رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المنهج العلمى المتأدب فى مذكرات سلماوى

نبيل عبد الحميد

أحسست بمتعة القراءة مع كتاب «يوماً أو بعض يوم» للروائى والقاص والكاتب الصحفى والمسرحى الواعى محمد سلماوي.

وبدأت قراءة الكتاب المصنف «مذكرات»، وأنا أتوقع رحلة حكى تقليدى عن أهم محطات الكاتب الإبداعية والوظيفية والسياسية وجوائزه وكتبه، نظرا لأن هذا الشكل الإبداعى أصبح لا يثير لدى ما يكفى من الحماس للحرص على قراءته، ولأننى حريص على قراءة سلماوى فى كل أشكاله الإبداعية فقد تفرغت للكتاب. وصدقنى حدسي. فمن العنوان المأخوذ عن الآية القرآنية «لبثنا يوماً أو بعض يوم» الذى يبرر استخدام المبتدأ منصوباً فى بدايته «يوماً أو بعض يوم»، ومن الصفحات الأولى أحسست بنمو العلاقة الفكرية والوجدانية بينى وبين التيار السردى للحكي.

ومذكرات سلماوى جاءت على هيئة شريحة تاريخية طويلة تخضع للتسلسل الزمنى لرحلته العمرية، منذ بزوغ جذوره العائلية إلى حيث توقف بنا فى محطة النهاية فى أواخر أيام السادات. والبناء الفنى فصول مرقمة ومعنونة بطريقة تحمل ومضات مضيئة لأمكنة وأزمنة وشخوص وعلاقات لها فاعلية التأثير على حياة الكاتب. فمثلا الفصل الأول رقم (1) يحمل عنوان «لا كان اسمه سلماوى ولا كان الآخر شتا». وهو يلقى الضوء على أصالة الجذور المتشعبة منها عائلة سلماوي، التى تنتمى إلى أصل حجازى من نسل أحد قادة عمرو بن العاص، ويسمى «على سلماوي»، واستقر فى مصر وتزوج من أهلها وتداخل فى نسيج وطنها، وبعد أن خُلعت عليه أراض بناحية دسوق التى عاش بها وسميت ضيعته هناك بـ «السلمية». ومن هناك تشعبت شجرة عائلة سلماوي.

والبناء اللغوى للكتاب يقوم على منهج الأسلوب العلمى المتأدب، وهو ما برع فيه الكاتب وبطريقة لافتة. فنجده فى الفصل الأول أيضا يوظف المنهج العلمى فى إثبات أصله الحجازى وعن طريق الرجوع إلى التحليل المعملي، والتى أكدت نتائج الاختبارات أن المكون الأكبر من عينة الحمض النووى تنتمى إلى ما يسمى «بالتجمع العربي» وهو الفصيل الجينى الذى تصل إلى قمتها فى جنوب الجزيرة العربية. وفى هذا الفصل أيضا نجد الكاتب يبرع فى استخدام الأسلوب الأولى معتمدا على أدواته الفنية المتميزة فى استحلاب الحالات الشعورية التى تغلغلت فى نفسه منذ سنوات عمره الأولي، فمثلا يصف لنا بكارة أحاسيسه بالزمان والمكان الذى تبرعم فيه وبدأ يطل على الدنيا فيقول «لم أكن أجد الكثير مما أفعله فى البيت (بيت سلماوى عند محلة مالك) سوى الجلوس فى التراسينا والنظر إلى السماء لأتابع السحب والطيور فى النهار وأعد النجوم فى الليل أو أتصفح بعض المجلات التى لم أكن أجيد قراءتها فى تلك السن المبكرة. وتتلاحق فصول الكتاب مرورا بأهم محطات عمره ليلتقط منها ما يبلور شخصيته، معتمدة على عدة محاور ملحوظة، ومنها المحور التاريخى والمحور السياسى والمحور الوظيفى والمحور التربوى الذى أجد نفسى لابد أن أتوقف عنده لثراء مادته الأدبية.

ففى الفصل الثانى المعنون «ثلاث مربيات أجنبيات ونسناس» يقول الكاتب إنه خرج إلى الدنيا يوم السبت من شهر مايو، والسبت يوم زحل فى التقويم الأجنبى نظراً لأنه اليوم الصعب الذى يلقنك الدروس الصعبة. وعليه فالكاتب لم يتعلم شيئا فى حياته بالسهل، بل اكتسبه بالمعاناة والمشقة!. ويظل الكاتب يستحلب الذاكرة فى وصف معاناة سنوات طفولته ملقيا الضوء على مربيته الإنجليزية سجانة زنزانته ومنفذة البرنامج الصارم من الأوامر والنواهى ووأد حريته وبراءة طفولته. وهذه المربية كانت مسئولة عنه وإخوته فى فترات السفر المتلاحقة التى كان يغيب فيها الأبوان. وهنا يبدو التساؤل مؤثراً وهو ينسلخ من جوف الطفل (الكاتب) وهو يقول: «كيف قبل أبى وأمى هذا الفراق غير الطبيعى بين الآباء والأبناء؟. كيف قبلت أمى ذلك وأنا أعرف قدر الحب الذى كانت تكنه لي؟. هل كاناً يتصوران أن تلك هى التربية السليمة التى من أجلها يدفعان مرتباً عالياً للمربية العجوز القاسية التى أتوا بها لنا من انجلتراً؟!».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق