رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

محاولة من الخصوم لإحراج روسيا فى وقت صعب

موسكو ــ د. سامى عمارة
> الجاسوس المزدوج سكريبال وابنته

«حكايات الجواسيس» طالما كانت ولا تزال الموضوع الأكثر إثارة واستقطابا لاهتمام مختلف الأوساط بغض النظر عن تباين أعمارهم أو إختلاف مشاربهم. وها هى «حكاية» الجاسوس الروسى الذى كانت واشنطن استبدلته فى أكبر «صفقة» لتبادل الجواسيس مع موسكو فى عام 2010 ، يعود ويختار بريطانيا موطنا لاقامته ويكون سببا فى اشتعال واحدة من أكبر الازمات الدبلوماسية بين روسيا وبريطانيا، فى توقيت قد يشهد انحياز دول كبرى كثيرة الى جانب لندن فى مواجهة موسكو.

ما أعلنته تيريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا من عقوبات واجراءات بحق روسيا، ردا على محاولة اغتيال سيرجى سكريبال ضابط المخابرات العسكرية الروسية السابق، فى أعقاب توجيهها الكثير من الانذارات تحمل الوعيد والتهديد لروسيا، يشى بتطورات أكثر حدًة، ثمة ما يشير الى احتمالات ان تخرج تداعياتها عن السيطرة، وتنذر بمغبة إنفجار قد يطيح بالكثيرين من «نجوم المرحلة».

 أمام ذلك ولمواجهة ما يبدو «حملة كاملة العدد» انخرطت فيها واشنطن وكثير من بلدان الاتحاد الاوروبى ، لم تكن موسكو لتقف مكتوفة الايدى . فقد سارعت مصادر الكرملين وقيادات البرلمان والخارجية الروسية لتكشف عن ان موسكو سوف تلتزم بداية بكل قواعد القانون الدولى تجاه كل ما تتخذه بريطانيا من اجراءات دون سند منطقي، سعيا وراء تضليل الاوساط السياسية والاجتماعية المحلية والدولية. قالت إن الرد سوف يكون بالمثل، وإن كانت ستظل على موقفها من الاستعداد للتعاون مع أية جهات للتحقيق فى الحادث، معلنة فى نفس الوقت تمسكها بضرورة تقديم بريطانيا لما يؤكد اتهاماتها. وذلك ما قاله فاسيلى نيبينزيا مندوبها الدائم فى مجلس الامن لدى بحث هذه القضية.

العديد من الاسئلة يتقافز على شفاه الملايين فى موسكو، رغبة فى استيضاح صاحب المصلحة فى ارتكاب مثل هذه الجريمة فى مثل هذا التوقيت البالغ الحرج لروسيا بالتحديد . فلمصلحة من تجرى محاولة تسميم جاسوس روسى سابق على أراضى دولة اجنبية فى توقيت تنتظر فيه روسيا اجراء انتخاباتها الرئاسية فى ظل تعقد وتشابك العلاقات الدولية، وتعرضها للكثير من العقوبات منذ اندلاع الازمة الاوكرانية؟ لمصلحة من وروسيا تنتظر مونديال 2018 لكرة القدم فى توقيت تتعرض فيه الرياضة الروسية لاكثر انواع الضغوط شراسة ؟ هل يمكن ان يكون من المعقول ان تنتظر روسيا ما يقرب من ثمانى سنوات منذ تسليم الجاسوس الروسى فى عام 2010 للولايات المتحدة فى أكبر صفقة تبادل جواسيس ، لتقوم الان بمحاولة تصفيته وهى على أبواب هذين الحدثين بالغى الاهمية؟ .

ولعله يكون من المناسب الاستشهاد فى هذا الصدد بما قاله جيريمى كوربن زعيم حزب العمال البريطانى المعارض فى كلمته بمجلس العموم البريطانى اثناء نظر هذه المشكلة. وقال كوربن بضرورة أن يكون الرد البريطاني»ردا مدروسا ومتوازنا ومبنيا على أدلة دامغة تستند إلى القانون والاتفاقات الدولية وحقوق الإنسان». بل ومضى البرلمانى البريطانى الى ما هو أبعد حين قال: «إذا كانت الحكومة على اعتقاد أن هناك احتمالا أن روسيا فقدت السيطرة على مادة عسكرية مؤثرة على الأعصاب، فما هى الخطوات التى تم اتخاذها مع حلفائنا فى إطار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية؟‪.‬كما تساءل: «هل اتخذت رئيسة الوزراء الخطوات الضرورية وفقا للاتفاقية الدولية حول حظر الأسلحة الكيميائية، لتوجه إلى روسيا استفسارا رسميا لتقديم الأدلة، وفقا لما تنص عليه المادة 9.2 من الاتفاقية؟. وتساءل أيضا :»كيف ردت رئيسة الوزراء على طلب الجانب الروسى تقديم عينات المادة الكيميائية المستخدمة فى هجوم سالزبوري، لكى تجرى تجارب خاصة بها؟‪.‬واعرب كوربن عن دهشته ازاء عدم تقديم ماى نتائج تحاليل المادة الكيميائية للبرلمان، متسائلا: «هل تدل نتائج التحليل على المكان الذى صنعت فيه المادة أو هوية المجرمين؟‪»‬.

من جانبنا نتساءل : ألا يبدو ما يحدث الان شبيها بما سبق وحاول كولين باول وزير الخارجية الامريكية الاسبق فى مجلس الامن الدولى تأكيده بشأن وجود اسلحة دمار شامل فى العراق ، لوح ببعض عيناتها المفبركة داخل قاعة مجلس الامن؟ ألم نجد آنذاك من صدقه ومنهم تونى بلير رئيس الحكومة الاسبق الذى عاد مع آخرين كثيرين ليعرب عن اعتذاره لاحقا عن قبوله بمثل هذه الافتراءات ؟ .. لكن بعد فوات الاوان وتدمير العراق؟.

قد يقول قائل .. «إن الكاتب يتبنى وجهة النظر الروسية»، ما يدفعنا إلى التساؤل: «هل لنا أن نقول بغيرها رغم انها تتسق مع المنطق والعقل والقوانين والتشريعات الدولية؟.

ونزيد على ذلك بتساؤلات أخرى: ألا يكون وراء الحادث أى من ممثلى التنظيمات الارهابية ومنها «داعش» و»النصرة» ومن وقف ويقف وراء تمويلها وتسليحها، لمواجهة روسيا وسياساتها فى منطقة الشرق الاوسط؟. اليس هناك من ممثلى التنظيمات الارهابية فى بريطانيا كثيرون ممن أنعمت عليهم بجنسيتها ورعايتها المالية والاجتماعية، ومنهم من تطالب مصر وروسيا بتسليمهم؟ . ألا يواصل العيش فى بريطانيا كثيرون من زعماء الحركات الانفصالية من الشيشان والقوقاز ممن قد تكون لهم مصلحة فى ضرب مصالح روسيا الدولية فى مثل هذا التوقيت التى تنتظر فيه الحدث الرياضى الاهم – بطولة العالم لكرة القدم؟. الا يوجد فى بريطانيا أوكرانيون ممن يناصبون موسكو العداء ويسهل تجنيدهم لارتكاب مثل هذه الجريمة، فضلا عن احتمالات ان تكون اوكرانيا الدولة السوفيتية السابقة تملك مثل ذلك النوع من «غاز الاعصاب»؟. وقد يكون كل ذلك أيضا تفسيرا لما قاله خبير روسى سابق فى اللجنة الأممية المعنية بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية، حول احتمالات وقوف واشنطن ولندن وراء تسميم الجاسوس الروسى المنشق . وكانت قناة «روسيا اليوم» قد أذاعت حديثا مع الخبير الروسى كشف فيه عن أن عملية إتلاف مخزون من مادة «نوفيتشوك» المشلة للأعصاب (المستخدمة، وفقا للندن، فى محاولة اغتيال سكريبال)، كانت تتم فى أراضى جمهورية أوزبكستان السوفيتية فى عام 1999، تحت إشراف الولايات المتحدة، دون مشاركة أى دولة ثالثة» .واضاف «أن واشنطن أخذت آنذاك على عاتقها كل التكاليف المتعلقة بنقل المواد والعينات القيمة ذات الصلة بغاز «نوفيتشوك» المشل للأعصاب من أوزبكستان» إلى ما وراء المحيط»، لكن لا أحد يعرف حتى الآن إلى أين نقلت كل هذه المواد بالذات. ورجًح الخبير «أن تكنولوجيا تركيب هذه المادة وقعت فى قبضة الولايات المتحدة التى لم تنفذ بالكامل، على ما يبدو، التزاماتها فى إتلاف المواد السامة بموجب المعاهدة الدولية ذات الشأن».

ملاحظة أخرى ، قد تكون ذات مغزى. سالزبورى مقر إقامة الجاسوس الروسى فى بريطانيا ، وحيث تعرض لمحاولة الاغتيال، تقع إلى جوار أحد أكثر المختبرات السرية لوزارة الدفاع البريطانية فى مدينة بورتون .

أما عن احتمالات رد الفعل من جانب موسكو ، فقد أكد مسئولون روس ان موسكو لا تقبل الانذارات، وانها سوف ترد بالمثل، كما سبق وفعلت مع بريطانيا حين أقدم رئيس حكومتها الاسبق ادوارد هيث على طرد 105 من دبلوماسييها فى عام 1971، ومثلما ردت على مارجريت تاتشر فى عام 1985، وعلى إجراءات مماثلة أخرى كثيرة مع بريطانيا .. وغير بريطانيا.

أما عن مقاطعة المسئولين لحضور فعاليات كاس العالم لكرة القدم ، فذلك ما سبق وواجهته روسيا، سواء إبان اوليمبياد موسكو للالعاب الصيفية عام 1980، أو اوليمبياد سوتشى للالعاب الشتوية فى 2014 . اما عن احتمالات الاستجابة لدعوة بوريس جونسون وزير الخارجية البريطانية بمقاطعة المنتخب البريطانى  للعب فى البطولة، فقد يكون مكسبا كبيرا للفريق التونسى لكرة القدم الذى يمكن أن يتخلص بذلك من منافس قوى فى مجموعته. هكذا يقولون!.  

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق