رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

دراما الغياب والاحتواء فى «يوميات حارق الشجر»

قضايا قصصية متجددة تسطع فى أفق المجموعة القصصية «يوميات حارق الشجر» للقاص د. أحمد الباسوسي، الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، وتستدعى مفاهيم وقضايا فنية خاصة بالقصة القصيرة، لا تنتهى جدتها رغم تباعد الزمن، والثوب الحداثى للقصص. ويتجلى هذا المعنى فى مقولة رائد القصة القصيرة «محمود تيمور»:«إن القصة روح قبل أن تكون مظهراً، وفكرة قبل أن تكون حادثة، وروح القصة الحية وفكرتها الصميمة يجب أن تكون قبساً من الإنسانية التى إليها مرد الفن الرفيع فى شتى صوره»، وروح الفن القصصى الإنسانى تحتوى قصص المجموعة، حيث نطالع فى معجمها القصصى مفردات الغياب والإخفاء للقيم الإنسانية، وللتواصل الإنسانى النبيل على السواء، ونجد أنواعاً منوعة من المشتقات التى تنتمى جميعاً للحقل الدلالى (الغياب/ الاحتواء)، فلحمة القصص ونبضها جميعاً ينطق بالغياب ونظيره الضدى الاحتواء.

وثمَّة قضية قديمة جديدة، هى حجم قصص المجموعة، حيث تتفاوت بين سطور قليلة، وصفحات طوال، وبين حدث قصصى نامٍ، وآخر جرى تفتيته بلغة إشارية مكثفة، وأرى أن وجهة القصص تقتنى بضعة مبادئ ثابتة، على رأسها أنه لا يجوز الجزم بالاحتفاظ بمساحة ثابتة مقررة للقصة القصيرة أكثر من احتفاظها بخصائص الأداء القصصى المميزة، فحيث تستوفى القصص فكرتها، وتنير قصديتها، وتشبع روحها، يكون حجمها ووسيلة الأداء الفنى بها، وهكذا تظل قضية الحجم قمة الجبل العائم المختفى تحت الماء ما يستلزم غوصا نحوه بالتأمل واستكشاف الخصائص.

ومن أولى المقولات الفنية المتجددة دائماً فى خصائص الفن القصصى كونه لقطة فنية من الحياة تشتمل على جميع عناصر ودراما الحياة كأنما جزء من مادة أو قطرة من بحر الحياة الزاخر تحمل أوصاف ذاك البحر الصاخب. والتفرد الإبداعى الجميل يأتى بتغذية الملكة الأدبية بدقة الملاحظة ويقظة الفؤاد واليراع، سأل القاص الفرنسى الشهير «موباسان» أحد أدباء عصره المشهورين عن آلية إتقان كتابة القصص: فقال له فى كلمة بسيطة عميقة الدلالة: «لاحظ ثم لاحظ ثم لاحظ»، والكاتبة «اليزبيث يورين» تحدثت عن عين الكاتب الطوافة التى ترى كل شيء بحالة اندهاش وتساؤل دائم، وهكذا نجد فكرة التقاط اللحظة القصصية وتجسيدها، فعدد من قصص المجموعة قائم على لحظة واحدة مثال قصة «لحظة فرح» التى ترصد لحظة زفاف عروس لعريسها وهى لحظة تقاوم ضباب الإخفاء والانزواء للأفراح فى حياتنا الاجتماعية، ومثال هذه المشهدية بتقديم ما تحدث عنه النقاد بظاهرة «ضيق التنفس الاجتماعى» ممثلة فى العشوائيات وفوضى الشارع العارمة شارحة لتغييرات اجتماعية عاصفة، فأكثر من قصة تأتى من أفق عالم المواصلات والميكروباص ومواقف السيارات وصراع الركاب والسائقين المتهورين، ففى قصة «ربع جنيه» القصيرة جداً نجد لحظة قهر حين قنص سائق الميكروباص ربع جنيه من أحد الركاب، لكن الخوف غلب الراكب وظل «منكمشاً فى مقعده مثل السجين يأكل بعضه. والربع جنيه المغتصب لم يفارق خياله أبداً» (ص55)، والقصة سخية بالتأويل، ففيها طبيعة الشعب المصري، وأن الاستسلام للظلم الصغير يقود للظلم الكبير.

تأتى القصص المتقنة لتؤكد قيمة موضوعية للفن الأصيل، حيث لا يكون أدباً قاتماً بل مبشراً بقيم الجمال والخير رغم جهامة الواقع وسقوطه فى التصحر النفسى والقيمي، فنيمة مثل الابتسامة المضيئة فى رحاب «شمس يناير الرائعة» (ص 120)، تقدم سرداً توثيقياً مباشرا لثورة يناير بحضور «الفتاة الثائرة»، فى أولى قصص المجموعة «مغلق لحين إسقاط النظام»، وفى حضور آخر لبعض قصص المجموعة، حيث الابتسامة تمارس الاحتواء نقيض الغياب، ففى قصة (الفتى الذهبي) الذى أضاعته فتنة الحرب نجد وصفاً لمآثره «وفى جعبته ابتسامة تحتوى العالم» (ص 39)، ونشير لفكرة تراسل الحواس والتجريد فى عبارة عن النساء يحطن بأم الشهيد «والنساء كن حولها متشحات بالمرارة وعتمة الوجدان» (ص 39 ).

وتأتى الناحية الفنية لتدعم تلك المقاومة من خلال لقاء أبطال بعض القصص ولو عبر نظرات عابرة، وأنسنة الحيوان والجماد لاشتراكهم فى ذات الألم.

خالد جودة أحمد

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق