطويل الذى مضى والجهد الجهيد الذى انقضى لم يذهب سدي.. ونتساءل: ما مصير كل هذه البحوث؟! ولماذا لا يتم توجيه البحوث (مستقبلاً) لحل مشكلات المجتمع الحقيقية بدلاً من أن تصبح مجرد جهود مهدرة؟!
ثالثاً: يلاحظ أن كثيرين ينظرون إلى «النشر الدولي» على أنه باب المرور إلى العالمية، ونتساءل: ماجدوى النشر الدولى للبحوث؟! وماذا نقول فى عقدة الخواجة التى مازلنا نعانيها؟
إذا كان النشر الدولى فريضة عصرية، والأمل الذى من خلاله نصل إلى العالمية.. فما الذى يمنعنا من تطوير البحث العلمى بما يلائم واقعنا وإمكانياتنا فى ضوء المبدأ السياسى العالمى «فكر عالمياً وطبق محليا»؟، ولماذا لا يكون لدينا كيان مؤسسى للنشر العلمى وفقاً لمعايير علمية؟، وأيهما أفضل: النشر الدولى أو حصول طالب الماجستير والدكتوراه على دورة فى مهارات اللغة العربية(قراءة وفهماً وكتابة)- مثلما يحصل على دورة TOEFL كشرط لمناقشة الرسالة؛ حتى يتمكن من التفكير والإبداع فى مجال تخصصه الدقيق بلغته القومية؟ ..
ألا يعد هذا النشر الدولى دليلاً على فشل التعليم الجامعى فى مصر وتدهور أوضاعه؟! وكيف تعود الجامعات المصرية إلى المكانة التى تستحقها؟.
رابعاً: إن الوصول إلى المعايير العالمية لا يمكن أن يتحقق فى غياب الموضوعية. فالملاحظ فى المجتمع الجامعى أن كثيرين منا يعملون على قتل الموهبة بوأدها مع صاحبها فى الظلام، والنتيجة هى ارتحال الأكفاء بأعداد ملحوظة إلى حيث يستثمرون مواهبهم فى غير وطنهم، وهنا يثار السؤال: أين الجو العلمى فى الجامعات المصرية الذى يسمح بالنبوغ بعيداً عن أجواء حسد وغيرة غير علمية وجو بيروقراطى يسود هذه الجامعات؟!.
لقد راح الأستاذ الجامعى يحلق ببصره بعيداً عن أفق الوطن ليلبى أى نداء لحياة أفضل خارجه، وهنا نتساءل: هل هى الحاجة المادية أم هو البحث عن فرار من أجواء خانقة للعلم والعلماء؟.
خامساً: الأخذ بأسهل الحلول ليس دائماً أصلحها، والسؤال: هل النشر الدولى بما يكتنفه من هدر لوقت الباحث وجهده وماله إن كان لديه مال، هو الحل الأمثل لتطوير الجامعات والبحث العلمي؟!
إن الجامعات لن تنهض إلا بجهود أبنائها من الأساتذة، وإحداث تغييرات فى اتجاهاتهم نحو البحث العلمى والتزام الموضوعية وضرورة الاعتماد على الذات مع الاستفادة من جهود علماء مصر فى الخارج، وتشجيع المشاركة الشعبية فى مقابل المستورد (من المنح الأجنبية أو القروض أو نشر البحوث فى دوريات عالمية أو وجود عضو أجنبى من الجامعات الأوروبية فى لجان الترقيات... وغيرها) وتنمية قيم الولاء والانتماء للوطن.. وما أصدق الشاعر حين يقول:
ما حك جلدك مثل ظفرك
فتول أنت جميع أمرك
د. محمد سعيد زيدان
أستاذ المناهج بتربية حلوان
رابط دائم: