رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«شكل الماء».. ملحمة سينمائية مذهلة لم تخل من هفوات

بهاء الدين يوسف

لم يحظ فيلم بكل هذا القدر من الحفاوة النقدية والجماهيرية على حد سواء منذ الفيلم الموسيقى «لا لا لاند» وما سبقه من أفلام مثل «تيتانيك» و»ذهب مع الريح» و»فورست جامب» وغيرها من الملاحم السينمائية التى تركت بصمتها فى تاريخ الفن السابع، وحظى كل منها بترشيحات قياسية لجوائز الأوسكار تراوحت بين 13 و14 ترشيحا، مثلما حظى فيلم «شكل الماء» للمخرج جيليرمو دى تورو والممثلة المبدعة سالى هوكينز الذى رشح لثلاث عشرة جائزة أوسكار فاز بأربع منها كأحسن فيلم وإخراج وموسيقى تصويرية وتصميم إنتاج.

....................

روعة فيلم «شكل الماء» تجلت فى الجهد الخرافى من المخرج وفريق العمل لتقديم الفيلم فى الصورة التى ظهر عليها والتى تخطف الأبصار وتشغل العقول عن بعض الهفوات الدرامية التى وقع فيها فريق العمل ربما بسبب التركيز الكبير على إبهار الصورة والتفاصيل المرتبطة بها من موسيقى وديكور، لكن تلك الأولوية التى منحت للصورة والإبهار وكذلك الهفوات الدرامية لا يمكن أن تجحد حق طاقم التمثيل فى تجسيد الشخصيات ببساطة رائعة لا تشعر معها بأنك تشاهد فيلما بقدر ما تنقلك إلى المكان والزمان اللذين تجرى فيهما الأحداث لتبدو وكأنك تعيشها مع أبطال الفيلم.

تدور قصة «شكل الماء» التى تبدأ على طريقة القصص الخرافية براو يسرد بعضا من التفاصيل حول إليسا أسبوسيتو التى ربما يوحى اسمها للمصريين بنوع من الأدوية المضادة للصداع أو شيء كهذا، والتى تجسد شخصيتها المبدعة سالى هوكينز، وهى عاملة تنظيف بكماء تعمل فى مختبر علمى سرى تابع للحكومة الأمريكية فى بداية الستينيات وهى ذروة صراع القوى مع الاتحاد السوفييتى السابق، تعيش إليسا فى شقة صغيرة فى منطقة متواضعة بمفردها كونها يتيمة الأبوين.

المشاهد الأولى يظهر فيها أن ظروف إليسا الاجتماعية والصحية (كونها بكماء) حرمتها من التواصل مع البشر اللهم إلا جارها الفنان العجوز جايلز «ريتشارد جينكينز» وزميلتها فى العمل زيلدا (اوكتافيا سبينسر) صاحبة البشرة السوداء، فيما يشبه توحد المنبوذين اجتماعيا باعتبار أن زيلدا من الأمريكيين الأفارقة الذين كانوا فى ذلك الوقت لا يزالون يعانون من العنصرية، وأن جايلز غير سوى جنسيا وهو ما عرضه للطرد من الشركة المرموقة التى كان يعمل بها، وهذه أيضا كانت مشكلة كبيرة فى ذلك الوقت من ستينيات القرن الماضى حتى فى أمريكا.

فى أحد الأيام يدخل المختبر الكولونيل ريتشارد ستريكلاند (مايكل شانون) وهو عسكرى صارم ومعه صندوق مغلق مليء بالماء تكتشف إليسا لاحقا أن مخلوقا غريبا «مسخ» يعيش فيه، ونكتشف معها أن المخلوق الذى يعيش مقيدا فى بركة ماء أعدت خصيصا له فى مكان منعزل داخل المختبر، عثر عليه ستريكلاند فى المحيط بجوار أمريكا اللاتينية، حيث كان الشعب البدائى هناك يقدسه، وجلبه معه لكى يتمكن العلماء الأمريكان من دراسته واستكشاف نقاط القوة فيه وكيفية نقلها إلى العسكريين الأمريكيين.

ضمن طاقم المختبر روبرت هوفستيتلر (مايكل ستالبيرج) العالم المتخصص الذى نكتشف لاحقا إنه جاسوس روسى تم زرعه لمتابعة أبحاث الأمريكان العلمية.

فى الأيام التالية لقدوم المسخ المائى اعتادت إليسا على التسلل إلى المكان المسجون فيها، وبمرور الوقت تنشأ بينهما علاقة إنسانية ربما بنفس الدافع الذى جمعها مع زميلتها وجارها العجوز وهو المعاناة من النبذ وهى نفس ما يعانى منه المخلوق المائى.

تتطور العلاقة بين إليسا والمسخ لدرجة وقوع كل منهما فى غرام الآخر، وهو ما يدفع الفتاة البكماء للتألم لمشاهدة الكولونيل المتعجرف يعذبه بعصا كهربية، ثم تبلغ مشاعرها حدها الأقصى عندما يقرر الكولونيل وقائده الذى جاء فى زيارة للمختبر لمشاهدة المسخ المائى أن يقتلاه ليتسنى للعلماء تشريحه والاستفادة منه.

يتفتق ذهن إليسا على خطة لتهريب المخلوق المائى من المختبر، ويساعدها العالم الجاسوس الذى يتمرد على الاستخبارات الروسية عندما تطلب منه قتل المسخ والتخلص منه حتى لا يتسنى للأمريكيين تشريحه وتحقيق أى استفادة من ذلك، حيث يدور حوار بين العالم والضابط المسئول عنه حافل بالإيحاءات السياسية رغم قصره، حيث يطلب العالم أن يأذن له الضابط بتهريب المسخ حتى يتمكن العلماء الروس من تشريحه، لكن الضابط يرد عليه بعجرفة أن عليه ألا يناقش أوامره أو يقتل المسخ لأن الاتحاد السوفييتى لا يسعى لأن يستفيد منه وإنما حرمان أمريكا من الاستفادة. تنجح إليسا برفقة العالم الجاسوس وزميلتها زيلدا التى رشحت لجائزة أفضل ممثلة مساعدة وجارها العجوز الذى رشح بدوره لجائزة أفضل ممثل مساعد فى تهريب المخلوق المائى، وتصطحبه إلى شقتها المتواضعة بعد أن تملأ حوض الاستحمام بالماء ليكون مقرا له.

يصل إبداع المخرج ذروته فى تصوير مشهدين لعلاقة غرامية كاملة (تم قطعها قبل العرض فى مصر) بين الفتاة والمسخ فى أول تجربة ربما فى تاريخ السينما العالمية، حيث اعتاد كبار المخرجين فى السابق على الاكتفاء بتصوير علاقة حب بين فتاة ومسخ أو وحش، لكنى دى تورو تجاوز كل خطوط الإبداع الحمراء ليصور مشهدا كاملا للعلاقة وكيف تجرى بين مسخ وفتاة.

بداية العلاقة كانت عندما شعرت إليسا بتجاذب المسخ لها وهى تلمس أكتافه لتنظفه، ما دفعها للهرب بسرعة من الحمام وهو رد فعل طبيعى لأى فتاة فى موقفها، لكن فى تلك الليلة لم تستطع النوم من التفكير فيه، حتى نهضت لتدخل عليه ويكملا أول علاقة بينهما. أما المشهد الذى يفوق ذلك المشهد إبداعا هو التالى: حينما قررت أن تعيش معه تجربة متكاملة فى عالمه، فأغلقت باب الحمام ونوافذه ثم فتحت كل الصنابير حتى امتلأ الحمام بالماء فبدا وكأنهما يمارسان الحب تحت الماء.

فى غضون ذلك يواصل الكولونيل المتغطرس محاولاته للعثور على المخلوق خاصة بعد أن تلقى تهديدات عنيفة من رئيسه فى حال أخفق فى العثور عليه، والغريب إنه لم يشك للحظة فى إليسا وزميلتها انطلاقا من استهزائه بهما وتحقيره لهما بسبب تواضع مهنتهما.

فى النهاية يرتاب فى أمر العالم الجاسوس ويتابعه إلى حيث اقتاده الضباط الروس فى مكان مهجور لقتله عقابا على مخالفة تعليماتهم، ويعترف له العالم بأن المسخ مع الخادمة.

مشهد النهاية جرى عند حافة النهر الواقع فى مدينة بالتيمور التى تجرى فيها الأحداث، حيث قررت إليسا إطلاق المسخ فى مياه النهر وقت فيضانها ليتحرر من مطاردة الكولونيل، لكن قبل لحظات من إطلاقه يلحق بهم الكولونيل ويطلق النار على المسخ وعلى إليسا التى تلقى حتفها فورا، بينما يستطيع المخلوق المائى العودة للحياة وقتل الكولونيل ثم يحمل إليسا ويقفز بها فى النهر، حيث تسترد حياتها على وقع كلمات الراوى التى تتحدث عن أن الحبيبين عاشا حياة أبدية سعيدة تحت الماء.

كما ذكرت فإن الفيلم بذل فيه جهد ضخم فى الإخراج والتمثيل ليخرج بشكل ملحمى كما ظهر، ولعبت الموسيقى التصويرية دورا عبقريا فى ربط المشاهد بالأحداث حتى يشعر وكأنه جزء منها وليس مجرد متلق لها، لكن الفيلم شهد ثغرات فى البناء الدرامى لم تكن مفهومة مثل مشهد تصوير الجار العجوز وهو يحاول ملاطفة بائع فطائر بشكل متكرر لإشباع انحرافه الجنسى، حيث لم يقدم الفيلم تبريرا لهذا الانحراف، ولا حتى تجسيدا له حيث اقتصرت محاولات العجوز على ملاطفة بائع الفطائر فقط دون غيره وهو أمر أظنه غريبا على رجل منحرف يفترض أن يسعى لإشباع انحرافه بطرق مختلفة ومع أفراد كثيرين.

لم يكشف الفيلم أيضا كيفية تسلل الجاسوس السوفييتى إلى داخل واحد من أهم المعامل السرية التابعة للحكومة الأمريكية، ولا الهدف من وجوده هناك بافتراض أن ظهور المسخ المائى كان مصادفة غير مخطط لها، والأغلب أن المخرج والسيناريست أرادا إسباغ أجواء ملحمية على الأحداث فلم يجدا أفضل من الاستعانة بلمحات من الصراع الأمريكى السوفييتى لكن دون أن يرهقا نفسيهما فى تقديم ما يقنع المشاهدين بتجانسه مع البناء الدرامى للأحداث.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق