رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

يرصد أحوال الصحافة والسياسات العربية خلال 60 عاما فؤادمطر.. عاش حلم الوحدة وأعجبه حماس عبد الناصر.. وكان هيكل أهم مصادره

مصطفى سامى;

متابعتى على الطبيعة لحال الصحافة فى مصر والعالم العربى خلال نصف القرن الماضى أعطتنى صورة واضحة لأنظمة الحكم والمجتمعات التى تصدر منها الصحف، فقد صدق أساتذة الصحافة عندما قالوا لنا إن الصحافة هى مرآة المجتمع وهى انعكاس للحكومات التى تتحدث عنها وباسمها .

الكتاب الذى أعرضه والذى صدر هذا الشهر فى بيروت ولندن فى 600 صفحة من الحجم الكبير والذى تلقيته بالبريد السريع هدية من مؤلفه فؤاد مطر الصحفى اللبنانى الشهير طبقا لجواز السفر، والقومى العربى الذى عاش مع جيلى حلم الوحدة العربية فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى وتابع من المحيط الى الخليج انتصاراتها وانكساراتها كمراسل متجول فى كل الدول العربية لصحيفة النهار اللبنانية وكانت الصحيفة رقم واحد فى لبنان حتى نهاية القرن الماضى صادق الملوك والرؤساء والحكام وكبار السياسيين وصناع القرار. وطوال الستينيات وحتى نهاية السبعينيات كانت معظم فترات إقامته بالقاهرة، وفى «الأهرام» كان واحدا من أبناء أسرتنا الصحفية كزميل وصديق لكل الصحفيين بالجريدة وارتبط بالأستاذ محمد حسنين هيكل وأسرته وكان أكثر المراسلين الذين يبحثون عن المتاعب فى الأهرام ترحيبا من كل الزملاء بالجريدة فى سنوات الصعود السياسى والصحفى.

صدر كتاب فؤاد مطر بعنوان عريض باللون الأحمر على الغلاف يقول: «هذا نصيبى من الدنيا» ثم عنوان أقل حجما يقول: «سيرة حياة ومسيرة قلم» وصورة احتلت نصف الغلاف للكاتب وفى أسفل الغلاف ثلاث صور شخصية بعنوان: «تقديم وتقييم» لكل من رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص وطلال سلمان الكاتب اللامع ورئيس تحرير السفير التى أغلقت أبوابها فى عام 1916 بعد سنوات من النضال والتحديات من أجل العروبة وفى مواجهة خفافيش الظلام ثم فرانسوا عقل رئيس تحرير النهار.

الكاتب الصحفى يكتب مسيرته الشخصية أو الفكرية طبقا لرأى مراجع الكتاب الدكتور خليل أحمد خليل فيقول هذا نصيبى من الدنيا. وأنا أرى بعد قراءة الكتاب ومن خلال معرفتى بفؤاد مطر أنه حصل خلال مسيرته الصحفية على نصيب الأسد . نصيب وافر بالغ الثراء فقد حقق كل ما يطمح إليه صحفى من نجاح وتفوق ووصل الى أعلى مستوى من المهنية دون غرور أو تعال على زملاء المهنة أو على مصادره من كبار القوم.

نصيب فؤاد مطر هائل أيضا فى المعرفة والثقافة والموهبة. يكتب بأسلوب صحفى بسيط وسلس دون هبوط باللغة العربية التى يجيدها مع اللغتين الفرنسية والإنجليزية . يعبر بأسلوبه عن الصحافة الراقية التى تتحدث عن مصالح الشعوب وتعبر عن طموحاتهم دون أن ينزلق فى التفاهات أو يعمل لحساب أية أنظمة.

مصادره الصحفية سلسلة هائلة من الملوك ورؤساء الجمهوريات والزعماء وسياسيون وإقتصاديون وصحفيون كبار بعلمهم وثقافتهم .

المقدمة كتبها أصدقاؤه المقربون فشخصية المؤلف وأمانته ودماثة خلقه تحول أى مصدر مهما كان حجمه إلى صديق.

تعرفت على فؤاد مطر فى أوائل الستينيات عندما كان يتردد على المبنى القديم فى شارع مظلوم بباب اللوق ثم انتقل معنا الى المبنى الجديد الحالى فى شارع الجلاء. كان واحدا من أسرتنا الصحفية وابنا بارا لجيلنا من الشباب الذين عاشوا حلم عبد الناصر وشهد إنجازاته الهائلة وحزن معنا وأصابه الاحباط لهزيمة عام 1967.

التقى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عدة مرات فى أكثر من مناسبة وتابع وكتب عن المؤامرات التى واجهها والتى أعدها قادة عرب بالتعاون مع أجهزة مخابرات دول غربية من أجل إسقاطه . وكتب للنهار شهاداته ومتابعاته وحواراته ولقاءاته مع المصريين طوال أكثر من عشرين عاما.

سوف أكتفى بنقل بضعة سطور من مقدمة الكاتب طلال سلمان رئيس تحرير السفير وهى واحدة من ثلاث مقدمات للكتاب جاء فيها:.

«... من طلال سلمان عن فؤاد مطر الصحفى الذى أرخ لنا عصرنا

كنت أتابع إنتاج فؤاد مطر ، الصديق والزميل ، فأغبطه على الفرصة التى توافرت له بأن يجول فى مختلف العواصم العربية متابعا ما تشهده المنطقة من تطورات وتحولات، متنقلا بين بيروت والقاهرة التى أغنته بصداقات مميزة زادته معرفة وأدخلته «بيت السر» فى العلاقات العربية العربية ممثلا بأستاذ جيلنا محمد حسنين هيكل الذى كان يسكن فى عقل الرئيس جمال عبدالناصر ثم توسعت الدائرة الى السودان فالعراق فليبيا معمر القذافى مرورا بالجامعة العربية ومؤتمرات القمة ووثائق مقرراتها السرية».

«وفؤاد مطر ليس مجرد شاهد وشهيد لتلك المرحلة بل هو محرض ممتاز على البحث عن طريق لطى صفحة التراجع فى مهالك الهزيمة والاندفاع إلى الغد الأفضل

. 600 صفحة من الحجم الكبير تشهد على إنجازات العرب منذ الستينيات ثم على سقوطهم المدوى والمستمر منذ هزيمة 1967 وحتى الآن. فؤاد مطر يكتب تمهيدا يتساءل فيه: لماذا هذه السيرة ... المسيرة؟

قبل أن يبدأ مذكراته يسترجع المؤلف رسائل التقدير الذى وصلته من قادة وزعماء العرب بمناسبة عيد الميلاد الأول لمجلة «التضامن» والتى صدرت من لندن فى ابريل عام 1983 منها رسالة من خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز (أمير الرياض) فى ذلك الوقت ، وجاء فيها: «مع بالغ التقدير للأستاذ فؤاد مطر ولـ «التضامن» التى أثبتت وجودها فى وقت قصير».

وفؤاد مطر لا يكتب مذكرات شخصية، فالطابع السياسى والصحفى يطغى تماما على الجانب الشخصى فى الكتاب ، بالرغم من أن المؤلف يأخذنا الى قرية «العين» التابعة لبعلبك التى ولد بها عام 1937 ويحكى لنا قصة ارتباطه بجده الذى أحبه بشدة وحزن كثيرا لفرالقه. وترك الفتى القرية حزينا الى بيروت ليتعلم فى مدارسها وكان فى الثانية عشرة من العمر، وكانت تلك إرادة والده الذى لاحظ عليه حبا للقراءة. يتذكر والدته التى كانت تقيم فى القرية ثلاثة موالد فى العام تجمع فيها الجارة المسيحية والصديقة السنية والأخوات الشيعيات. وتوضح لهم أن المسلم أخو المسيحى وأننا كلنا عباد الله . كان ذلك مناخ الخمسينيات والستينيات قبل أن تتلوث لبنان ودول عربية أخرى بداء الطائفية.

ينتقل بنا فؤاد مطر الى بيروت من قرية العين حيث الأسرة والذكريات ثم دراسته بكلية المقاصد . ونتيجة تفوقه فى اللغة العربية وإعجاب أساتذته بأسلوبه فى الكتابة قرر أن يعمل بالصحافة بعد أن أنهى دراسته الثانوية فاتجه الى جريدة الزمان التى أسسها نقيب الصحافة فى ذلك الوقت روبير أبيلا ويرأس تحريرها محمد العريضى أحد قادة الحزب القومى السورى ، وفى كل مرحلة يقدم مجموعة من الصور التى توثق علاقتها بأبطالها منها مجموعة من القاهرة بعد أن أوفدته النهار للعاصمة المصرية التى كانت تخرج منها أهم الأحداث فى عصر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذى أعجب بحماسه ومن هناك كان يغطى الأحداث العربية الساخنة فى العالم العربى. كل هذه المصادر من الزعماء والقادة المفكرين ورجال الإعلام والصحافة التى يؤكدها ملف من الصور تحولوا الى أصدقاء وأحباء للمؤلف لأنه كان يحترم مهنته ويتعامل مع الجميع بندية دون تفريط. كان القادة يحتاجون الى كتاباته بقدر ماكان يحتاج الى تغطية جولاتهم ولقاءاتهم وأنشطتهم السياسية. .

فصل كامل فى الكتاب يتناول فيه بالدراسة رؤساء لبنان منذ الاستقلال ثم يوثق بالصور أيضا لقاءاته بعدد من القادة والزعماء العرب أثاء لقائه بهم: ياسر عرفات ومعمر القذافى وعبدالسلام جلود ثم صورتان مع الإمام الخمينى إحداهما مع الأستاذ هيكل يفترشان الأرض خلال لقائهما بالإمام فى مقر إقامته المؤقتة بمدينة «نوفيل لوشاتو» بفرنسا قبل شهور من قيام الثورة الايرانية.

الحرب الأهلية فى لبنان دفعت بآلاف اللبنانيين الى الهجرة المؤقتة حتى تهدأ الأمور ويعود السلام بين طوائف وأبناء الوطن العربى الشقيق. ويؤكد صاحب التضامن علي حاجة العرب الى نهوض حضارى فالاهتمام من جانبنا لن يكون حكرا على السياسة، نصائح للأجيال الجديدة من الزملاء والزميلات

تختلف هذه النصائح الى حد كبير عن وصايا الأستاذ هيكل لزميلنا الصحفى أنور عبد اللطيف والتى نشرها فى كتابه الذى صدر فى العام الماضى بعنوان «هيكل.. الوصايا الأخيرة» وبالرغم من أنها كانت موجهة الى الصحفيين بالأهرام الا أنها وصايا تصلح لكل من يريد ان يقاتل فى ميدان صاحبة الجلالة، وعلى نفس طريق هيكل لم ينس فؤاد مطر أن يوجه النصيحة من خلال تجربته الثرية الى الصحفيين الجدد. وأهم ماورد فى «أوراق نصائحه» سوف أختصرها فى بضعة سطور:

لا تقتحم ميدان الصحافة (التى لم تعد فى رأيى صاحبة جلالة) الا عن اقتناع وحب لهذه المهنة يتساوى مع حب المحبوب لمحبوبته وحب العصفورة لعصفورها ... فالحب لهذه المهنة لايعترف بالملل والضجر .

لاتتوقف عن القراءة وقراءة كل ما يمكن قراءته فـ «الجهل يسبب التجهيل». فالموهبة وتثقيف الذات هما القاعدة الصلبة التى يعتمد عليها الصحفى الناجح فى عمله.

إذا كنت تسعى الى النجاح فى الصحفة فعليك أن تبدأ من المطبعة صعودا، ومتابعة كل المراحل التى تسبق صدور الصحيفة.

لاتقع فى خطأ النرجسية مهما سطع نجمك فى سماء الصحافة، فعند الوقوع فى حب الذات يبدأ التراجع إلى الهاوية. وليس هناك من احتياج الصحفى إلى النقد الذاتى.

ليس هناك أبشع من التملق ، فقد يبتسم المصدر لك ويبدو راضيا، لكنه لايحترمك على هذا التملق. ومن المهم للصحفى أن يكون وفيا لعلاقاته وصداقاته مع الكبار ولا يبعد عنهم عندما يتركوا أضواء المسئولية .

التعصب لشخص أو حزب هو أبشع الصفات التى لايجوز للصحفى أن يعتنقها وكما أنها عقيدة .

الالتزام فى إطار المسألة الوطنية لاغنى عنه للصحفى ، أما ماعدا ذلك فالالتزام يكون إستثناء. والملتزمون من الصحفيين حزبيا أو عقائديا أو رسميا بمعنى أنهم صحفيو السلطة ينسحبون من العمل الصحفى كليا أو جزئيا مع انحسار شأن الحزب أو العقيدة أو السلطة. هذه أهم النصائح التى يوجهها فؤاد مطر الى الصحفيين الجدد، وهى تصلح فى كل زمان وكل دولة متقدمة أو نامية لعل الأجيال الجديدة تقرأها وتلتزم بها .

العلاقة مع الأستاذ

من عرش «الأهرام» الى سرير المرض

أنهى عرضى لهذا الكتاب بأن أتناول فى اختصار شديد هذه العلاقة الحميمة التى ربطت المؤلف بالأستاذ هيكل. لقد أثارت هذه العلاقة حيرة البعض وغيرة البعض، لكنها استمرت وحافظت على الود حتى رحيل الأستاذ. وفؤاد مطر لاينسى وهو يكتب عن الأستاذ زملاء صاحبوه فى برج الأهرام ممن شغلوا مواقع مهمة وكانوا له عونا فى مهامه الصحفية وتأتى فى مقدمتهم المرحومة نوال المحلاوى مديرة مكتب الأستاذ وابنة الأهرام البارة أو أيقونة الأهرام والمرحوم الأستاذ لطفى الخولى الكاتب السياسى ورئيس تحرير مجلة الطليعة الماركسية والمرحوم الدكتور عبدالملك عودة أستاذ العلوم السياسية والذى عمل لسنوات فى مكتب الأستاذ مستشارا سياسيا وصحفيا.

المؤلف يقول كانت علاقتى بالأستاذ دائما «أصيلة» صمدت أمام افتراءات من بعض ذوى الهوى الساداتى. علاقة قاربت نصف قرن، شرحها فى مقالين كتبهما فى جريدة السفير طلبهما منه رئيس تحريرها طلال سلمان. وكالعادة تغلبت السياسة على الصداقة فى المقالين وقدرجع بذاكرته الى العرض الذى اقترحه على الأستاذ بأن يصدر مطبوعة من خارج مصر تحمل اسمه «محمد حسنين هيكل «قادرة أن تستقطب الأقلام المستنيرة وأن تكون المنارة التى تهدى سفن الحكومات التائهة فى عرض بحر السياسة العربية والدولية الى بر الأمان».

المقال الثانى تحت عنوان: «ذكريات عن الذى كان نجما وهوى «فيقول» على مدى زمالة وصداقة وأستاذية إمتدت أربعة عقود أجد ذاكرتى تدفعنى بقوة لأحكى عن تفاصيل هذه العلاقة الحميمة . لقد قام بعدة زيارات للأستاذ فى برقاش. يتذكر الوعد الذى قطعه الأستاذ له بأن يكتب مقالا فى مجلة التضامن».

والذى لم يتحقق فيتحول المطلب الى حوار مع الأستاذ لينشره فؤاد فى مجلته . مرورا بنهاية مرحلة السادات وفجيعة اغتياله ثم مرحلة حسنى مبارك. يقول المؤلف بقى هيكل مغردا فى قفصه الذهبى يؤلف مايفيد التاريخ والمعرفة.. ويقرر فى ثمانينيته الانصراف، ثم تقتحم فضائية «الجزيرة» صومعته ويعود النجم تضىء تحليلاته وآراؤه مسارح السياسة العربية والعالمية. ثم يحتفى به الأهرام يوم دخوله أول مرة بعد انقطاع ثلاثة عقود.

وتمر الأيام سريعة أحيانا وثقيلة فى معظم الأحيان، وتطرأ على الأستاذ أزمة صحية لعدة أيام وتوضع نقطة النهاية على زمالة وصداقة امتدت لسنوات، فيشاء الله أن يسترد وديعته ويسلم الأستاذ هيكل الروح يوم الأربعاء 17 فبراير 2016. وينشر فؤاد مطر فى نهاية هذا الفصل عشر صور له مع الأستاذ وأسرته وأصدقائه . وصورة الصفحة الأولى من الأهرام التى يقول عنوانها الرئيسى: «الأهرام ينعى للأمة الأستاذ هيكل».

المذكرات لم تنته ولكن عرضى للكتاب قد انتهى فليس مسموحا بمزيد من الكلام ، لكنى أكرر أن كتاب فؤاد مطر الصحفى اللبنانى العربى يعد من أفضل كتب المذكرات السياسية والصحفية والشخصية التى نشرت فى السنوات العشر الأخيرة وأرشحه كواحد من أفضل كتب الصحافة، يجب على كل صحفى وكل باحث فى الصحافة قراءته.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق